لماذا تصعّد السلطة ضد المقاومة في جنين؟

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 7 دقيقة للقراءة

رام الله- تواصل أجهزة الأمن الفلسطينية منذ السبت الماضي عملية أمنية أطلقت عليها اسم “حماية وطن” في مخيم جنين للاجئين الفلسطينيين شمالي الضفة الغربية، مستهدفة مسلحين ينتمون لكتيبة جنين، تقول إنهم “خارجون عن القانون”.

وتندلع في المخيم اشتباكات متقطعة أسفرت، السبت، عن مقتل القيادي في الكتيبة يزيد جعايصة المطارد من الاحتلال الإسرائيلي، ومقتل عدة مدنيين برصاص رجال أمن السلطة.

وبدأت أحداث مخيم جنين باعتقال أجهزة السلطة إبراهيم طوباسي وعماد أبو الهيجا في أوائل الشهر الجاري، مما أثار غضب “كتيبة جنين” التي احتجزت سيارات تابعة للسلطة كرهينة للمطالبة بالإفراج عنهما.

لماذا الحملة؟

في حين يقول الناطق الرسمي لقوى الأمن الفلسطيني العميد أنور رجب إن الحملة تستهدف “خارجين عن القانون”، متعهدا بملاحقتهم “في جميع أنحاء الضفة الغربية بكافة عناوينهم ومسمياتهم”، تقول كتيبة جنين إن السلطة الفلسطينية تريد “جنين بلا سلاح مقاومة” وفق تصريح ناطق باسمها للجزيرة أمس الأحد، مضيفا “بوصلتنا واضحة وهي ضد الاحتلال فقط، وتبنينا المقاومة عن الضفة كاملة (…)، والأجهزة الأمنية اغتالت مطاردا من الاحتلال منذ سنوات وطفلين بريئين”.

ويفسر المحلل السياسي، باسم التميمي ما يحدث في جنين بقوله إن “بعض المجموعات خرجت على النظام العام الفلسطيني، وعلى القانون والإجماع الوطني الذي يحرّم رفع السلاح بين الفلسطينيين، واستخدام السلاح كلغة للتفاهم بين الأطياف الفلسطينية المختلفة”.

وأضاف في حديثه للجزيرة نت أن “المجموعات المتواجدة في مخيم جنين مارست أكثر من مرة التعدي على المواطنين الفلسطينيين والمؤسسات العامة، حتى بلغ الأمر قيامها بسرقة عدة سيارات تتبع مؤسسات حكومية فلسطينية”.

وتابع أن تلك المجموعات “روّعت الآمنين في المنطقة وتطلق النار داخل التجمعات السكانية، إضافة لمهاجمتها المواقع الأمنية الفلسطينية، وإطلاق النار على المؤسسات والمركبات الأمنية ومبنى المقاطعة مقر المؤسسة الأمنية”.

وأشار التميمي إلى أن المبادرات “لاحتواء الموقف وعدم اللجوء إلى السلاح (…) كلها جهود مقدرة ونتمنى أن تنجح، وتحول دون الوصول إلى مجابهة أكثر حدة مما يجري الآن”.

وعن احتمال اتساع المواجهة لمناطق أخرى في الضفة، قال إن “المسألة محدودة ومحصورة في مجموعة محددة داخل مخيم جنين، وأعتقد أنها ربما تنتهي خلال ساعات قليلة”.

وفيما إذا كانت عملية مخيم جنين بمثابة عربون سياسي لخطب ودّ الإدارة الأميركية القادمة، قال التميمي “لا أعتقد أن القيادة الفلسطينية بصدد تقديم عربونات لإدارة دونالد ترامب، الرئيس محمود عباس قال لترامب في صفقة القرن لا، فكيف يفترض أنه يقدم عربونا لإدارة ترامب وغيرها؟”، بحسب تعبيره.

خشية المستقبل

خلافا لرأي التميمي، يقول مدير مركز يبوس للدراسات سليمان بشارات إنه بغض النظر عن الملاحظات والمآخذ على المجموعات المسلحة في مخيم جنين والجهات التي تدعمها وسلوكها ومرجعياتها “فإن تخلي السلطة عن فكرة الحوار والاحتضان والانتقال لفكرة الصدام سيولد إشكالية كبير لا يحمد عقباها ولا يمكن توقع نتائجها”.

وأضاف، في حديثه للجزيرة نت، أن ما يجري لا يمكن فصله عن الواقع السياسي للسلطة التي تحاول “كسب المرحلة المقبلة لأن البديل هو اندثارها”.

ويرى أن خيار السلطة “ليس سهلا ونتائجه غير مضمونة”، معتبرا أنها “تقرأ المشهد تحت ضغوط إقليمية وعربية ودولية”.

وأوضح أن السلطة وُضعت أمام تحدي إما إثبات قدرتها على إدارة الحالة الفلسطينية وفق التصورات الأميركية والإسرائيلية أو تكون على أبواب تغيير جذري، ومن هنا لم يعد أمامها سوى خيار الذهاب في هذا الاتجاه، اعتقادا منها أنها قد تثبت حضورها وقدرتها على فرض السيطرة الكاملة.

أما البديل، وفق المحلل الفلسطيني، فهو “حاضر وجاهز لليوم التالي للضفة الغربية، وهو السيطرة الإسرائيلية الكاملة وربما بأدوات فلسطينية تقبل ما يطرح عليها”.

ولا يستبعد بشارات منعطفات خطيرة من شأنها ليس فقط تعزيز الفجوة والانقسام السياسي، بل إحداث انقسام مجتمعي عميق جدا، يذكّر بمراحل سبقت انهيار كثير من الأنظمة السياسية العربية التي استخدمت لغة القوة وليس الاحتضان في التعامل مع أي متناقضات داخلية، وفق رأيه.

وبرأيه أيضا، فإن المرحلة القادمة “ستكون صعبة في الخيارات والنتائج، وربما يتغير بناء عليها الكثير من العناوين المتعلقة بشكل وإدارة السلطة الفلسطينية وإدارة الحالة الفلسطينية بشل عام”.

فجوة كبيرة

من جهته، يقول المحلل السياسي سامر عنبتاوي إن ما يجري في جنين “يندرج في إطار الخلافات السياسية والأمنية داخل الشعب الفلسطيني، في ظل غياب قيادة وطنية موحدة”.

وأضاف عنبتاوي، في حديثه للجزيرة نت، أن ثمة فرقا في النهج بين مقاومين يرون أنهم ينفذون عمليات بطولية ضد الاحتلال، وطرف آخر لا يرى تأثيرا لهم في جانب الاحتلال مقابل الأثمان التي تدفع فلسطينيا كالحصار والتضييق الاقتصادي والإجراءات الإسرائيلية وغيرها.

وشدد المحلل السياسي على أن “المقاومة بكل وسائلها حق مشروع للشعب الفلسطيني”، رافضا إطلاق صفة “خارجون عن القانون” على الملاحقين في مخيم جنين.

وتابع “لا يمكن اعتبار السلاح الفلسطيني الموجه للاحتلال خارجا عن القانون، لأن الشعب الفلسطيني في مرحلة التحرر الوطني (…) هناك من يريد تصويره بهذا الاتجاه (خروج عن القانون) لتسهيل ملاحقته”.

ولا يستبعد عنبتاوي أن تكون عملية جنين “مرتبطة بإطار سياسي أو رؤية سياسية قادمة”، معربا عن أسفه كون السلطة “لا تزال بعيدة عن نبض الشعب، هناك فجوة كبيرة بين إدارة السلطة والتوجهات الشعبية الفلسطينية”.

وبرأي المحلل الفلسطيني، فإنه “إذا كان هناك من يفكر بإمكانية تحسين العلاقة مع الولايات المتحدة أو دولة الاحتلال في ظل حكومة إسرائيلية يمينية متطرفة تريد الاستيلاء على أجزاء من الضفة، فهو واهم”.

وتابع أن “المسار السياسي استمر عشرات السنوات ولم يأتِ بشيء سوى خسارة الشعب الفلسطيني في كافة المجالات السياسية والأمنية والاقتصادية والوطنية، وبالتالي أي تناغم مع هذا التوجه هو تراجع في الأداء الفلسطيني”.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *