موسكو- بدأت روسيا بوضع اللمسات الأخيرة على قرار يمهد لشطب حركة طالبان الأفغانية من قائمة المنظمات الإرهابية، وفقا لما أعلن عنه الممثل الخاص للرئيس الروسي إلى أفغانستان، زامير كابولوف، وذلك في خطوة مهدت لها روسيا بإقامة علاقات دبلوماسية مع كابل، وتسعى من خلالها لتعزيز حضورها في منطقة آسيا الوسطى سياسيا واقتصاديا بحسب خبراء.
وقال المسؤول الروسي إن القرار تم اتخاذه على أعلى المستويات، لكن الإجراءات القانونية اللازمة ما زالت بحاجة إلى استكمالها.
وجاء الإعلان الأولي عن استبعاد حركة طالبان من القائمة الروسية للمنظمات الإرهابية في 4 أكتوبر/تشرين الأول الحالي على لسان مدير الاستخبارات الروسية، ألكسندر بورتنيكوف، خلال الاجتماع الـ55 لمجلس مدراء أجهزة الأمن والمخابرات للدول الأعضاء في رابطة الدول المستقلة.
وقال بورتنيكوف إن المعطيات المتوفرة تشير إلى استعداد الحركة لمحاربة الجناح الأفغاني لتنظيم الدولة والذي يعرف بتنظيم ولاية خراسان، الذي تتهمه روسيا بالمسؤولية عن الهجوم الدموي على مجمع كروكوس في ضواحي موسكو العام الماضي.
إزالة عقبات
وكانت وزارتا الخارجية والعدل الروسيتان أبلغتا الرئيس فلاديمير بوتين في 27 مايو/أيار الماضي بإمكانية استبعاد حركة طالبان من قائمة المنظمات المحظورة. وبعد ذلك بيومين فقط، صرح المتحدث باسم الحكومة الأفغانية التي شكلتها طالبان بأن بلاده تقيم إيجابيا العلاقات مع روسيا، وهي على استعداد لبذل الجهود لإزالة العوائق القائمة.
واليوم، هناك 50 منظمة مصنفة كمنظمات إرهابية في روسيا و108 أخرى مدرجة على قائمة المنظمات المتطرفة المحظورة أنشطتها في البلاد.
وكانت حركة طالبان من بين أولى الجماعات التي تم إدراجها في هذه القائمة، وذلك في عام 2003 بناء على قرار المحكمة العليا.
ومنذ وصول الحركة إلى السلطة في أفغانستان في أغسطس/آب 2021، لم تعترف أي دولة، بما في ذلك روسيا، رسميا بنظام طالبان كحكومة شرعية لأفغانستان. لكن ممثلين عن الحركة زاروا موسكو واجتمعوا بوزير الخارجية سيرغي لافروف.
تلاقي مصالح
محلل الشؤون الدولية، سيرغي بيرسانوف، قال للجزيرة نت إن الموقف المناهض للغرب الذي تتخذه السلطات الأفغانية الحالية يتوافق تماما مع أولويات السياسة الخارجية لموسكو.
ونوه بيرسانوف إلى أنه حتى وفي حال تم الاعتراف الرسمي بطالبان، سيتعين على موسكو أن تأخذ في الاعتبار التناقضات بين الحكومة في كابل والأقليات القومية الأفغانية وكذلك الدول الأخرى في المنطقة، معربا عن اعتقاده بأن روسيا تتصرف نتيجة لهذه الاعتبارات بحذر وخطوات مدروسة.
ويتابع بأن روسيا ليست الدولة الأولى التي غيرت موقفها تجاه حكومة طالبان، فقد فعلت ذلك قبلها كازاخستان وأوزبكستان وطاجيكستان، نظرا لأن أكثر من 3 ملايين من العرق الأوزبكي والطاجيكي يعيشون في أفغانستان، لذا فإن تصرفات هذه الدول مفهومة، حسب تعبيره.
وبرأيه، فإن الأهم الآن هو رد الاعتبار لعلاقات حسن الجوار مع أفغانستان وعدم التأثر بموقف الغرب المتحيز الذي يريد من خلاله إعادة تشكيل الدول والشعوب وفقا لأنماطه الخاصة لتسهيل نهبها، كما يقول.
ويشير المتحدث إلى 3 نقاط مركزية تتعلق بأبعاد الخطوة الروسية تجاه حركة طالبان، وتتمثل بضمان حماية روسيا ودول آسيا الوسطى المرتبطة بها من التهديدات القادمة من أفغانستان، وتشكيل تحالف من القوى الآسيوية المهتمة بحل المشكلة الأفغانية، وتحقيق أقصى قدر ممكن من إزاحة الغرب عن أوراسيا.
وكانت حركة طالبان قد وقّعت في فبراير/شباط 2020 اتفاقا مع الولايات المتحدة في العاصمة القطرية الدوحة، كان من المفترض نظريا أن يطلق عملية السلام في أفغانستان مقابل سحب الدول الغربية قواتها، وأن تتوقف طالبان عن التعاون مع تنظيم القاعدة والدخول في مفاوضات مع الحكومة الرسمية. وفي الواقع، لم يحصل ذلك، وفر الرئيس أشرف غني من أفغانستان إلى الإمارات.
أما موسكو، فأعادت استئناف علاقاتها الدبلوماسية مع كابل في مارس/آذار 2022، واعتمدت دبلوماسيين من الحكومة التي شكلتها حركة طالبان.
أبعاد اقتصادية
وليست فقط الاعتبارات السياسية والأمنية هي التي تقف وراء تمهيد موسكو لتطبيع العلاقات مع أفغانستان، بل والاقتصادية كذلك، كما يؤكد الخبير الاقتصادي أيغور بيلسكي، بقوله إن لروسيا مصلحة جادة برفع العقبات السياسية تمهيدا لبدء تعاون اقتصادي مع هذا البلد.
ويضيف بأن أفغانستان أصبحت تدريجيا جزءا لا يتجزأ من المجموعة الدولية لآسيا الوسطى، حيث تشارك في حل القضايا اللوجستية والاقتصادية وغيرها، مما انعكس -على سبيل المثال- في الاهتمام الذي تبديه الصين بأفغانستان، وتحاول بكل السبل الممكنة تسريع تطوير العلاقات مع الحكومة الأفغانية.
ويرى بيلسكي أنه في هذا الحالة، فإنه من المهم جدا بالنسبة لموسكو أن تبذل جهودا في ذات الاتجاه، حتى لا تبقى على الهامش لاحقا.
ويوضح بأنه توجد احتياطيات من النفط والغاز في شمال أفغانستان، واحتياطيات كبيرة من الليثيوم في وسط البلاد. لذلك، هناك الكثير من الآفاق للتعاون والتنمية المشتركة بين البلدين.
ويضيف الخبير الاقتصادي أن أفغانستان يمكن أن تكون أحد الأطراف الأساسيين في مشاريع اقتصادية مستقبلية مهمة للغاية، كمشروع إنشاء ممر للنقل الدولي بين الشمال والجنوب، وخط سكك الحديد العابر لأفغانستان، فضلا عن احتمال أن تمر خطوط أنابيب الغاز عبر هذا البلد في المستقبل.
ويخلص إلى أن “الوضع الجديد” لطالبان سيسمح للشركات الروسية بمزاولة الأنشطة الاقتصادية في هذا البلد دون خوف، وسيمهد للدخول في اتفاقيات رئيسية بين البلدين دون صعوبات قانونية.