تونس- قال معارضون في تونس إن تدني نسبة المشاركة في الدورة الثانية لانتخابات المجالس المحلية التي جرت، أمس الأحد، هو نتيجة لتفرد الرئيس قيس سعيد بالحكم وضرب الحريات ومحاصرة الأحزاب وملاحقة المعارضين، في حين أرجع أنصار الرئيس سعيد هذا العزوف إلى تراجع ثقة الناخبين في الذهاب للتصويت جراء فشل الحكومات المتعاقبة بعد الثورة في تحسين الأوضاع.
وبلغت النسبة العامة للإقبال على الدورة الثانية لانتخابات المجالس المحلية بعد غلق جميع مراكز الاقتراع 12.44%. وقال رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات فاروق بوعسكر، في مؤتمر صحفي مساء أمس الأحد، إن 520.303 ناخبا شاركوا في الانتخابات من جملة أكثر من 4 ملايين ناخب معنيين بالمشاركة في الجولة الثانية.
ولم تختلف نسبة المشاركة المتدنية كثيرا عن نسبة الإقبال خلال الدورة الأولى لانتخابات المجالس المحلية التي ستفضي في نهاية المطاف إلى اختيار مجالس جهوية ومجالس أقاليم وصولا إلى إرساء المجلس الوطني للأقاليم والجهات أو ما يعرف بالغرفة التشريعية الثانية.
وفي الدورة الثانية لهذه الانتخابات بالكاد تجاوزت المشاركة 11% من جسم انتخابي يفوق 9 ملايين ناخب.
وفي جولة ببعض مراكز الاقتراع، عاينت الجزيرة نت حالة من الفتور في الإقبال على صناديق الاقتراع، حيث كانت المراكز شبه خالية إلا من أعوان هيئة الانتخابات وبعض أعوان الأمن والجيش الذين يحرسونها.
وبعيدا عن مراكز الاقتراع، وهي في الأصل مدارس ابتدائية وثانوية، تابع التونسيون قضاء شؤونهم الخاصة في الأسواق والمتاجر بلا اهتمام للانتخابات.
وقد نفى الناطق الرسمي باسم الهيئة الانتخابية محمد التليلي المنصري -في تصريح للجزيرة نت- وجود أي تقصير من قبل الهيئة في خطتها الاتصالية لحث الناخبين للإقبال على هذه الانتخابات. وأرجع العزوف لعدة أسباب منها طبيعة الاقتراع على الأفراد في الانتخابات المحلية.
ما موقف المعارضة؟
ويقول عبد اللطيف المكي، الأمين العام لحزب العمل والإنجاز والقيادي المستقيل من حركة النهضة في حديثه للجزيرة نت، إن منظومة الحكم الأحادية التي فرضها الرئيس قيس سعيد بسياسة الأمر الواقع غير مقنعة للناخبين، لذلك عزفوا عن الانتخابات، وتعزز هذا العزوف جراء إخفاق الرئيس في إدارة البلاد، مما عمق الأزمة الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية، وفق تحليله السياسي.
ويذكّر المكي أن الرئيس سعيد موجود على رأس السلطة التنفيذية منذ انتخابه في عام 2019 أي ما يزيد على 4 سنوات، ويقول إن سعيد يحكم البلاد بصلاحيات مطلقة منذ إعلانه التدابير الاستثنائية في 25 يوليو/تموز 2021، أي منذ سنتين ونصف، ومع ذلك لم يحقق أي إنجاز ملموس على أرض الواقع يعيد به الأمل المفقود للتونسيين، على حد تعبيره.
ليس هذا فقط، إذ يشير المتحدث ذاته إلى أن أحد أسباب تدني نسبة المشاركة في انتخابات المجالس المحلية هو استهداف المعارضين السياسيين وملاحقتهم أمنيا وقضائيا والزج بالعديد منهم في السجون، معتبرا أن نسبة محترمة من الناخبين قاطعوا الانتخابات استجابة لطلب أحزاب معارضة التي تعتبر أن التدابير الاستثنائية التي أعلنها الرئيس قيس سعيد هي “انقلاب على الدستور”.
ويرى المكي أن تنظيم الانتخابات المحلية لتركيز المجلس الوطني للأقاليم والجهات أي الغرفة التشريعية الثانية هي عبارة عن “ورقة من ورقات التوت للتغطية على فشل منظومة الحكم الحالية”، مشيرا إلى أن هذا المجلس ليس له أي قانون يوضح مهامه وصلاحياته، وأن الدستور الذي سنه الرئيس سعيد في 25 يوليو/تموز 2022 يركز بين يديه السلطة ورسم كل السياسات.
العزوف بسبب التفرد
ويقول القيادي في حزب التيار الديمقراطي المعارض هشام العجبوني إن العزوف عن التصويت هو حصيلة تفرد الرئيس قيس سعيد بكتابة دستور جديد على مقاسه والذهاب بالبلاد في مغامرة وحده دون تشريك الفاعلين السياسيين والاقتصاديين ومنظمات المجتمع المدني، إضافة إلى تراجع مناخ الحريات واستهداف المعارضين ومحاصرة أنشطة الأحزاب المعارضة، بحسب رأيه.
ويؤكد العجبوني للجزيرة نت أن حزبه مُنع، السبت، من عقد ندوة حول الصناديق الاجتماعية من قبل قوات الأمن، رغم أن الأنشطة السياسية لا تحتاج إلى ترخيص مسبق. ويقول “الحريات تدهورت بشكل غير مسبوق حتى مقارنة بما كان عليه الوضع قبل الثورة”. وبالنسبة إليه، فإن محاصرة الأحزاب التي تؤدي دورا أساسيا في تعبئة الناخبين تسبب في هذا العزوف.
ويقول المتحدث نفسه إن عدم فهم الناخبين التونسيين وحتى المترشحين أنفسهم لانتخابات المجالس المحلية لصلاحيات تلك المجالس وعدم تمييزهم بينها وبين المجالس البلدية وعدم درايتهم بعلاقة المجالس المحلية بالبرلمان وعلاقتها بالمحافظ (الوالي) جعل هناك عزوفا ملحوظا، خاصة في ظل تدهور الأوضاع المعيشية التي ألقت بظلالها على هذه الانتخابات.
ولا يرى العجبوني أي أهمية في تركيز المجلس الوطني للأقاليم والجهات الذي يختص بحسب الدستور في مناقشة ميزانية الدولة إلى جانب مجلس نواب الشعب (البرلمان) وتحديد السياسة التنموية للبلاد، ويتساءل “إذا كان أعضاء هذا المجلس سينظرون مرة كل سنة في الموازنة ومرة كل 5 سنوات في المخطط التنموي ماذا سيكون دورهم فيما تبقى من الوقت؟”.
فشل المنظومة السابقة
بيد أن الناشط السياسي أحمد الكحلاوي، وهو أحد الداعمين لمسار الرئيس قيس سعيد، يلقي باللوم في تراجع نسبة الإقبال على منظومة الحكم السابقة التي أزاحها الرئيس من الحكم، مشيرا إلى أنها كانت وراء أزمة ثقة الناخبين في الذهاب لصناديق الاقتراع، بسبب حالة الإحباط التي أصابتهم من الوعود الزائفة والمحاصصات الحزبية التي تسبب في تدهور أوضاعهم.
وبقطع النظر عن نسبة المشاركة في الانتخابات، يؤكد الكحلاوي أن تركيز الغرفة البرلمانية الثانية مسألة ضرورية للنهوض بالأوضاع الاقتصادية والتنموية في الجهات، لا سيما بعد قرار الرئيس سعيد بتقسيم البلاد إلى 5 أقاليم. ويقول “لقد أحسن الرئيس سعيد صنعا في الذهاب نحو تركيز غرفة برلمانية ثانية، حتى لا تضيع قضية التنمية بين القضايا الأخرى لدى البرلمان”.
ويرى أن فكرة تقسيم البلاد إلى 5 أقاليم تمهيدا لإرساء الغرفة البرلمانية الثانية ستكون آثارها إيجابية على الاقتصاد والتنمية من خلال تعزيز التعاون والتكامل بين المحافظات التي تنتمي لكل إقليم. ويقول “طالما رفع التونسيون شعارات تطالب بالعدالة الاجتماعية ووضع حد للتهميش الاقتصادي والرئيس سعيد ملتحم بشعبه، ويسعى من خلال مساره لتحقيق مطلبهم”.
ومن المنتظر أن يقع تركيز المجلس الوطني للأقاليم والجهات أو الغرفة البرلمانية الثانية في أجل أقصاه الأسبوع الأول من أبريل/نيسان القادم، بحسب ما أكده للجزيرة نت الناطق الرسمي باسم هيئة الانتخابات محمد التليلي المنصري.