طهران- طالما تباهت طهران طوال العقود الماضية بأنها أجرت انتخابات واحدة على أقل تقدير كل عامين تقريبا، تكاد تجمع الأوساط الإيرانية هذه الأيام على أهمية انتخابات 2024 رغم التباين في توجهاتها وانتماءاتها السياسية.
ومع بدء الحملات الانتخابية للبرلمان ومجلس خبراء القيادة الذي يتولى انتخاب المرشد الأعلى للثورة، وخلعه عندما يعجز عن أداء واجباته، يرى مراقبون إيرانيون أن الأوضاع الداخلية للبلاد والتطورات الإقليمية والتحديات الماثلة أمام المجلسين، تكاد تحوّل انتخابات 2024 إلى أهم استحقاق شهدته الجمهورية الإسلامية منذ تأسيسها.
وبعد أن بدّد مجلس صيانة الدستور آمال التيار الإصلاحي بالعودة إلى السلطة عبر بوابة الانتخابات البرلمانية في دورتها الـ12، يرى الباحث السياسي رحمان قهرمان بور أن رفض المجلس أهلية غالبية مرشحي الإصلاحيين، يكاد يدق آخر مسمار في نعش الصراع الأسطوري بين المحافظين والإصلاحيين، على حد تعبيره.
تداعيات
وفي حديثه للجزيرة نت، يقول قهرمان بور إن الأوساط الإيرانية تعوّل على انتخابات 2024 لترميم معضلة تراجع المشاركة الشعبية التي انخفضت من 64% في 2012 إلى 42% في 2020، موضحا أن العالم يراقب انتخابات بلاده، كونها أداة لإضفاء الشرعية على نظامها السياسي أكثر من دورها في التداول السلمي للسلطة.
ويرى أن استمرار تراجع المشاركة الشعبية قد يعرّض إيران إلى المزيد من الضغوط والعقوبات الخارجية، مؤكدا أن تركيبة البرلمان المقبل ستؤثر في خفض أو مفاقمة التوتر المتواصل في الشرق الأوسط، بين محور المقاومة و”الكيان الإسرائيلي” وحلفائه الغربيين.
وخلص الباحث الإيراني إلى أن إحجام أحد التيارين السياسيين على خوض المعترك الانتخابي، سيجعل الفريق المنافس أمام مفترق طرق بين التنافس الداخلي، والعزف على وتر الوضع المعيشي؛ ما سينعكس سلبا على الوحدة السياسية، واتساع الهُوة بين رموز التيار المقرّب من السلطة.
وفي ظل إعلان التيار الإصلاحي إبعاد مجلس صيانة الدستور غالبية مرشحيه من خوض السباق الانتخابي، فإن شريحة من الإيرانيين تراهن على نتيجة هذه السياسة الرقابية، لتسليط الضوء على أهمية المنافسة الحرة في الانتخابات.
وبعيدا عن التنافس السياسي بين التيارين الإصلاحي والمحافظ، تعزو شريحة من مرشحي البرلمان أهمية الانتخابات المقبلة إلى التحديات المستحدثة في إيران خلال السنوات والعقود الماضية، وضرورة سن قوانين لمعالجتها في البرلمان المقبل.
من ناحيته، يشير المرشح المستقل فريبرز ناطقي، إلى التحديات البيئية والمناخية في بلاده، ويحذّر من أن عدم معالجتها قد يحوّلها إلى تهديد للأمن القومي، مضيفا أن التناحر السياسي بين التيارين الإصلاحي والمحافظ، قد أخرج بعض الملفات المهمة من جدول أعمال البرلمانات السابقة.
ملفات مستعصية
وفي تصريحه للجزيرة نت، سلّط العالم الجيوفيزيائي فريبرز ناطقي الضوء على تداعيات تغيير المناخ والانخسافات الأرضية والجفاف والتوقعات بحدوث زلزال عنيف في العاصمة طهران خلال السنوات المقبلة، مؤكدا أن أهمية الانتخابات المقبلة تتضح من خلال ما ستفرزه، وقدرة البرلمان المقبل على مساعدة الحكومة، ومراقبة أدائها لمعالجة أهم التحديات.
وخلص إلى أن ثمة ملفات تنتظر البرلمان المقبل؛ أبرزها: التحديات الراهنة في سياسة إيران الخارجية والتطورات الإقليمية، ونتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية المقبلة والضغوط الأجنبية، إلى جانب تحديات الوضع المعيشي، وتراجع قيمة العملة الوطنية، وعجز الميزانية المتكرر سنويا، وقانون الضرائب، وأزمة الإسكان.
وإذا كانت التحديات الخارجية والداخلية تسوّغ أهمية الانتخابات البرلمانية للعديد من المرشحين الجدد، فإن النواب الحاليين يعزفون على التحديات ذاتها لتسويغ ما قد فاتهم خلال 4 سنوات مضت، ويراهنون على نتائج الانتخابات المقبلة لمتابعة سن القوانين التي يرون فيها إعجازا لوضع حد لمشكلات البلاد.
في السياق، أعلن رئيس البرلمان محمد باقر قاليباف أنه وتياره السياسي قد أوفوا بـ19 من أصل 21 محورا شكلت خطته الانتخابية، ووعد الناخبَ الإيراني بمواصلة العمل على تنفيذ ما تبقى منها خلال المرحلة القادمة.
مجلس الخبراء
ومع بدء الحملات الانتخابية وبث التلفزيون الإيراني برامج عديدة لتبيان أهمية المشاركة في الاستحقاق الانتخابي، وتركيزه على التحديات الماثلة أمام البلاد، وضرورة اختيار المرشح الأصلح للعبور بالجمهورية الإسلامية إلى بر الأمان، يتضح أن انتخابات مجلس خبراء القيادة لا تقل أهمية عن نظيرتها البرلمانية.
ويشير الأمين العام لحزب “جمهوريت إيران إسلامي” رسول منتجب نيا، إلى مهام هذا المجلس المتمثلة في اختيار المرشد الأعلى للثورة، ومراقبة أعماله وفصله عندما يعجز عن أداء واجباته، مؤكدا أن الناخب الإيراني سيختار كذلك -في الاستحقاق المقرر مطلع مارس/آذار المقبل- أعضاء المجلس لمدة 8 سنوات.
وفي حديثه للجزيرة نت، يشير منتجب نيا إلى أن المرشد الحالي علي خامنئي -الذي خلف مؤسس الجمهورية الإسلامية آية الله الخميني بعد وفاته في 1989- يبلغ عمره 84 عاما، موضحا أن شريحة كبيرة من الطبقة السياسية في إيران تخشى أن يصبح المجلس المقبل أمام اختبار حقيقي لاختيار المرشد خلال دورته القادمة.
وختم بالقول إن أهمية انتخابات مجلس خبراء القيادة تأتي من احتمالية حدوث فراغ دستوري في منصب المرشد الأعلى للثورة خلال السنوات الـ 8 المقبلة، مستدركا أن الأوساط الرقابية المحافظة قد “هندستْ هذه الانتخابات ليبقى التيار السياسي المقرب من السلطة مسيطرا على المجلس المقبل”.