دونت النيابة العامة في السودان بلاغات جنائية ضد 40 من قادة ائتلاف الحرية والتغيير وتحالف القوى المدنية “تقدم” بتهم تتصل بإثارة الحرب ضد الدولة وتقويض النظام الدستوري، وإثارة التذمر بين القوات النظامية، وجرائم حرب ضد الممتلكات والحقوق الأخرى وضد الإنسانية، وتصل عقوبتها إلى الإعدام.
واتخذت النيابة الإجراء بناء على شكوى من اللجنة الوطنية لجرائم الحرب وانتهاكات قوات الدعم السريع التي تشكلت مؤخرا لرصد وحصر الانتهاكات المرتكبة على خلفية الحرب الناشبة بين الجيش وهذه القوات، لكن قائمة المطلوبين لم تضم عسكريين، بل قادة أحزاب وتنظيمات سياسية تتهمها السلطات الأمنية السودانية بموالاة الدعم السريع.
وبحسب مراقبين، فإن قادة “تقدم” عضدوا من الاتجاه المؤازر لاعتبارهم ظهيرا سياسيا للدعم السريع بتوقيعهم اتفاقا مع قائد القوات محمد حمدان دقلو “حميدتي” في أديس أبابا قبل نحو شهرين.
الفريق أول ركن ياسر العطا عضو مجلس السيادة السوداني يوجه النائب العام ووزارة العدل بالإسراع في فتح بلاغات في حق من أسماهم العملاء والخونة وكل من اتهم الشعب السوداني أو مؤسسته العسكرية أو الشرطة السودانية أو جهاز المخابرات أو هيئة العمليات. pic.twitter.com/nenl0OoNIb
— Khalid Ali خالد علي (الإعيسر) (@Aleisir) March 29, 2024
قوائم
لكن قادة “تقدم” يدافعون بأن طلب اللقاء وقتها شمل طرفي الحرب لإقناعهما بضرورة وقف القتال وأن “حميدتي” سارع للتجاوب معهم بينما امتنع قائد الجيش عبد الفتاح البرهان عن الحضور والرد على دعوات التحالف.
وشملت القائمة الأولى للمطلوبين أمام النيابة 17 قياديا يتقدمهم رئيس الوزراء السابق رئيس تنسيقية القوى المدنية “تقدم” عبد الله حمدوك والأمين العام لحزب الأمة الواثق البرير بجانب رئيس الحركة الشعبية ياسر عرمان، ورئيس المكتب التنفيذي للتجمع الاتحادي بابكر فيصل، ورئيس حزب المؤتمر السوداني عمر الدقير وآخرين طالبهم القرار بتسليم أنفسهم لأقرب مركز شرطة.
وفي وقت لاحق من أمس الخميس، أعلنت النيابة قائمة جديدة حوت 23 مطلوبا بينهم اثنان من الكوادر المنتمية للدعم السريع، عُرفا بنشاطهما الإعلامي الداعم للحرب هما عبد المنعم الربيع وإبراهيم بقال.
كما ضمت القائمة الجديدة رئيس حزب الأمة فضل الله برمة ناصر، ورئيس حزب البعث العربي علي الريح السنهوري ورئيس حركة تحرير السودان -المجلس الانتقالي الهادي إدريس وآخرين غالبهم من المنتمين والمؤيدين لتحالف الحرية والتغيير.
يوضح القانوني والسياسي ناجي مصطفى بدوي للجزيرة نت أن اللجنة الوطنية لجرائم الحرب وانتهاكات الدعم السريع ليست قضائية ولا نيابية ومهمتها فقط الحصر وتقديم الدعاوى للنيابة العامة التي دونت بلاغات بناء على هذه الشكوى.
وتأتي الخطوة -وفق مصطفى- في أعقاب التصريحات التي أطلقها قادة “المقاومة الشعبية” ردا على خطاب الفريق شمس الدين كباشي الداعي إلى تنظيم عمل المقاومة، حيث نبهوا إلى أن وجود قادة الحرية والتغيير في مفاصل الدولة يعطل انتصارات الجيش ويعرقل الإجراءات القانونية.
وهو ما عضده -بحسب المتحدث- تصريح مساعد القائد العام للجيش الجنرال ياسر العطا هذا الأسبوع حين تحدث عن أن النيابة والأجهزة القضائية فيها “جنجويد” (دعم سريع) وعملاء يعرقلون النظام القضائي.
بلا قيمة
ويصف ناجي مصطفى قرارات النيابة العامة بأنها “رد فعل ناقص وغير مقبول” ولا تعبر عن الإجراء القانوني الصحيح حيث يفترض -برأيه- صدور إعلان بالنشر ومخاطبة رئاسة الإنتربول الدولي في تونس لإصدار نشرة حمراء وإلقاء القبض على المطلوبين وتقديمهم للمحاكمة، ودون ذلك فالنيابة تنشط في عمل سياسي بلا قيمة، وفق تعبيره.
ويردف “مجرد فتح بلاغ هو ذر رماد في العيون وتلاعب بالمشاعر” ويرى فيه أيضا محاولة من النيابة للرضوخ للضغط الشعبي ضد قوى الحرية والتغيير.
بدوره، يقلل رئيس المكتب التنفيذي للتجمع الاتحادي بابكر فيصل من قرارات النيابة، ويؤكد للجزيرة نت أنها بلا قيمة وتهدف لقطع الطريق أمام مساعي قادة تقدم المتصلة لوقف الحرب، ويقول “هي قرارات من صنع الفلول الذين أشعلوا الحرب ويدعون لاستمرارها”.
وسبق أن أصدر المدعي العام خليفة أحمد خليفة في سبتمبر/أيلول 2023 أمرا بالقبض على 250 شخصا من السياسيين والصحفيين والناشطين بتهم التعاون مع قوات الدعم السريع.
وقال المدعي، الذي يرأس أيضا لجنة التحقيق في جرائم الحرب وانتهاكات الدعم السريع، إنّ اللجنة تعمل على الإجراءات المتعلقة باسترداد قادة الدعم السريع والمتعاونين معها والموجودين خارج السودان بالتنسيق مع الإنتربول.
وفي 30 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، أصدرت اللجنة ذاتها أوامر بالقبض على 19 من قادة الدعم السريع على رأسهم قائدها “حميدتي” وشقيقه عبد الرحيم دقلو في الدعوى الجنائية رقم 8798 تحت دعاوى تتعلق بتقويض النظام الدستوري وإثارة الحرب ضد الدولة وتهم أخرى.
ومن وجهة نظر المتحدث باسم تحالف “تقدم” بكري الجاك، فإن خطوة النيابة تنم عن حالة من التخبط وعدم وضوح رؤية لسلطة الأمر الواقع لإفراغ الفضاء السياسي من أي قوى ديمقراطية وثورية حتى يتسنى للمؤتمر الوطني والإسلاميين تشكيل مستقبل البلاد وفق تصوراتهم لحكم شمولي فاسد وهو هدف سياسي أولا وأخيرا.
ويقول الجاك للجزيرة نت إن القرارات -ومن ناحية قانونية- لا تستند لأي مرجعية لاستهداف قوى مدنية لا تحمل السلاح وليست جزءا من القتال.
استهلاك سياسي
ويتابع المتحدث باسم تحالف “تقدم”: “الأدهى والأمر هو تهمة تقويض النظام الدستوري من منفذي انقلاب 25 أكتوبر/تشرين الأول وممن عطل الوثيقة الدستورية”.
ويتساءل المتحدث عن الحيثيات التي يستند عليها فتح بلاغ لأفراد كل فعلهم هو السعي إلى إنهاء الحرب ويرى أن مذكرة التوقيف “مجرد استهلاك سياسي” وإغراق للفضاء العام في الوقت الذي عقدت فيه تنسيقية “تقدم” أول اجتماع لهيئة قيادتها واتخذت قرارت تاريخية مهمة.
ويتفق المحلل السياسي عثمان فضل الله في حديثه للجزيرة نت مع وجهة النظر القائلة بأن قرارات النيابة بلا قيمة وأنها مجرد مادة إعلامية للاستهلاك ولا تتوافر فيها بينات تسمح ببناء قضية اتهام متماسكة.
ويلفت الى أن هذه الإجراءات تمضي على نسق ما كان يفعله النظام السابق باستخدام القانون في العمل السياسي، حيث كان يوجه للكثير من السياسيين التهم ذاتها وصل بعضها ساحات المحاكم وصدرت فيه أحكام كالقضية الشهيرة التي حوكم فيها نائب رئيس مجلس السيادة الحالي، مالك عقار و17 من منسوبي الحركة الشعبية بالإعدام.
ويضيف “هذا ما جعل مثل هذه الاتهامات مجرد طق حنك (مجرد كلام) لا تأثير لها قانونيا أو سياسيا”.
ويعتقد المحلل أن الإجراء يؤكد أن هدف الحرب هو شيطنة القوى المدنية التي ثارت على النظام السابق خاصة أن من وجهت لهم اتهامات من أفراد الدعم السريع لا يتعدون أصابع اليد الواحدة، بينما بلغت القائمات المشتكى عليها من القوى المدنية أكثر من 30 قياديا.
وتساءل: “كيف يستقيم أن توجه تهما لهذا العدد من السياسيين المدنيين بينما من يقودون المعارك على الأرض من قيادات الدعم السريع لم توجه لهم تهم، مالم يكن الأمر ذا علاقة بالصراع السياسي والتشفي ممن قادوا ثورة ديسمبر/كانون الأول التي أطاحت بالنظام السابق في 2019”.