مراكش- تقف السيدة الستينية فاطمة مصدومة وهي ترى الجرافات تزيل ما بقي من بيتها الذي تشققت جدرانه بعد الزلزال المدمر في حي “رياض الزيتون” بالمدينة القديمة لمراكش. تنظر إليه بأسى كبير وهي تضع يدها على خدها، مسترجعة ذكريات لا تُنسى، وتفكر في مستقبل غامض ينتظرها بعدما أصبحت بلا مأوى.
وباتت نسبة كبيرة من المنازل مهددة بالانهيار في أي لحظة هنا، فحال فاطمة كحال آلاف الأسر في المناطق المنكوبة، خاصة بعد توالي الهزات الأرضية الارتدادية في المنطقة.
ويواصل فريق من المهندسين والخبراء المتطوعين مساعدة المتضررين في قلب الكارثة، لتقييم الأضرار التي لحقت بهذه البنايات بعد الزلزال. ويعمل هؤلاء ضمن مجموعات يتزايد عددها يوما بعد آخر، كما تكونت لجنة شبه وزارية وكُلفت بوضع برنامج استعجالي لإعادة تأهيل وبناء المنازل المدمرة على مستوى المناطق المتضررة من الزلزال.
يقول المهندس المعماري الشاب نزار إتري للجزيرة نت، إن عمل الفريق يتم بتنسيق مع الوزارة والسلطة والجمعيات المحليتين، مبينا أن ذلك يمر عبر 3 مراحل، أولها إجلاء المتضررين وحمايتهم قبل أن يتم التدخل لتقييم الضرر وإزالة الخطر، وطمأنة من لا خطر عليهم من جهة ثانية.
وبدأت العملية في المدينة القديمة لمدينة مراكش، في حين ما تزال متأخرة في مناطق أخرى منكوبة، وفق تصريحات متطابقة من مسؤولين في الجماعات المحلية المتضررة.
ويضيف إتري أن الخبراء الذين عملوا سابقا في برنامج تأهيل ساحة جامع الفنا والأسواق القديمة، يحاولون الوصول إلى كل المناطق الهشة وإلى المنازل المتضررة عبر سلسلة تواصل يشترك فيها المواطنون بشكل فعال.
وضع النسيج العمراني
يقول المهندس الطيب القاردي في حديث للجزيرة نت إن الزلزال كان له تأثير مباشر على سلامة الأشخاص والممتلكات إلى درجة كارثية في العديد من المناطق ومن بينها المباني القديمة بالمدينة العتيقة بمراكش، والتي تشكّل نسيجا عمرانيا متشابكا وأحيانا معقدا، نظرا لضيق الأزقة والممرات واتكاء بعضها على بعض، وعدم قدرتها على الصمود أمام قوة الزلزال، وبفعل الاهتزازات الديناميكية المتكررة وتأثيرات التغير المناخي المتواصل.
ويضيف القاردي أن هناك بنايات تستلزم الهدم وإعادة البناء بطريقة مهنية محترفة، نظرا لهشاشة هيكلها ولخطورة انهيارها في أي لحظة على المارة والسكان، بينما يمكن تدعيم بعض البنايات أو هدمها جزئيا بإشراف هندسي تفاديا لانهيارها الكلي، خصوصا أن تلك البنايات تاريخية وثقافية ويمكن الحفاظ عليها بالتدعيم والترميم اللازمين، في حين تبقى نسبة قليلة من البنايات صمدت أمام التأثيرات وبقيت في حالة مقبولة.
قدرة تحمل المنازل
يوجد في المغرب قانون خاص بالبناء المقاوم للزلازل، لكنه لا يشمل أغلب المنازل القديمة في مراكش، بحكم أنها بنيت قبل إقراره، فكان من الطبيعي تعرضها لانهيارات وتصدعات نظرا لقوة الزلزال التي بلغت 7 درجات، وقرب مركزه من سطح الأرض، ولهشاشة مواد البناء المستعملة في بنائها وضعف مقاومتها، كما يلاحظ القادري.
ووفق التجارب والدراسات الجيوتقنية التي أنجزت من قبل، فإن البناء الطيني إن تم بمواد محلية وذات جودة عالية باستخدام طرق حماية سليمة، فبإمكانه الصمود في وجه الزلازل، رغم وجود بعض العوائق والتأثيرات الخارجية.
ويؤكد المهندس القاردي أنه رغم تميز البناء الطيني بالمقاومة والعزل الحراري وعدم انبعاث ثاني أكسيد الكربون منه، فإن هناك عوامل أخرى تؤثر على مقاومته للزلازل؛ كالاهتزازات في الهياكل وازدياد ترددها بشكل سريع كلما طال وقت الهزة الأرضية، بالإضافة إلى التفاعل الإيجابي للتربة مع موجات الزلزال وتحولها بسرعة إلى وضع شبه سائل، مما قد يؤدي لانهيار كلي لهيكل البناية القديمة.
إشكال قانوني
شرّع المغرب منذ سنة 2013 قانونا للبناء بالطين، ويلاحظ الباحث عبد الواحد الإدريسي في حديث للجزيرة نت غياب تفعيل النص القانوني، إذ تُلزم الدولة المهندسين بتصاميم بناء وتصاميم تعتمد على الإسمنت المسلح حتى في المناطق ذات الخصوصية المعمارية المحلية المعتمدة على البناء بالطين، والتي تستوجب الحصول على رخص خاصة في المدن العتيقة والقصبات والقصور.
ويرى المهندس القاردي أنه من الواجب إعادة النظر في بعض الآليات القانونية والإجرائية والتقنية، خصوصا في تلك المناطق التي يبني أصحابها بيوتهم بأسلوب عصري، لكنهم يغلفونها بالطين للوقاية من شدة الحرارة، أو في بعض المناطق الجغرافية الريفية التي لا تستوجب الحصول على رخص البناء ومراقبة الفنيين والتقنيين.
ويؤكد القاردي على ضرورة تجديد “قانون الزلازل” الذي أصبح متجاوزا من خلال إدخال تقنيات علمية حديثة تأخذ بعين الحسبان أساليب البناء المقاومة للزلازل وجودة المواد المستعملة التي ينبغي فرضها على المقاولين، بالإضافة إلى التصاميم الهندسية الناجعة، مع فرض الدراسات الجيوتقنية في كل مشاريع البناء بالقطاعين العام والخاص، والقيام بالتجارب المخبرية الضرورية على كل مواد البناء قبل الإنشاء.