موسكو- دخل ملف انضمام فنلندا إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو) إلى دائرة التجاذب مجددا بين موسكو وهلسنكي بعد تهديد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأن هذه الخطوة ستؤدي إلى مشاكل بين البلدين، متوعدا بالرد على ذلك بإنشاء منطقة لينينغراد العسكرية.
ويشكل ذلك أول تعليق روسي على هذا المستوى بعد أن وقعت فنلندا الأسبوع الماضي مع الولايات المتحدة اتفاقا لتعزيز التعاون العسكري بين البلدين، يتيح لواشنطن حق استخدام 15 قاعدة عسكرية في الدولة الإسكندنافية.
وتنص الاتفاقية أيضا على التخزين المسبق للمعدات والإمدادات والأعتدة الدفاعية على الأراضي الفنلندية، ودخول وحركة الطائرات والسفن والمركبات الأميركية، وحماية وسلامة وأمن القوات الأميركية والمرافق والأراضي التي تستخدمها.
ولم تكن إشارة بوتين لإنشاء منطقة لينينغراد العسكرية خبرا جديدا في واقع الحال. فقد تحدث وزير الدفاع سيرغي شويغو عن مثل هذه الخطط قبل نحو عام، لكن المناقشات في روسيا بشأن المشروع كانت “هادئة نسبيا”.
وكانت فنلندا والسويد قدمتا في وقت واحد طلبات للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي في عام 2022. وطرحت تركيا شروطا يتعين على البلدين استيفاؤها حتى تصدق أنقرة على الانضمام، وتتلخص بتصنيف المنظمات الكردية على أنها إرهابية، وتسليم المتهمين بالإرهاب، ورفع الحظر المفروض على إمدادات الأسلحة إلى أنقرة.
عواقب بعيدة المدى
لكن الأمر يختلف إلى حد كبير بالنسبة إلى روسيا كونه يشكل تهديدا جديدا لأمنها القومي بشكل مباشر مع اقتراب القواعد الأطلسية والأميركية نحو حدودها الغربية في خرق لتفاهماتها السابقة مع الولايات المتحدة وحلف الأطلسي.
فبعد توقيع الاتحاد السوفياتي في عام 1990 على معاهدة القوات المسلحة التقليدية في أوروبا، قبلت موسكو القيود المفروضة على نشر التشكيلات والوحدات العسكرية في شمال غرب الاتحاد السوفياتي، وفي روسيا لاحقا. وعلى هذا الأساس، تم في عام 2010 حل المنطقة بالكامل. وعلى أساس منطقتي لينينغراد وموسكو العسكريتين الحاليتين، شكلت المنطقة العسكرية الغربية في سبتمبر/أيلول 2010.
وما يسمى بالرابطة الإقليمية الإستراتيجية “منطقة لينينغراد العسكرية” كانت موجودة من عام 1918 إلى عام 2010، ووقع مقرها الرئيسي بساحة القصر في سان بطرسبورغ. وفي السنوات الأخيرة، كانت هذه المنطقة تعتبر الأصغر، إذ بلغ عدد قواتها البرية والجوية حوالي 28700 جندي.
ترتيبات جديدة
وحاليا، تنقسم القوات الروسية إلى المناطق العسكرية الجنوبية والغربية والوسطى والشرقية، بالإضافة إلى الأسطول الشمالي. وفي أكتوبر/تشرين الأول من هذا العام، أعدت وزارة الدفاع مشروع مرسوم رئاسي، بموجبه سيفقد الأسطول الشمالي مكانته كرابطة إقليمية إستراتيجية متعددة الأنواع.
وعندما يصبح المرسوم نافذا قانونيا، فإن 4 مناطق، تنتمي حاليا إلى الأسطول الشمالي وفقا للتقسيم الإداري العسكري، ستصبح تابعة لمنطقة لينينغراد العسكرية. وهذه المناطق هي مورمانسك وأرخانغيلسك، ونينيتس ذات الحكم الذاتي وجمهورية كومي.
ويأتي تحذير الرئيس الروسي كذلك في وقت تشهد فيه العلاقات بين موسكو وهلسنكي توترا شديدا، لا سيما بعد إغلاق السلطات الفنلندية مؤخرا جميع النقاط الحدودية مرة أخرى مع روسيا.
تحديات
ووفق مراقبين روس، تعتبر هذه المرة الأولى منذ الحرب العالمية الثانية، التي ستواجه روسيا موقفا حيث سيسيطر عدو محتمل على ضفتي خليج فنلندا، وسيكون قادرا على “حبس” الأسطول الروسي فيه.
وبرأي المحلل العسكري، غينادي بولينسكي، فإن فنلندا، باعتبارها دولة محايدة، لم تشكل حتى وقت قريب تهديدا لروسيا، لكن الوضع تغير الآن.
ويرى في حديث للجزيرة نت بأن كل ما يجري يعتبر جزءا من خطة تهدف إلى حبس روسيا في خليج فنلندا، وعزلها عن بحر البلطيق، معيدا إلى الأذهان أن الألمان قاموا بنفس الشيء في عام 1941 بحصار الأسطول الروسي في خليج فنلندا، والآن تحاول هلسنكي تكرار الشيء ذاته.
وبحسب رأيه، فالجيش الفنلندي لا يشكل تهديدا، بل تكمن الخطورة في أن قوات الناتو ستأتي إلى أراضيها.
ويعتبر بولينسكي أنه سيتعين على الجيش الروسي نشر فيلق على الأقل، بل جيشا “مع قوات دفاع جوي، وكل شيء آخر ضروري” على الحدود مع فنلندا.
ويشير إلى أنه في العهد السوفياتي كان المحور الشمالي الغربي مغطى بالجيش السادس، وكانت المهمة هي التقدم بنجاح في جميع أنحاء شبه الجزيرة الإسكندنافية في حالة نشوب حرب مع الناتو. والآن لم يعد من المنطقي نشر عنصر كبير من القوات البرية، فالتهديد الرئيسي سوف يأتي من الجو، حسب قوله.
أما محلل الشؤون العسكرية إيليا كرامنيك، فيصف سيطرة الناتو على ضفتي خليج فنلندا بأنها خطر جديد لم تواجهه روسيا منذ الحرب العالمية الثانية.
ووفقا له، فإن بناء المجموعة البحرية لأسطول البلطيق في هذه الحالة لن يؤدي إلى زيادة القدرات القتالية، بل يرى من الضرورة نشر قوات برية بالقرب من الحدود مع دول البلطيق، حيث توجد كل الفرص للقيام بعمليات هجومية ناجحة للتواصل مع منطقة كالينينغراد الدفاعية وفتح خليج فنلندا.
ويتابع بأنه لتشكيل وحدات وتشكيلات جديدة، سيكون من الضروري، على سبيل المثال، تجديد المنطقتين العسكريتين اللتين يُعَاد إنشاؤهما بقوات المدفعية، وخبراء المتفجرات الهندسية، وألوية الجسور العائمة، وألوية الحرب الإلكترونية، وألوية الاتصالات، وما إلى ذلك، لتكون جاهزة لأي أعمال عدوانية من فنلندا.