قال موقع “ميديا بارت” الفرنسي إن قصص الأمهات التي تمكنت من جمعها في قطاع غزة، تحكي عن كابوس لا ينتهي أبدا، مشيرة إلى أن النساء ضحايا غير مرئيات، ولكنهن يمثلن -وفقا للأمم المتحدة– غالبية الأشخاص الذين قتلوا أو جرحوا، أو أجبروا على ترك حياتهم بأكملها وراء ظهورهم.
وانطلق الموقع –في تقرير سيلين مارتيليه- من قصة فيروز (اسم مستعار) التي قالت في رسالة صوتية من رفح في جنوب قطاع غزة، إن ابنتها تفتقد والدها كثيرا، “ابنتي لا تزال صغيرة، صحيح أنها لا تتكلم، ولكنها تكرر “بابا. بابا” بمجرد أن ترى شيئا تحبه”.
وأضافت الأرملة الشابة التي كانت تعيش في مدينة غزة، في شقة في الطابق العلوي من مبنى قريب من البحر، مع مطبخ وغرفة معيشة ذات ديكور حديث للغاية “ليس من السهل العيش بعد وفاة زوجي. لقد اعتنينا بابنتنا معا. لم أكن أعتقد مطلقا أنني سأضطر في يوم من الأيام إلى تربية يتيمة وحدي”.
تقول فيروز التي استشهد زوجها في غارة جوية إسرائيلية بعد أسابيع قليلة من اندلاع الحرب، ونجت مع ابنتها التي لم يكن عمرها يبلغ سنة في ذلك الوقت، “من الصعب جدا أن تكوني أما شابة، لأن الحرب تأخذ كل طاقتك. الخوف من فقدان طفلتي في غارة جوية يشل أعصابي”.
وقد أجبرت الحرب -وفقا للأمم المتحدة- ما يقرب من مليون امرأة وفتاة على مغادرة منازلهن، وهن يعشن الآن في شقق مكتظة وفي مدارس وكالة غوث وتشغيل اللاجئين (أونروا) أو في خيام، أو حتى في أروقة المستشفيات التي أصبحت أيضا مخيمات للنازحين.
آخر من يأكل
ولم يسبق أن واجهت المرأة في غزة هذا القدر من التحديات بشكل يومي، حتى إن منظمة “كير” غير الحكومية حذرت قائلة “في غزة، النساء هن آخر من يأكل، والأطفال هم أول من يموت”، علما أن دورهن أساسي في الأسرة “يعتنين بالأطفال والمنزل وبكبار السن.. وهن اللاتي يقفن في الصف اليوم للحصول على الماء أو قنينة الغاز”، وهن يتحملن عبئا نفسيا لا يطاق بعد أكثر من 4 أشهر من الحرب. كما تقول أسماء من رفح.
في بداية الحرب كانت هناك 50 ألف امرأة فلسطينية حامل -وفقا للأمم المتحدة- وهو ما يقرب من 180 ولادة كل يوم، تقول نورا التي تعيش في خيمة بالنصيرات وسط قطاع غزة مع أطفالها الثلاثة “أنا قلقة بشأن ولادتي. كيف سيحدث هذا؟ هل سيكون لدي طبيب بجانبي؟ هل سيظل هناك مستشفى قائم لرعايتي؟”.
ولا يبقى لنورا التي تسعى كل يوم من أجل إطعام أطفالها، سوى المساعدات، ولكن الطرود الغذائية التي تدخل القطاع بكميات ضئيلة تبقى غير كافية، ويتم توزيع معظمها في مدينة رفح المكتظة بالسكان، ولا يصل منها إلا القليل جدا إلى النصيرات.
وتتساءل نورا “كيف سأتمكن من الرضاعة الطبيعية؟ أين سأجد الحفاظات؟ فقد أطفالي الكثير من الوزن. لا يمكن العثور دائما على مياه الشرب، ولكن لا خيار، هكذا نعيش الآن”.
في قطاع غزة، تظهر النساء في كل مكان، في المستشفيات بجانب أسرّة أولادهن الملطخين بالدماء، وفي الطرقات يحملن أطفالهن وقت الفرار، وأخيرا في الخيام يصنعن الخبز أو يغسلن الملابس
وكلما طال أمد الحرب، زاد الضغط على المستشفيات التي لا تزال تعمل، لأن جرحى الغارات يتدفقون في وسط هذه الفوضى، وتأتي النساء للولادة، يقول الطبيب مروان ناصر، مدير مستشفى العودة بالنصيرات “منذ بداية الحرب، استقبل جناح الولادة لدينا 2739 طفلا، ففي كل يوم، تصل حوالي 50 امرأة. كان علينا إجراء ما يقرب من 950 عملية قيصرية طارئة”.
وبعد ساعات قليلة من الولادة، يجب على الأمهات والأطفال مغادرة المستشفى والعودة إلى الخيام حيث الظروف الصحية كارثية، وبين النساء من لا يتمكن من الوصول إلى المستشفيات ويلدن في الأماكن التي لجأن إليها، كما أنه لا يزال من المستحيل تقدير عدد الأطفال الذين ماتوا بعد أسابيع قليلة من ولادتهم.
أريد ألا أكون مجرد رقم
وتتساءل فيروز “كيف سنخرج من هذه الحرب نفسيا؟ إنهم يدمرون صحتنا العقلية”، وتضيف “إذا مت أريد شيئا واحدا فقط، ألا أكون مجرد رقم. على العالم أن يعرف أننا في غزة لدينا جميعا قصص”.
ويقول الدكتور زهير متحدثا عن الدمار “لم يسبق لي أن رأيت مثل هذه الكارثة الإنسانية في مثل هذا الوقت القصير. إنه تدمير للحياة”.
ويضيف “في جميع الحروب، هناك دائما طريقة لمغادرة السكان المدنيين مناطق النزاع. من بين جميع الصراعات التي شهدتها في الكونغو وإثيوبيا وأفغانستان وسوريا واليمن، هذا هو الصراع الوحيد الذي لا يستطيع السكان فيه حماية أنفسهم وأطفالهم”.
وفي مقاطع الفيديو التي يبثها الفلسطينيون من قطاع غزة، تظهر النساء في كل مكان، في المستشفيات بجانب أسرّة أولادهن الملطخين بالدماء، وفي الطرقات يحملن أطفالهن وقت الفرار، وأخيرا في الخيام يصنعن الخبز أو يغسلن الملابس.
ورغم كل هذه المآسي، يشير موقع “ميديا بارت” إلى أن الولايات المتحدة تهدد بمنع إجراء تصويت جديد في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة على مشروع قرار يدعو إلى “وقف فوري لإطلاق النار لأسباب إنسانية”، طلبت الجزائر التصويت عليه صباح غد الثلاثاء.