لندن- فاجأ رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك الجميع بإعلانه، الأربعاء، عن إجراء الانتخابات العامة يوم 4 يوليو/تموز المقبل، ما يعني مع بداية عطلة الصيف.
وكانت كل التوقعات تشير إلى إمكانية إرجاء هذه الانتخابات حتى خريف هذه السنة، لعل حكومة سوناك تكون حققت بعض وعودها، قبل الدخول إلى انتخابات ستكون من بين الأصعب على حزب المحافظين.
وخضع رئيس الوزراء البريطاني لضغوط من داخل الحزب، بين تيار يقوده وزير الخزانة جيريمي هانت ويدعو لانتخابات في فترة الصيف -وهي نفس الفترة التي تم فيها استفتاء البريكست– بحجة أنه لن تتغير أشياء كثيرة خلال شهر أو شهرين.
بمقابل تيار آخر كان يدعو لتأجيل الانتخابات قدر المستطاع، على الأقل لضمان انطلاق خطة ترحيل طالبي اللجوء إلى رواندا، والتي ستكون بمثابة ورقة لإرضاء قواعد المحافظين واليمين الشعبوي المعادي للمهاجرين.
ووصفت صحيفة “غارديان” البريطانية في افتتاحيتها قرار رئيس الوزراء الإعلان عن موعد الانتخابات في الصيف بأنه “مقامرة” محفوفة بالمخاطر، حيث لا يمتلك رئيس الوزراء الكثير للقيام به خلال هذا الشهر، لإقناع المواطنين بأنه يستطيع إصلاح ما أفسدته 14 سنة من حكم حزب المحافظين.
اختيار المضطر
يصف البروفيسور وأستاذ العلوم السياسية والعسكرية طاهر عباس قرار سوناك بأنه كان “مفاجئا للجميع”، على اعتبار أنه كان من المتوقع أن يعلن عن الانتخابات في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، “وهذا التقليد الرائج في البلاد” حسب وصفه.
ويفسر الأكاديمي البريطاني اختيار سوناك لهذا التوقيت لسببين؛ أولهما أن رئيس الوزراء يعاني من مشاكل داخل الحكومة وخارجها، وأنه وصل إلى قناعة أن تأخير موعد الانتخابات لن يقدم أي شيء لحزبه، ولن تتحسن المؤشرات الاقتصادية التي كان يعول عليها لتحسين حظوظه الانتخابية، والواضح أنها مشاكل تحتاج وقتا طويلا للحل.
أما السبب برأي البروفيسور فهو شخصي ويتعلق بسوناك نفسه، حيث يريد أن يضع الحزب والحكومة أمام النهاية المرتقبة والتي ينتظرها الجميع، وهي الخسارة، وبالتالي فالرجل قد تعب ويريد أن يتخفف من أعباء المرحلة ويسرع بإجراء الانتخابات.
وعن الملفات التي من المتوقع أن تهيمن على النقاش خلال الحملة الانتخابية، فيعتبر كبير الباحثين في معهد المملكة المتحدة للخدمات (RUSI) في حديثه مع الجزيرة نت أن الاقتصاد سيكون في مقدمة الملفات، ثم هناك التغيرات المناخية والهجرة، وأيضا مكانة المملكة المتحدة في العالم.
وتوقع البروفيسور أن تكون حرب غزة محددا أساسيا في توجيه قرار الناخبين، وهذا التحدي سيعاني منه حزب العمال، الذي كانت مواقفه متراجعة بالمقارنة بالمتوقع، في الشمال خصوصا، حيث يتركز خزان انتخابي مهم للجاليات والأقليات العربية والمسلمة.
كما أن إقناع هذه الجاليات سيكون بمثابة تحدٍّ لحزب العمال، وهذا ما ظهر جليا في الانتخابات المحلية التي أجريت قبل أسابيع، التي أظهرت تراجع العمال في هذه المراكز الانتخابية، بينما من المتوقع في المقابل بروز أكبر للمستقلين الذين سيكونون خيار الكثير من الناخبين المترددين، حسب تحليل المتحدث ذاته.
قرار مفاجئ
يتفق الصحفي البريطاني كريس داويل مع ما ذهب إليه البروفيسور طاهر عباس من أن إعلان ريشي سوناك لموعد الانتخابات في الصيف كان قرارا مفاجئا، ويضيف أنه كان مثار خلاف داخلي في صفوف الحكومة وحزب المحافظين نفسه.
وأوضح داويل أن هناك انقساما بشأن القرار في أوساط مستشاري رئيس الوزراء، بين من يرى أنه يجب استغلال الحيز الزمني المتبقي لإعطاء فرصة للاقتصاد للتعافي، والبناء على تحسن المؤشرات الاقتصادية من أجل دعم الحملة الانتخابية، وبين من يرى -ومن بينهم وزير الخزانة- أن الأمر صعب المنال، وأن التعافي الاقتصادي سيحتاج مدة أطول.
وأكد الصحفي في حديثه مع الجزيرة نت أن الكثير من البريطانيين غاضبون سواء على حزب المحافظين أو العمال لأسباب مختلفة، وأنهم ربما يختارون التصويت لمستقلين، ولكن أمد الحملة الانتخابية أيضا لا يخدم هؤلاء الذين لا يجدون الوقت الكافي للتعريف بأنفسهم للحصول على أصوات إضافية.
كما استبعد رئيس مؤسسة التفاهم العربي البريطاني أن يكون حزب المحافظين قادرا على تغيير النتائج لصالحه بأي شكل من الأشكال، معتبرا أنه سبق أن بقي في الحكم مدة طويلة وصلت 14 سنة، والبريطانيون الآن يريدون التغيير، وقد راكم الحزب ما يكفي من الأخطاء والغضب الشعبي ضده، ومن الصعب جدا أن تستطيع الحملة في أسابيع معدودة تغيير هذه النظرة.
ويرى في المقابل أن حزب العمال أيضا بقيادة كير ستارمر لا يقدم بديلا مغريا لكثيرين، وهو أيضا معني بصياغة سردية انتخابية تقنع الناخبين تتجاوز مجرد خصومته السياسية مع المحافظين، ولا يعتقد أن ستارمر قادر بخطابه وتواصله أن ينجح بالقيام بهذه المهمة.
واعتبر داويل أن الأجندة التي ستشكل ملامح الحملة الانتخابية ستكون ذات طابع محلي بالأساس واقتصادي على وجه التحديد، حيث سيحاول المحافظون إقناع الناخبين أنهم بذلوا جهدا لإصلاح الأضرار التي تسببوا بها، وأن الاقتصاد يأخذ طريقه للتعافي من حالة التضخم والركود.
لكن الصحفي يستدرك بأن السجل الاقتصادي للمحافظين سيئ ومحل غضب شعبي واسع، وأن الخطة الاقتصادية التي أقدمت عليها رئيسة الوزراء السابقة ليز تراس كانت أحد العوامل الأساسية في الوضع الذي تعاني منه بريطانيا حاليا.
ويضيف أن الهجرة ستكون أيضا أحد المواضيع المطروحة، إضافة لانهيار النظام الصحي ولوائح الانتظار الطويلة التي يعاني منها المرضى، والتي ستكون محل جدل بين الغريمين السياسيين، المحافظين والعمال.