في العام الماضي، فر ما يقارب 4500 لاجئ من الروهينغا من مخيماتهم المكتظة في بنغلاديش إلى إقليم آتشيه في إندونيسيا، حالمين بالعودة إلى ماليزيا، إلا أن قرابة 600 منهم لقوا حتفهم في البحر، في حين يواجه الناجون عداء متزايدا من قبل السكان المحليين في الإقليم.
هكذا قدمت صحيفة لاكروا لتحقيق أجراه دوريان مالوفيتش من طوكيو، حاول فيه إلقاء الضوء على ملحمة الروهينغا المأساوية، منذ القمع العسكري الذي لقوه عام 2017 على يد الجيش والمليشيات البوذية في ميانمار، وهو ما أدى إلى لجوء أكثر من 740 ألفا منهم إلى بنغلاديش، وعرّض ميانمار لتهم “بالإبادة الجماعية” أمام محكمة العدل الدولية.
ويقول الناشط أزول نامبلوه من آتشيه: “استقبل الصيادون في قريتي بسخاء كبير الروهينغا الذين نزلوا من قواربهم في السنوات الأخيرة. إنهم إخوتنا المسلمون، ضحايا دكتاتورية ميانمار، وليس لديهم وطن وهم يبحثون عن السلام”، ومن منطلق الرحمة والإنسانية، قدم لهم القرويون الأسماك والفواكه والخضروات”، لم يكن عددهم سوى بضع مئات، وكان التعايش “يسير بشكل جيد، لكن كل شيء تغير في النهاية”.
فمنذ منتصف نوفمبر/تشرين الثاني، فر أكثر من 1500 لاجئ من الروهينغا في قوارب متهالكة من مخيماتهم غير المستقرة في بنغلاديش تجاه إقليم آتشيه، وتقول إميلي بوغوفيتش، من مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في جاكرتا، إن “ما يقرب من 140 من الروهينغا يعيشون في آتشيه منذ وصولهم عام 2023، ولكن هبوط 11 قاربا في 6 أسابيع على شواطئ قرى مختلفة، أثارت قلق جزء من سكان آتشيه”.
حملة كراهية
وقد انتشرت في ذلك الوقت، صور في جميع أنحاء العالم تظهر حشدا من الناس على الشاطئ وهم يمنعون قوارب الروهينغا من الرسو، وتوضح بوغوفيتش أن “القرويين قدموا لهم الطعام والماء بعد ذلك قبل أن يغادر القارب ويتمكن من الرسو في قرية أخرى على الساحل الشرقي لآتشيه”.
ويؤكد الصحفي الشاب ريفاسيسا ميسانور في العاصمة باندا آتشيه أن الانتخابات الرئاسية المقبلة في فبراير/شباط ألهمت بعض الأحزاب إطلاق حملة كراهية ضد الروهينغا على شبكات التواصل الاجتماعي.
وهذه أكبر حركة لهجرة الروهينغا إلى إندونيسيا منذ عام 2015، بحسب الأمم المتحدة. وتتحدث بوغوفيتش عن “اللاجئين الضعفاء للغاية مع العديد من النساء والأطفال الذين نقدم لهم المساعدات الإنسانية في مواقع مختلفة يعيش فيها 1750 شخصا، نصفهم تقريبا دون 18 عاما.
ويقول أزول نامبلوه: “أعرف أن بعض القرويين في آتشيه يساعدونهم على ركوب قوارب صغيرة لعبور مضيق ملقا الذي يبلغ طوله 300 كيلومتر للوصول إلى ماليزيا” بشكل غير قانوني.
جحيم مخيمات الروهينغا
ويقول سليم الله، من مخيم كوكس بازار الضخم للاجئين الروهينغا في بنغلاديش، حيث يعيش ما يقرب من مليون شخص: “إننا نتطلع إلى العيش بحرية وأمان في بلد غير ميانمار”، وقد أسس منظمة غير حكومية صغيرة، باسم “شركاء مجتمع الروهينغا”، لمساعدة آلاف الأطفال من المخيم حيث الوضع سيئ ومستمر في التدهور.
ويعيش سليم، وهو أحد الناجين من الإبادة الجماعية التي ارتكبها جيش ميانمار عام 2017، مع عائلته في “كوخ” مصنوع من الخيزران والبلاستيك، لأن “السلطات تمنعنا من البناء بشكل دائم، ولا يسمح لنا بالعمل. نحن عالقون هنا”.
وأصبح الأمن في المخيمات مصدر قلق كبير، مع ارتفاع حاد في معدلات الجريمة، حيث تم ارتكاب أكثر من 100 جريمة قتل في السنوات الخمس الماضية، وازدهر تهريب الأمفيتامين على يد بعض العصابات، كما ينفذ متمردو الروهينغا ثأرا دمويا في بعض المخيمات التي قتل فيها العشرات من زعماء المجتمع المحلي.
وحسب التحقيق، وصلت مأساة الروهينغا إلى طريق مسدود تماما، إذ تعاني ميزانيات وكالات الأمم المتحدة من نقص شديد، وترفض بنغلاديش دمج الروهينغا أو تنظيمهم، وتدافع عن حل العودة الطوعية إلى ميانمار.
يقول سليم: “أريد العودة إلى منزلي ولكن مع ضمان الأمان والعثور على منزلي وأرضي”.
ونتيجة هذه الظروف -كما يقول التحقيق- أصبح الفرار عن طريق البحر في تزايد مستمر، وقد توفي ما يقرب من 600 من الروهينغا عام 2023 في مياه جنوب شرق آسيا، وآتشيه التي كانت ترحب بهم أصبحت ترفضهم بدورها.
ويقول سليم: “لم أرغب أبدا في الذهاب إلى البحر، فهو خطير جدا، لكنني لا أرى كيف يمكنني الهروب من كوكس بازار، وأنا أريد العودة إلى ميانمار”.