غزة- تعصف أزمات عدة بأكثر من 600 ألف نسمة في مدينة رفح أقصى جنوب قطاع غزة على الحدود مع مصر، من بينهم 300 ألف نازح لجؤوا إلى المدينة من شمال القطاع، بعدما اكتظت جميع المدارس الحكومية، وتلك التابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) بالنازحين، إضافة إلى منازل الأقارب والأصدقاء، ومقار الأندية الرياضية والاجتماعية.
وتعتبر رفح إحدى المدن التي حددها جيش الاحتلال في إنذاراته المتكررة لسكان مدينة غزة وشمال القطاع، بالتوجه إليها جنوبا، وهي مدينة غير مؤهلة من حيث المرافق الخدمية والبنى التحتية، لاستقبال مئات آلاف النازحين الذين يعيشون واقعا إنسانيا مترديا.
وقال رئيس بلدية رفح الدكتور أحمد الصوفي -في حوار خاص مع الجزيرة نت- إن “الحرب الإسرائيلية الدموية والمدمرة، فاقمت من الواقع المأساوي للمدينة، والذي تعاني منه بالأساس من أزمات كثيرة، ناجمة عن سنوات الحصار الطويلة”.
الحوار التالي مع الصوفي يتناول محاور مرتبطة بالواقع الطارئ الذي فرض على المدينة، نتيجة الحرب والنزوح الاضطراري، وبالتزامن مع حصار مطبق تفرضه دولة الاحتلال منذ اندلاع الحرب في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
-
كم عدد النازحين من شمال غزة إلى مدينة رفح، وكيف تعاملتم مع هذا التدفق البشري الطارئ؟
حسب أحدث إحصاء للجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني عام 2022، يبلغ تعداد سكان مدينة رفح زهاء 300 ألف نسمة، وبفعل حركة النزوح الكبيرة من مدينة غزة ومدن شمال القطاع، هربا من القتل والتدمير بعد تهديدات الاحتلال لسكان تلك المدن، لجأ إلى مدينة رفح أكثر من 300 ألف نازح، يقيمون داخل 44 مدرسة تابعة للأونروا، و27 مدرسة حكومية، وفي مقار الأندية الرياضية، ومنشآت ومرافق عامة وخاصة، وكذلك هناك آلاف لجؤوا إلى منازل الأقارب والأصدقاء.
هذا النزوح الكبير للآلاف وبينهم أعداد كبيرة من النساء والأطفال، شكل ضغطا على المرافق الخدمية والبنية التحتية، غير المؤهلة، التي تعاني أساسا من انعدام التطوير والتأهيل لسنوات طويلة، جراء الحصار الخانق الذي تفرضه دولة الاحتلال على القطاع منذ منتصف عام 2007.
-
ما انعكاسات هذا الواقع المتردي على حياة سكان المدينة والنازحين إليها؟
لنعرف هذه الانعكاسات، يجب أن نشخّص الواقع قبل اندلاع الحرب، إذ تعاني المدينة من عدم توفر الآليات الكافية لعمل البلدية في مختلف مناحي الحياة، ومن ضعف البنية التحتية المؤهلة للمياه والصرف الصحي، ونقص المخابز الإلكترونية ذات القدرة الإنتاجية الكبيرة، حيث تمنع سلطات الاحتلال توريد الآلات الحديثة الخاصة بمثل هذه المخابز، ونفتقر للقدرة على تخزين السلع والمواد الغذائية كما وكيفا، وأهمها الدقيق.
إضافة إلى ذلك تعاني مدينة رفح، كباقي مدن القطاع من أزمة الكهرباء المزمنة، إذ تحتاج المدينة 30 ميغاوات لا يتوفر منها سوى 11 ميغاوات فقط، بعجز يصل لنحو 60%.
مع هذا الواقع الصعب والمتردي لم تكن البلدية قبل اندلاع الحرب قادرة على تقديم سوى 40% من الخدمات المدنية للسكان، أما الآن وبفعل تداعيات الحرب، فانخفضت النسبة إلى 20% فقط.
توقفت جميع الخدمات التي نعتمد عليها بشكل أساسي جراء انقطاع الكهرباء، وتم الاستعانة بمولدات تعمل على الوقود، ولا يمكنها العمل المستمر على مدار الساعة.
وبفعل تعنّت الاحتلال ورفضه إدخال الوقود، توقفت كثير من الخدمات الحيوية كآبار المياه، ومضخات الصرف الصحي، وسيارات جمع وترحيل النفايات، والمخابز.
وخلال اليومين الماضيين ونتيجة الأمطار الشديدة التي شكلت ضغطا على شبكة الصرف الصحي، وبفعل توقف المضخات عن العمل، تسربت مياه الصرف غير المعالجة للشوارع، وتهدد السكان بمكاره صحية، وكارثة بيئية جراء تدفقها للبحر.
-
يعاني سكان رفح من نقص حاد في مياه الشرب، هل يواجه السكان أزمة عطش؟
حسب منظمة الصحة العالمية، فإن نصيب الفرد الواحد 100 لتر من المياه الخاصة بالشرب والاستعمالات الأخرى، وبالوضع الطبيعي قبل اندلاع الحرب لم نصل إلى هذا المعدل، وكان نصيب الفرد في مدينة رفح 80 لترا، وقد انخفض حاليا إلى الصفر، مع توقف الآبار الجوفية، حيث لا يتوفر الوقود اللازم لضخ المياه إلى المنازل، الأمر الذي من شأنه أن يتسبب بكوارث بيئية وانتشار الأمراض والأوبئة، لعدم توفر المياه اللازمة للنظافة والاستعمال المنزلي.
ثم إن جودة هذه المياه رديئة، وغير صالحة للشرب، وتحتوي على نسبة عالية من الملوحة تتجاوز بكثير المعدلات العالمية.
لذلك يعتمد السكان على محطات تحلية المياه الخاصة والعامة للتزود بمياه الشرب، التي أثرت فيها الحرب، إذ توقفت محطة تحلية المياه في دير البلح وسط القطاع التي كانت تزود مدينة رفح بمليون لتر يوميا، وكذلك توقفت غالبية محطات التحلية التجارية جراء نفاد الوقود.
-
ألم تستفد المدينة، التي يوجد معبر رفح مع مصر في نطاقها، من المساعدات الإنسانية المتدفقة عبره؟
أولا وقبل كل شيء، كل شاحنات المساعدات التي دخلت قطاع غزة عبر معبر رفح البري خلال أسابيع لا تتجاوز عدد الشاحنات التي كانت تدخل القطاع في يومين اثنين قبل اندلاع الحرب، من خلال معبر كرم أبو سالم التجاري الوحيد، ويقدر بزهاء 600 شاحنة يوميا محملة بمختلف الاحتياجات الإنسانية لأكثر من مليوني فلسطيني.
وكذلك الوقود بأنواعه، الذي يمنع الاحتلال توريده من ضمن المساعدات عبر معبر رفح، والتي تقتصر على عبوات من مياه الشرب، وأغذية معلبة، ومساعدات طبية بسيطة، وكلها لا تلبي ولا تراعي احتياجات القطاع التي تضاعفت كثيرا جراء الحرب الدائرة للشهر الثاني على التوالي.
هذه المساعدات لا تكفي لتلبية احتياجات النازحين في مراكز الإيواء، ولا تمنع وقوع الكارثة، ولم يكن لها أثر يذكر على حياة السكان، الذين يعيشون واقعا مأساويا جراء الحرب الشرسة والحصار والمطبق.
الآن نفدت غالبية السلع والمواد الغذائية من الأسواق والمحال التجارية، وحتى الأسواق تفتقر للكثير من المحاصيل الزراعية، لتعذر وصول المزارعين إلى أراضيهم التي تتركز بشكل رئيسي في مدينة رفح وباقي مدن القطاع بمحاذاة السياج الأمني المحيط بالقطاع من الناحية الشرقية، وهي مناطق خطرة.
هناك مزارعون فقدوا أرواحهم في غارات جوية وقصف مدفعي خلال محاولتهم الوصول إلى أراضيهم ومزارع الدواجن والماشية المنتشرة في تلك المناطق.
-
هل لك أن تحدد الأولويات التي تحتاجها مدينة رفح؟
ليست رفح وحدها، وإنما كل مدن القطاع، تحتاج بصورة عاجلة وملحة لآليات ثقيلة من رافع “كباشات” ورافعات، وسيارات إسعاف ودفاع مدني، لمواكبة الحجم الكبير من الضحايا والدمار، نتيجة الغارات الجوية الإسرائيلية.
ولتقريب الصورة أكثر، فإن رافعة واحدة تستخدم في رفع أنقاض المنازل المدمرة، تشترك بها رفح مع مدينة خان يونس، وفي كل مدن القطاع لا يوجد سوى 5 رافعات، وقد اندلعت الحرب، ولا يوجد في مدينة رفح سوى كباش (آلية تشبه الملقط) واحد قديم ومتهالك، وهذه الآلات بالأساس ليست مخصصة للعمل وقت الحروب وانتشال الضحايا.
نحن بحاجة إلى آلات مخصصة للإنقاذ والعمل في أوقات الأزمات والحروب، بما فيها تلك الآليات الصغيرة التي يمكنها البحث عن أحياء تحت أنقاض المنازل والمباني المدمرة، التي لا يزال آلاف الشهداء تحتها، وكان بالإمكان إنقاذ أعداد منهم مكثوا ساعات أحياء تحت الأنقاض لو تم الوصول إليهم بالوقت المناسب، غير أن فرق الدفاع المدني لم تتمكن من انتشالهم، لضعف الإمكانيات وقلة الكوادر البشرية.
في رفح مثلا لا يتجاوز تعداد طواقم الدفاع المدني 120 فردا، مع نقص شديد في سيارات الإسعاف وآليات ومعدات الإنقاذ والتعامل مع الأنقاض والحرائق.
ومن بين أبرز احتياجاتنا الحالية بالمدينة، سرعة إنجاز وافتتاح مستشفى الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني المقام على 50 دونما (الدونم ألف متر مربع)، والممول من دولة قطر الشقيقة، وتم إنهاء المرحلة الأولى الخاصة بقسمي الطوارئ والجراحة، ومن المفترض افتتاحه عام 2025.
-
هل لديكم تقدير أولي للخسائر وحجم الدمار الذي تعرضت له رفح؟
من المعلوم للجميع أن الحركة محفوفة بكثير من الأخطار، ولا يمكن الوصول إلى كل أنحاء المدينة لحصر الأضرار الناجمة عن الغارات الجوية الإسرائيلية، والقصف البري والبحري، غير أننا تمكنا حتى اللحظة من رصد تدمير 320 منزلا متعدد الطبقات، و800 وحدة سكنية، كلّيا، في حين لحقت أضرار متفاوتة بزهاء 10 آلاف منزل، فضلا عن تدمير كلي لمبنى الدوحة التابع للبلدية المكون من 4 طوابق، ويضم مقر بريد المدينة ومرافق أخرى.
إضافة إلى ذلك، فإن الخسائر فادحة بالقطاع الزراعي جراء الاستهداف المباشر لمساحات شاسعة من الأراضي في المناطق الشرقية المحاذية للسياج الأمني في مدينة رفح، وعلى امتداد القطاع، وكذلك بسبب تلف المحاصيل الزراعية ونفوق الدواجن والماشية لعدم قدرة المزارعين على الوصول لهذه المناطق شديدة الخطر.