كيف استقبلت بلدات لبنانية نازحي البقاع وسط التهديدات الإسرائيلية؟

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 7 دقيقة للقراءة

البقاع- دفعت الاعتداءات الاسرائيلية على الجنوب اللبناني ومنطقة جنوب البقاع الغربي آلاف المواطنين -خاصة أولئك الذين دمرت منازلهم كليا أو جزئيا- إلى اللجوء لقرى وبلدات أكثر أمنا في الداخل اللبناني، حماية لأطفالهم وكبار السن منهم، وبلغت حركة نزوح الجنوبيين ذروتها خلال سبتمبر/أيلول الماضي وأكتوبر/تشرين الأول الحالي.

وبحكم وقوع هذه المنطقة في قلب الصراع العربي الإسرئيلي لم تكن هذه المرة الأولى التي يلجأ فيها أهل الجنوب إلى مناطق أخرى في لبنان، فقد سبقتها حالات مماثلة في أعوام مثل 1978 و1996 و2006، وما بينها مرت فترات استقرار تام أو نسبي.

وعند كل عدوان إسرائيلي كان الجنوبي يلجأ إلى “بيته الثاني” في الداخل اللبناني، سواء عند أقاربه أو أصهاره أو أصدقائه.

وإذا لم تكن لدى أحدهم أي صلة وثيقة فإن المجتمع المحلي والجمعيات الأهلية والأحزاب على اختلافها تفتح لهم البيوت والمدارس كمراكز إيواء، إضافة إلى الباحات والقاعات العامة التابعة للمراكز والأندية والمساجد والكنائس، فضلا عن الرعاية الرسمية.

سلاح الوحدة

في الاعتداءات السابقة كان الاحتلال الإسرائيلي يلاحق أبناء الجنوب إلى أماكن نزوحهم، فيستهدفهم بالقصف ويزيد معاناتهم، أو يروج للفتنة بينهم وبين مستضيفيهم عن طريق عملاء له أو بإسقاط مناشير تحريضية، سعيا منه لإحداث شروخ مجتمعية بين البيئات الحاضنة، لكن تلك المحاولات باءت بالفشل سابقا.

وفي هذه الأيام تستمر المحاولات الإسرائيلية الساعية لتفجير الوضع الأهلي عبر الإكثار من الاعتداءات الجوية أو بث أخبار تحريضية وإسقاط مناشير تحمل عبارات التهديد، وذلك في العديد من القرى الجنوبية وقرى البقاع الغربي والأوسط التي حل فيها آلاف النازحين.

ويؤكد جورج خوري -وهو أحد أهالي القرى المضيفة- أن محاولات الاحتلال لن تنجح، قائلا باللهجة الشعبية “يخيطوا بغير هالمسلة” (لا تحاولوا خداعنا).

ويضيف “لا شيء يمكن أن يثنينا عن واجبنا في تعزيز وحدتنا الوطنية من خلال دعمنا لأهلنا النازحين، نحن باقون رغم أنف العدو”.

ويضيف أحمد جراح -وهو من سكان بلدة المرج التي تستضيف العديد من النازحين- “ربما يطالنا القصف اليوم أو في الآتي من الأيام، لكننا نقول: ما يصيب النازحين من مسلمين أو مسيحيين يصيبنا، ونقطة عالسطر”.

من جهته، أعرب محمد دحروج -وهو من سكان قرية القرعون المضيفة- عن ثقته بتخطي الأزمة مهما طالت.

وأضاف دحروج “في بلدتنا المتنوعة اجتماعيا هناك أكثر من 5 آلاف نازح، وهم على قلبنا مثل السكر، ومكملين لأجلهم ولأجل أولادنا ووطننا”.

بلسموا جراحنا

وفي موازاة هذه الأجواء المرحبة في القرى المضيفة نجد آراء ومواقف متطابقة لدى شريحة واسعة من النازحين التقت بهم الجزيرة نت، في راشيا وصغبين وخربة قنافار وجب جنين وكامد اللوز وغيرها.

ويقول علي الخشن -من بلدة سحمر، وهي التي أصابها دمار كبير وسقط فيها أكثر من 10 شهداء وعشرات الجرحى- إنه اضطر للنزوح الى القرعون التي تبعد 7 كيلومترات من قريته.

ويضيف “رغم الألم والخسائر الكبيرة وجدنا عند أهلنا في القرعون ما بلسم جراحنا وأعاننا على مواجهة مصاعب النزوح”.

ويرى محمد عقل -الذي نزح من قريته لبايا إلى جب جنين- أن محاولات العدو الضغط أو التحريض ضد النازحين لن تنفع “فالمجتمع المضيف سبق أن استقبلنا مرات عدة وفي ظروف مماثلة، ولم نجد منه سوى الدعم والمساندة”.

جهود الإغاثة

بدوره، يقول الحاج محمد المجذوب رئيس اتحاد بلديات السهل ورئيس بلدية غزة إنه “مهما حصل فإن موقفنا يزداد قوة وصلابة في المجتمع المضيف، ولن تثنينا عن واجبنا الوطني أي تحديات أمنية إسرائيلية وغيرها من تلك المحاولات البائسة”.

ويؤكد المجذوب في حديثه للجزيرة نت أن كل نازح من قرى الجنوب أو جنوب البقاع الغربي له بيت في بلدة غزة وقرى اتحاد بلديات السهل، والذي تنضوي في إطاره 12 بلدة.

ويقول “بصراحة مطلقة، العدد الأكبر من النازحين يقطنون في منازل خاصة بالمجتمع المحلي، وعندما فاقت الأعداد قدرتنا على الاستيعاب في المنازل لجأنا إلى فتح مراكز إيواء في المدارس الرسمية بالتعاون مع الجمعيات الأهلية المحلية والعربية والدولية، وهيئة الطوارئ التي شكلها مجلس الوزراء”.

ويضيف “يتم هذا التعاون وفق آليه مناسبة تحاول أن ترتقي بجهودها إلى حجم الكارثة الإنسانية التي أصابت أهلنا النازحين”.

من جهتها، تحدثت رئيسة مركز الشؤون الاجتماعية في راشيا سوسن أبو حلا عن التنوع الاجتماعي في المجتمع المضيف أو النازحين على السواء.

وقالت أبو حلا للجزيرة نت إن فرق العمل التابعة للمركز والجمعيات الداعمة تقوم بعمل جبار لتأمين الاحتياجات اللازمة، فضلا عن قيام فرق متخصصة تتابع التداعيات النفسية والمعنوية، خاصة لدى الأطفال.

كما حذرت من مخاطر اقتصادية وصحية آتية على أبواب الشتاء، وهو ما يتطلب توفير مستلزمات الشتاء، بما فيها وسائل التدفئة والوقود، خصوصا أن مراكز الإيواء تقع ضمن مناخ قاس شتاء، وموسم الأمطار والثلوج على الأبواب.

خلية الازمة في راشيا لمتبعة شؤون النازحين خاصة بالجزيرة نت
خلية الأزمة في راشيا لمتابعة شؤون النازحين بإشراف الحزب التقدمي الاشتراكي (الجزيرة)

أدوار مساندة

يقطن في بلدة راشيا الواقعة عند سفوح جبل الشيخ نحو 7500 نازح، منهم 6 آلاف لجؤوا إلى منازل أصدقائهم ومعارفهم في 30 قرية تقريبا تتبع قضاء البلدة، في حين توزع الباقي على مراكز إيواء يشرف عليها الحزب التقدمي الاشتراكي بالتعاون مع جمعيات أهلية محلية ومنظمات دولية ومجلس الجنوب، فضلا عن دور الصليب الأحمر اللبناني وجمعية فرح التابعة للحزب التقدمي.

ويشير وكيل داخلية الحزب التقدمي الاشتراكي في راشيا عارف أبو منصور إلى فشل محاولات عدة لتوتير المنطقة واستجلاب فتن أو اعتداءات إسرائيلية.

ولفت أبو منصور إلى دور بارز للحزب بالتنسيق مع المجتمع المحلي وفعاليات وأحزاب المنطقة أدى إلى توفير أفضل مناخ للنازحين.

عارف ابو منصور مسؤول التقدمي في راشيا
أبو منصور أكد فشل محاولات عدة لتوتير المنطقة واستجلاب فتن أو اعتداءات إسرائيلية في مناطق نزوح اللبنانيين (الجزيرة)

ويوضح أبو منصور أنه منذ بدء تداعيات عملية طوفان الأقصى على لبنان شكّل الحزب التقدمي وبتوجيهات من رئيسه تيمور جنبلاط خلية أزمة لتكون في جاهزية تامة بالتنسيق مع البلدات والقوى السياسة المحلية، لمواجهة تداعيات الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان.

ولفت إلى أن التنسيق على أعلى مستوى مع قيادة الجيش والقوى الأمنية في المنطقة، وذلك بهدف دعم ورعاية الجهود الشعبية والأهلية الهادفة إلى توفير أفضل المناخات والرعاية للنازحين “على أمل أن تزول هذه الغمامة عن كاهل كل اللبنانيين” كما يقول، كما خلت تقارير القوى الأمن من أي إشارة إلى إشكالات أو حوادث في هذه المنطقة المكتظة بآلاف النازحين من جنوب لبنان ومن سوريا على حد سواء.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *