القدس المحتلة- منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أمسى المسجد الأقصى ساحة لتفريغ نقمة المستوطنين من معركة طوفان الأقصى، ومسرحا لتمجيد قتلاهم وأسراهم، ومحطة انتقال سلسة بين المقدسات في القدس المحتلة وقطاع غزة، حيث ارتدى أنصار جماعات الهيكل زيّهم العسكري، وتعالت أصواتهم للتسريع بهدم المسجد الأقصى وإقامة الهيكل المزعوم.
رصدت الجزيرة نت سلوك أعضاء في أبرز جماعات الهيكل في المسجد الأقصى، وذلك عبر ما نشروه على حساباتهم الرسمية، وسط تغييب ميداني للصحفيين المقدسيين وحراس الأقصى عن الانتهاكات التي ينفذها المستوطنون خلال اقتحامهم.
وأبدت جماعات الهيكل غير مرة انزعاجها من تسمية المعركة بـ “طوفان الأقصى”، فقال أحد نشطائها النائب الأسبق في الكنيست “موشيه فيغلن” في اقتحامه المسجد الأقصى مؤخرا: “لقد أسموا المعركة “طوفان الأقصى”، ونحن يجب أن نسميها “معركة الهيكل” وليس “السيف الحديدي”، لُب المعركة هو هذا المكان، لا نملك مزيدا من الوقت، انتهى، يجب أن نبني الهيكل”.
صور من غزة
وردا على ذلك تباهت الجماعات بصور أرسلها جنود الاحتلال من داخل قطاع غزة، تزعم مركزية الهيكل المزعوم فيما سماها الاحتلال “معركة السيوف الحديدية”، فنشرت صورا لجنود يرتدون خوذا عليها صورة الهيكل، وأخرى يرفعون فيها راية عليها صورة الهيكل فوق إحدى الدبابات، أو يضعون شعاره على زيّهم العسكري.
وعلق المتطرف “أرنون سيغال” على الصورة الأخيرة قائلا: “رمز جديد على زيّ جيش الدفاع الإسرائيلي، لديهم أنصار بيت المقدس، ولدينا أمناء جبل الهيكل”.
و”أمناء جبل الهيكل” هي حركة صهيونية تأسست عام 1967 كنواة لجماعات الهيكل، وتسبب أنصارها بمجزرة الأقصى الأولى عام 1990.
من بين الصور التي نشرتها الجماعات جندي يرفع شارة النصر أمام جدارية للمسجد الأقصى في إحدى مدارس جباليا شمالي قطاع غزة، وذلك بعد تشويهها وكتابة عبارات من صلاة “الشماع” اليهودية، وعبارة “شعب إسرائيل حي”، و”المسيح الآن”، ودعوة إلى بناء الهيكل المزعوم بأكثر سرعة ممكنة.
وتلاعبت جماعات الهيكل ببعض الصور الآتية من غزة، مثل صورة لدبابات إسرائيلية دمج أمامها مجسم للهيكل المزعوم وكُتب في وصفها “قريبا في جبل الهيكل” في إشارة إلى المسجد الأقصى.
كما دمجوا صورة لقبة الصخرة خلف صورة لجنود رفعوا فيها علم إسرائيل فوق مجسم للقبة بعد تدميرهم مقر المجلس التشريعي الفلسطيني في غزة مطلع نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
زي عسكري وشعارات
زوّد الجنود الجماعات أيضا بصورة لشاطئ قالوا إنه في غزة، بعدما كتبوا عليه عبارة “جبل الهيكل بأيدينا”، تلك العبارة التي كتبها أحد الجنود على ورقة وحملها مبتسما من داخل غزة، وذلك بعد أن التقط صورة أخرى داخل المسجد الأقصى بزيّه العسكري، ليتبين أنه أحد نشطاء جماعة “بيدينو” أبرز جماعات الهيكل.
لم يكن ذلك الجندي الوحيد الذي جمع بين اقتحامه للأقصى وعدوانه على غزة، فقد انضم الناطق باسم اتحاد منظمات الهيكل “أساف فريد” منذ الثامن من أكتوبر/تشرين الأول إلى صفوف الجيش، وداوم على توثيق اقتحامه الأقصى بزيه العسكري، قبل ذهابه إلى غزة أو عودته منها. وغيره العشرات ممن جاؤوا “ليتباركوا” كما يقولون، في ظل إغلاق المسجد أمام المقدسيين أنفسهم.
كما نعت جماعات الهيكل في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي اثنين من نشطائها بعد أن قتلا برصاص المقاومة الفلسطينية شمالي قطاع غزة.
ولم يخف أحد أبرز المقتحمين “نوعام فريدمان” -وقد حاول ذبح ماعز في الأقصى 4 مرات- فخره أمام الكاميرا في الأقصى بأبنائه الخمسة الذين يخدمون في جيش الاحتلال بينهم واحد في غزة.
دعوات وتحريض
وفضلا عن اقتحام الأقصى بالزي العسكري، ارتدى عناصر شرطة الاحتلال داخل المسجد منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول شعارا كتب عليه “السيوف الحديدية، نقاتل على البيت”.
كما وُثق ارتداء أحد المقتحمين قميصا رُسم عليه خريطة فلسطين والجولان المحتل وعليهما علم دولة الاحتلال، وكتب بجانبها “عدونا فهم أن من يسيطر على جبل الهيكل يسيطر على الأرض كلها”.
أما عضو الكنيست السابق يهودا غليك، فاقتحم المسجد قبل أيام وهو يرتدي وشاحا كتب عليه “شعب إسرائيل حي”.
وبينما أرهب الاحتلال الأئمة والخطباء المقدسيين ومنعهم الحديث عن قطاع غزة في خطب الجمعة، عمد المستوطنون إلى الصلاة العلنية داخل المسجد الأقصى والدعاء لقتلاهم وأسراهم، وتمجيدهم بخطابات قرب باب الرحمة تارة، والحديث هاتفيا مع بعض الجنود لدعمهم تارة أخرى، إلى جانب اقتحام عائلات القتلى والأسرى المسجد الأقصى والدعاء لأبنائهم بتنظيم من جماعات الهيكل.
وصرحت جماعات الهيكل عن هدفها بوضوح عبر جمل خاطبت بها أنصارها مثل “افهم: عندما تهاجمنا حماس، استهدف جبل الهيكل”، “يجب إغلاق جبل الهيكل حتى يعود المختطفون”، “عندما تقع إسرائيل في ورطة اصعد إلى جبل الهيكل”.
كما علقت على خطابات لقيادات المقاومة أظهرت مركزية الأقصى قائلة “استمع إليهم، جبل الهيكل هو الهدف، يجب أن نغلقه أمامهم”.
تحقيق السيادة
سألت الجزيرة نت المختص في شؤون المسجد الأقصى وأستاذ دراسات بيت المقدس عبد الله معروف، عن تفسيره لسلوك جماعات الهيكل في الأقصى منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، فقال إن “تلك الجماعات تعد ركنا أساسيا في حكومة نتنياهو الحالية، حيث ترى أن الحرب الحالية هي حربها، وانتصار الحكومة يعني قدرتها على بناء المعبد والتسريع بالخلاص وقدوم المسيح المنتظر”.
وأضاف “حكومة نتنياهو تريد أن تثبت من خلال تسهيل اقتحام المستوطنين بزيهم العسكري وتقييد دخول المصلين أنها هي التي تسيطر على الأقصى، ردا على تسمية المعركة بطوفان الأقصى، في رغبة منها لإثبات سيادتها وسحب صورة النصر من المقاومة”.
وبيّن معروف أن جماعات الهيكل تحاول ربط اسمها بالهيكل وتحويل الصراع إلى صراع ديني لحشد دعم الجماعات اليهودية والمسيحية المتطرفة حول العالم التي تؤمن بحتمية بناء الهيكل لقدوم المسيح المخلص.
وتابع “غياب رد الفعل مقابل هذه الانتهاكات في الأقصى نذير بوصول الوضع إلى مراحل لا تحمد عقباها، لأن تلك الجماعات تعتبر غياب رد الفعل بمثابة إشارات إلهية بضرورة التقدم والحصول على مكاسب أكبر”.
ولم يستبعد الخبير في شؤون القدس اعتداءات غير مسبوقة “يمكن تفاديها من خلال إعطاء هذه القضية حجمها الحقيقي من العمل ورد الفعل المناسب”.