قنبلة موقوتة وأخرى معطوبة.. أي خطر تشكله فلول الأسد؟

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 27 دقيقة للقراءة

مع سقوط نظام بشار الأسد لم تنته التحديات الكبيرة في وجه السلطة الجديدة، وعلى رأسها الملف الأمني وملاحقة فلول النظام، لاستكمال احتكار الدولة الجديدة للسلاح والقوة، وهو ملف معقد مرتبط بالعدالة الانتقالية وتجنب تشكيل مظلومية عند العلويين قد تتحول إلى دافع للقتال أو تنظيم أنفسهم في مجموعات من الممكن أن تستثمر فيهم دول لا تزال معادية للسلطة الجديدة في دمشق، وكذلك يتداخل ملف ملاحقة فلول النظام مع إظهار الانضباط في جهاز الأمن السوري الجديد وهو إظهار لازم في ملف الحصول على الشرعية الدولية والالتزام بقوانين الحرب وحقوق الإنسان الدولية، وفي الجانب الآخر لا تهدأ مطالب الثوار وعائلات الضحايا بالعدالة والانتقام.

وتتمثل صعوبة الملف الأمني وملاحقة فلول النظام وخاصة داخل المجتمع العلوي في الساحل السوري والمنطقة الوسطى، بأنه يتطلب تحقيق التوازن بين ما سبق والنهج الحساس وإنجازات سريعة ومنضبطة لضمان الاستقرار والوحدة على الأمد الطويل في سوريا ما بعد الأسد.

وتخصيص الحديث عن العلويين من الفلول نابع عن خصوصية الحالة وتاريخها على مدار أكثر من 50 عاماً والوتيرة والدرجة العالية من العنف والقتل والتدمير الذي واجهه السوريون في ثورتهم، ولكن ملف العلويين في الوقت نفسه بحاجة إلى تفكيك وتوضيح الديناميكيات الداخلية للمجتمع العلوي وفهم التغيرات الحاصلة في السنوات الثلاث الماضية عندما ظهرت دلائل التململ من النظام وحاشيته وفي حالات ظهرت أصوات معارضة تحمل نظام الأسد المسؤولية عن الأزمة السورية والكارثة المعيشية المتنامية مع كل عام، وإضافة إلى ذلك لا بد من توضيح خطاب وتعامل السلطة الجديدة منذ بداية معركة التحرير الأخيرة مع الطائفة العلوية، تمهيداً لهذه الأيام عندما وصلت الفصائل العسكرية إلى الحكم وهي تتحسّب هذا الملف بعد سقوط النظام.

شهد المجتمع العلوي في السنوات الثلاث الأخيرة ملامح غير مسبوقة نتيجة تدهور الأوضاع المعيشية وتزايد الوعي بدورهم في الصراع السوري.

طالما كان العلويون يُعتبرون قاعدة دعم أساسية لنظام بشار الأسد، حيث شغلوا المناصب الأهم في الأجهزة الأمنية والعسكرية، ومع استمرار الحرب وتفاقم الأزمات الاقتصادية، بدأت تظهر بوادر استياء داخل العلويين الذين خسروا نحو ربع أبنائهم في المعارك دفاعا عن النظام الطائفي الذي جيّشهم لذلك.

أدى هذا النزْف البشري، إضافة إلى التدهور الاقتصادي، إلى شعور متزايد بالتهميش والاستغلال، وفي الوقت نفسه ارتقت طبقة جديدة من تجار الحرب من قادة الميليشيات وعاشت برفاهية كبيرة، وبدأ العديد من العلويين يدركون أن النظام استخدمهم في حربه، دون تقديم الدعم الكافي لهم بعد خساراتهم، في حين كانوا يتوقعون معاملة وخدمات وعطاءات كبيرة بعد أن توقفت الحرب في 2020، لكن ما حدث كان العكس تماماً، فخرجت أصوات علوية على منصات التواصل السورية تعلن معارضتَها النظام واعتقل الأمن معظمهم وتوقف آخرون بعد تلقيهم تهديدات.

ردع العدوان: سقوط النظام

هدأت جبهات القتال في سوريا وثُبتت خطوط السيطرة بعد معركة قادتها روسيا وإيران كادت أن تقضي على القوة العسكرية للمعارضة السورية شمال غربي البلاد في عامي 2019 و2020، وتوقف إطلاق النار حينذاك باتفاق سياسي بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ونظيره الروسي فلاديمير بوتين في 5 مارس/آذار 2020.

بقيت خطوط السيطرة على وضعها الثابت أكثر من 4 أعوام، إلى أن بدأت المعركة الكبرى المفصلية في سوريا باسم “معركة ردع العدوان” في 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، إذ شهدت القوات التابعة لنظام الأسد انهيارات متتالية أدت إلى انسحابات جماعية وهروب واسع من القطع العسكرية بعد أن بسطت قوات المعارضة السورية سيطرتها على مدينة حلب، وشمل التخبط مختلف الثكنات والقطع العسكرية في المنطقة الوسطى ودمشق ومحيطها وصولاً إلى الجنوب، في المقابل لجأ كثير من الضباط والأفراد من الطائفة العلوية إلى الساحل السوري باعتباره الملاذ الأخير، وفضّل بعض ضباط الأمن والجيش الفرار إلى الخارج، في حين اختبأ آخرون داخل سوريا.

ومع انطلاق عمليات التسوية من إدارة العمليات العسكرية بالتعاون مع إدارة الأمن العام، ثم التمشيط الأمني، بدأت حملة اعتقالات واسعة واشتباكات مسلحة، في وقت لا تزال فيه خلايا صغيرة مختبئة في جبال الساحل وبعض القرى.

كانت المعركة بمثابة صفحة في نهاية كتاب يسرد التحولات العميقة التي مرّت بها المجموعات الداعمة للنظام وإحدى الركائز التي اعتمد عليها لتثبيت حكمه، ومنها مئات الضباط والأفراد المتحدرين من مدن وبلدات الساحل السوري، من الدعم اللامحدود للنظام إلى الشعور بالخذلان، خصوصاً بعد أن دفع أبناء الطائفة العلوية ثمناً باهظاً في حربٍ انتهت بإسقاط النظام، وهروب بشار الأسد دون أن يبلغ أحداً من حاشيته وجيشه.

بعد أن أنهت إدارة العمليات العسكرية معركة السيطرة على مدينة حلب، بدأت الانهيارات تظهر في صفوف القوات التابعة للنظام، حيث انسحبت أعداد كبيرة من الجنود والضباط بشكل غير منظم، بينما ترك آخرون مواقعهم وهربوا إلى قراهم، في حين بقي أكثر من 600 ضابط وصف ضابط في الأكاديمية العسكرية الواقعة في مدخل مدينة حلب الغربي، ومعظمهم من الطائفة العلوية وبينهم ضابطات، والأكاديمية أحد حصون النظام المتينة في الدفاع عن مدينة حلب في معارك 2012 – 2016، وبعد يومين تفاوضت إدارة العمليات العسكرية مع الضباط فيها وعرضوا عليهم إجلاءهم إلى حماة فوافقوا، ونقلوهم ليلاً بحافلات وبمعاملة أخلاقية عالية. كان هذا الحدث عربون علاقة جديدة مع العلويين الذين كانوا ينتظرون مشاهدة صور أبنائهم قتلى.

ومع وصول الثوار إلى حماة، سعت المجموعات العسكرية المحلية المعروفة بولائها لنظام الأسد إلى مقاومة تقدم إدارة العمليات العسكرية، وبدأ مخاتير القرى في ريف حماة والساحل بالظهور في مقاطع مصورة أملاً برفع الهمم لدى عناصر الأسد، وعرض تجار حرب منهم أموالاً طائلة على الشبان الذين سيلتحقون بالقتال، لكن تقدم الفصائل كان أشد من المتوقع، وفي الواقع استعصت بعض البلدات في المنطقة على إدارة العمليات، مثل قمحانة وصولاً إلى الريف الغربي حيث البوابة باتجاه الساحل والقرى ذات الغالبية العلوية.

وفي الرابع من ديسمبر/كانون الأول عندما بدأت المواجهة الفاصلة في معركة حماة التي حشد لها النظام كل قواته، أصدرت إدارة الشؤون السياسية بياناً موجهاً للطائفة العلوية قالت فيه: “حان الوقت لطي صفحة الآلام التي عاناها الشعب السوري من نظام الأسد، فإن سوريا المستقبل ستكون سوريا موحدة بأبنائها جميعاً … إن نظام الأسد استخدم الطائفة العلوية ضد الشعب السوري، واستطاع أن يدخلهم في معركة صفرية بفعل شحن طائفي دموي ممنهج، وأحدث هذا النهج جراحات مجتمعية وشروخاً عميقة في العلاقة بين مكونات هذا الشعب”. ودعا البيان “أبناء الطائفة العلوية إلى فك أنفسهم عن هذا النظام، والالتحاق بالرأسمال الحقيقي لتصححوا أخطاء الماضي وتكونوا جزءاً من سوريا المستقبل التي لا تعترف بالطائفية”.

على إثر ذلك اتبعت إدارة العمليات العسكرية خطة بديلة، تتمثل في الالتفاف على هذه المواقع، عبر بدء هجمات من المحور الشرقي لمدينة حماة للسيطرة عليها، وحصل ذلك فعلا، لتكون القرى المستعصية إضافة إلى ثكنة جبل زين العابدين بحكم المناطق الساقطة عسكرياً، بمعنى آخر “تحصيل حاصل”.

عنصر من ردع العدوان أمام مركز محافظة حماة (الجزيرة)

 

بالتوجه إلى الجنوب، وتحديداً محافظة حمص، كانت إدارة العمليات تدرك أنها أمام تحد جديد، بسبب حساسية المحافظة وتنوع الطوائف بها، لكن ما سهّل الأمر عليها، أن البوابة الشمالية للمحافظة (مدينة الرستن) من معاقل الثورة، وتضم مجموعات من المقاتلين المسلحين المناهضين للنظام، وهو الحال نفسه في مدينة تلبيسة المجاورة، حيث سيطر المقاتلون المحليون على حواجز النظام وطردوا عناصره منها قبل وصول إدارة العمليات العسكرية أصلاً.

ولم تتأخر قوات إدارة العمليات العسكرية بالدخول إلى ريف حمص الشمالي، تزامنا مع العمل على محور آخر، انطلق من ريف حماة الشرقي باتجاه نظيره الحمصي، وهي منطقة صحراوية تحتاج إلى عدد كبير من الأفراد لتمشيطها، وتوازيا مع تقدم القوات من المحور المذكور، كانت قوات أخرى تركز جهودها للسيطرة على حاجز “ملّوك” جنوب مدينة تلبيسة، الذي قاوم عناصره بشراسة، وفي تمام الساعة السابعة من مساء السابع من ديسمبر/كانون الأول 2024، أعلن القيادي في إدارة العمليات العسكرية، المقدم حسن عبد الغني دخول قوات الإدارة إلى الفرقة 26 وبلدة المشرفة إضافة إلى 13 قرية وبلدة على تخوم مدينة حمص، مشيراً إلى “انهيارات كبيرة في خطوط دفاع قوات النظام بمدينة حمص وريفها”.

بعد ذلك بساعات سيطرت إدارة العمليات على كامل محافظة حمص، وفي دمشق، لم يكن المشهد مختلفاً فقد تهاوت القطع العسكرية بسرعة، ووجد عناصر النظام أنفسهم وحيدين بعد اختفاء الضباط، ومع اشتداد الضغط العسكري، خاصة على محيط المدينة، بدأت الانشقاقات تظهر، ومعها بدأت عمليات فرار فردية وجماعية نحو الساحل السوري، الذي تحوّل إلى مركز تجمع للمنسحبين.

أما في الجنوب، فقد كان التراجع أكثر دراماتيكية، إذ سرعان ما فقدت القوات الموالية للنظام السيطرة على كثير من المواقع، واضطر الضباط والعسكريون إلى البحث عن ملاجئ آمنة، سواء داخل سوريا أم بالفرار إلى دول الجوار، مثل لبنان والعراق، وحتى إيران بالنسبة لبعض الشخصيات البارزة.

وبعد سقوط القطع العسكرية، كان المشهد الأكثر إثارة هو هروب ضباط الأمن والمخابرات، الذين أدركوا أن بقاءهم في سوريا قد يعرّضهم للملاحقة، فضلاً عن شخصيات عسكرية واقتصادية من عائلة الأسد أو مقربة منها، في مقدمتهم ماهر الأسد، كثيرون منهم لجأوا إلى لبنان، في حين انتقل آخرون إلى العراق وإيران، معتمدين على التحالفات التي تربطهم بالحرس الثوري الإيراني وبعض الفصائل المسلحة في العراق.

لم ينجح جميع الضباط الكبار في الفرار، إذ تشير التقارير إلى أن شخصيات عسكرية برتب مختلفة لا تزال مختبئة داخل سوريا، وتحديداً في قرى الساحل وجباله، متنكرة بهويات مزورة أو تعيش في مناطق نائية بعيداً عن الأنظار، وسط محاولات مستمرة للقبض عليهم.

وكشفت مصادر عسكرية وأمنية للجزيرة نت أن لديهم معلومات عن وجود أفراد مختبئين في الساحل السوري، وكذلك مجموعات صغيرة، اختزنت أسلحة وذخائر تحسباً للمواجهة، وينتهج الأمن السوري تكتيكات جديدة بعدم الاستعجال في القبض عليهم ومداهمة مخابئهم مع مراقبتهم والحصول على معلومات أكبر.

أما ضباط جيش وأمن النظام الكبار، فترجح المصادر العسكرية والأمنية أن روسيا نقلتهم إلى ليبيا حيث القواعد العسكرية الروسية، للاستفادة من خبراتهم في القارة الأفريقية، وإعطائهم مكاناً للهروب والنجاة من الموت.

سحب الفتيل الثأري

مع تقدم القوات العسكرية في المنطقة الوسطى، ركزت القيادة السياسية للمعركة على توجيه التطمينات لمختلف طوائف وشرائح المجتمع السوري، بمن فيهم العلوية والمسيحية.

بدوره قال أحمد الشرع: “نوصي جميع قواتنا في الميدان في إدارة العمليات العسكرية بحسن معاملة الأهالي في مدينة محردة (بريف حماة) فإني أوصيكم بهذه المدينة ذات الأغلبية المسيحية خيرا، وليروا فيكم دعوة الإسلام ورحمته ووصايا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأوجه رسالتي لأهلنا في مدينة محردة: لقد أحسنا معاملة أبناء الديانة المسيحية في إدلب وحلب، وسنحرص على حمايتكم والحفاظ على ممتلكاتكم، فأدعوكم للاطمئنان وأطلب منكم رفض الحرب النفسية التي يمارسها النظام المجرم، فلا تنزحوا من بيوتكم وقراكم”.

وفي رسالة أخرى، قال الشرع: “إلى ثوارنا الأبطال، لقد أصبحتم على أعتاب حمص ودمشق، وبات إسقاط نظام الإجرام قاب قوسين أو أدنى، فأجدد لكم وصيتي بالرحمة والرفق واللين، بأهلنا في المدن والقرى التي تدخلونها فاتحين متواضعين، وإلى جنود نظام الأسد وضباطه، من دخل بيته وأغلق بابه وأمسك عنه لسانه فهو آمن، ومن أعلن انشقاقه عن النظام المجرم ووضع سلاحه وسلم نفسه فهو آمن”.

القائد العام للإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع (وسط)
أحمد الشرع في قيادة غرف عمليات ردع العدوان (مواقع التواصل الاجتماعي)

مطاردة الفلول

بعد وصول الثوار إلى دمشق، انطلقت أرتال عسكرية كبيرة إلى الساحل السوري للسيطرة على القطع العسكرية في المنطقة، وقالت مصادر عسكرية من قيادة الحملة للجزيرة نت إن القوات التي انطلقت إلى الساحل كانت تترقب قتالاً دامياً والتحضيرات كانت على أشدها مثل أي معركة، لكنهم فوجئوا بعدم إطلاق رصاصة واحدة. وعزت المصادر ذلك إلى انهيار قوات النظام على المستوى التنظيمي والنفسي وكذلك أثمر الخطاب والسلوك الموجه في معركة التحرير بسحب ذريعة القتال.

بعد مرحلة إسقاط نظام الأسد، بدأ العمل على إعادة ضبط الأوضاع بعمليات تسوية، شملت عروضاً للعسكريين في نظام الأسد من الضباط والعناصر المتوارين للاستسلام مقابل ضمانات بعدم الملاحقة، لكن لم يكن الجميع واثقاً في هذه العروض، ما دفعهم إلى رفض تسليم سلاحهم والتحصن في مناطق وعرة أو داخل بلداتهم وقراهم، ما دفع الأجهزة الأمنية إلى إطلاق حملات تمشيط واسعة في مختلف المحافظات السورية.

وشهدت الحملات الأمنية اعتقالات واسعة شملت ضباطاً سابقين وعناصر أمنية متورطة في جرائم أثناء حكم النظام، مع تسجيل اشتباكات مسلحة اندلعت بين القوى الأمنية وبعض المجموعات المتخفية، خاصة في المناطق الجبلية والريفية.

أحد الجوانب الأكثر حساسية في هذه المسألة، كان طريقة التعامل مع الطائفة العلوية من إدارة العمليات، لا سيما أن معظم الضباط يتحدرون من مناطق ذات أغلبية علوية في حمص وطرطوس واللاذقية، وقد حرصت إدارة العمليات على تفادي أي تصعيد معهم، وهو ما ظهر واضحا في حادثة الأكاديمية العسكرية في حلب، عندما أُخرج العلويون بأمان وتأمين طريقهم إلى خناصر، لضمان عدم تحولهم إلى جيب مقاوم.

تخلل الحملات عدة أحداث شكّلت منعطفاً في طريقة تعامل إدارة العمليات العسكرية مع فلول النظام، ومنها:

  • في 26 ديسمبر/كانون الأول الماضي، أعلن وزير الداخلية، مقتل 14 عنصراً وإصابة 10 آخرين من عناصر وزارة الداخلية إثر تعرضهم لكمين من فلول النظام بريف محافظة طرطوس، أثناء أدائهم مهامهم في حفظ الأمن وسلامة الأهالي.في اليوم نفسه، تمكنت إدارة العمليات العسكرية من تحييد عدد من فلول نظام الأسد في أحراش وتلال ريف طرطوس.

 

  • في 2 من يناير/كانون الثاني، قال مسؤول عسكري بإدارة العمليات العسكرية لوكالة “سانا”: “بدأنا مع وزارة الداخلية حملة تمشيط بمشاركة كتائب المشاة مدعومة بقوات مدرعة عند الضرورة في أحياء مدينة حمص، وسبقنا ذلك بتوزيع بروشورات تنبيه وتحذير، إضافة إلى عقد جلسات مكوكية مع الوجهاء لتجنيب المنطقة أي تصعيد دون أي رد من فلول المليشيات لتسليم أنفسهم”.

 

  • قال مصدر بوزارة الداخلية لوكالة “سانا” في 3 يناير/كانون الثاني، إن إدارة الأمن العام قبضت على المجرم “محمد نور الدين شلهوم” بمدينة حمص أثناء عمليات التمشيط، ويعتبر أحد مسؤولي كاميرات المراقبة بسجن صيدنايا، كما شارك في تعطيل كاميرات السجن قبل سيطرة إدارة العمليات العسكرية على المنطقة. في اليوم نفسه، أعلنت وزارة الداخلية، القبض على “ساهر النداف” أثناء عمليات التمشيط بمدينة حمص، وهو أحد القادة الميدانيين الذين أجرموا بحق الشعب السوري، وشارك بالعديد من المجازر على طول الأراضي السورية، ويعتبر النداف من فلول المليشيات الذين رفضوا تسليم سلاحهم ولجأوا إلى الاختباء بين المدنيين، وفقاً لما نقلت “سانا”.

 

  • في 14 يناير/كانون الثاني، أكد مدير إدارة الأمن العام في اللاذقية المقدم مصطفى كنيفاتي مقتل اثنين من إدارة الأمن وإصابة آخرين، بريف جبلة، وقيام الفلول بأسر 7 من عناصر الدورية والتهديد بذبحهم عبر فيديوهات مرئية، ولاحقاً تمكنت قوات الأمن بالتعاون مع إدارة العمليات العسكرية من تحرير العناصر، وبحسب، كنيفاتي، فإن المدعو “بسام حسام الدين” أحد قادة فلول مليشيات الأسد في منطقة جبلة فجر نفسه، أثناء الاشتباكات معه، وهو نفس الشخص الذي هدد بذبح العناصر المحتجزين في فيديو مصور.

 

  • في 21 يناير/كانون الثاني، أطلقت إدارة العمليات العسكرية حملة في ريف حمص الغربي لملاحقة فلول نظام الأسد.

 

  • في 24 يناير/كانون الثاني، قال المكتب الإعلامي في وزارة الاتصالات: “تسعى فلول النظام البائد الهاربة لزعزعة الأمن والاستقرار في أنحاء سوريا، وكان آخرها أعمال تخريب وقطع مسارين ضوئيين على طريق دمشق-حمص، ما أدى إلى انقطاع الإنترنت عن العاصمة وريفها وعدة مناطق أخرى”.

خطر خلايا الفلول

السؤال الأهم الذي يتكرر في الأوساط السورية: هل هذه الخلايا وفلول النظام تشكل خطراً حقيقياً على الدولة، أم أنها مجرد جيوب متفرقة لا تملك القدرة على شن عمليات مؤثرة؟ لفهم المشهد بعمق، يجب تحليل طبيعة هذه الخلايا، أماكن انتشارها، إستراتيجيات بقائها، ومدى خطورتها الفعلية على الأمن في مرحلة ما بعد النظام.

منذ بداية تراجع النظام، بدأ عدد من الضباط والعسكريين، خاصة في الأجهزة الأمنية، بالانسحاب من المشهد العسكري والاختباء في مناطق وعرة داخل جبال اللاذقية وطرطوس، أو في بعض القرى العلوية التي لا تزال تضم أنصاراً لهم في حمص، ومن العوامل التي ساعدت على نشوء هذه الخلايا، الطبيعة الجغرافية الصعبة للساحل، فالجبال والغابات الكثيفة تجعل عمليات التمشيط والملاحقة الأمنية صعبة للغاية.

يضاف إلى ذلك، التاريخ العسكري للمنطقة، فالساحل السوري طالما كان منطقة أمنية بامتياز، ما يجعل عناصر النظام السابق أكثر دراية بتضاريسه وطرق الاختباء فيه، خاصة مع انعدام البدائل، إذ إن كثيرا من العناصر الفارين يدركون أنهم إذا غادروا مخابئهم، فسيكون مصيرهم الاعتقال أو التصفية، ما يجعلهم متمسكين بالبقاء في الظل.

بحسب تقارير أمنية ومصادر محلية، فإن الخلايا النائمة تتمركز في عدة مواقع رئيسية داخل جبال الساحل، مستفيدة من المناطق النائية التي يصعب الوصول إليها، والمليئة بالغابات، كما أن بعض الضباط والعناصر تمكنوا من الوصول إلى منازلهم والاختباء فيها دون إثارة الشكوك.

ورغم خطورة هذه المجموعات، إلا أن وضعها الأمني هش، إذ تعاني من ضعف القدرة التنظيمية، وغياب الدعم اللوجستي، وانعدام الغطاء السياسي أو العسكري.

بطبيعة الحال، أكدت مصادر أمنية سورية للجزيرة نت أن فلول النظام عبارة عن مجموعات صغيرة ومنفصلة، ليس لها قيادة موحدة، بل تعمل منفصلة عن بعضها بعضا، فضلاً عن أن الخلايا لا تملك القدرة على شن عمليات كبيرة، بل تعتمد على التخفي والبقاء في الظل. وأغلب عناصر هذه الخلايا يحمل أسلحة خفيفة فقط، مع عدم وجود قنوات إمداد واضحة، ومن المهم الإشارة إلى أن فلول نظام الأسد لم يعد لهم أي جهة رسمية تدافع عنهم أو تمنحهم شرعية، مما يجعلهم بلا حصانة.

كما أن السلطة السورية الجديدة لا تخشى أن يتم الاستثمار في هذه الخلايا من دول معادية، لعدم وجود تواصل بينهم، حيث احتكر بشار الأسد العلاقات الخارجية حتى داخل طائفته نفسها وليس فقط سوريا.

يُعتقد أن هذه الخلايا لا تمثل تهديداً عسكرياً كبيراً في الوقت الحالي، لعدة أسباب:

  • افتقارها للقدرة الهجومية: هذه المجموعات لا تملك الأسلحة الثقيلة أو التمويل اللازم لتنفيذ عمليات كبيرة.
  • العزلة والافتقار للدعم الشعبي: حتى داخل الطائفة العلوية، لم يعد لهذه العناصر دعم قوي، بل إن كثيراً من العلويين يعتبرونهم جزءاً من المشكلة وليس الحل.
  • التشديد الأمني المستمر: عمليات التمشيط والملاحقة الأمنية تجعل من الصعب على هذه الخلايا إعادة تجميع نفسها أو تنظيم هجمات منسقة.
  • غياب أي مشروع سياسي: هذه الخلايا لا تملك أي أفق سياسي أو إستراتيجية مستقبلية، ما يجعلها مجرد مجموعات هاربة خارجة على القانون. عدم تعاطف المجتمع العلوي مع الفلول، وقناعة النسبة الأكبر منهم أن التطمينات ومسار التسويات الذي تعمل به السلطة الجديدة مناسب للوضع الحالي، ولا يريد العلويون أن يقاتل ويقاوم جزء منهم، خوفاً من تأجيج ملف الانتقام الجماعي ضدهم.

أمام هذه المعطيات، هناك عدة احتمالات لما قد يحدث لهذه الخلايا في المستقبل، لعل أبرزها التصفية التدريجية بالعمليات الأمنية، وهو السيناريو الأكثر احتمالاً، إذ ستعتقل أو تصفى العناصر المتبقية مع مرور الوقت.

ومن المحتمل أيضاً تحول بعض الخلايا إلى مجموعات قد تلجأ إلى الأنشطة غير المشروعة مثل التهريب والسرقة للبقاء، كذلك من ضمن السيناريوهات، محاولة بعض العناصر الفرار إلى دول أخرى، خاصة لبنان أو العراق.

ومن الممكن أيضاً أن ينجح بعض الأفراد في الاختفاء داخل القرى والمناطق العلوية، متجنبين أي نشاط قد يجذب الانتباه إليهم، في حين من المتوقع أن يستسلم معظم الأفراد لإدارة العمليات العسكرية لقناعتهم بعدم جدوى المقاومة والتخفي.

هذه الخلايا قد لا تشكل تهديداً إستراتيجياً كبيراً، إلا أن وجودها يظل مصدر قلق أمني مستمر، خاصة إذا تمكنت بعض الجهات الخارجية من استثمارها في المستقبل، لذلك فإن التحدي الرئيسي بالنسبة لجهاز الاستخبارات السوري، يكمن في تفكيك هذه المجموعات قبل أن تتحول إلى مصدر اضطراب دائم، أو “خطر مؤجل”.

استعمال العلويين

لطالما مثّل العلويون إحدى ركائز النظام السوري منذ عقود، فاعتمد عليهم في الجيش والأجهزة الأمنية، مما منحهم امتيازات مقارنة بغيرهم من الطوائف.

لكن بعد بدء الثورة السورية، ومع مرور الوقت، بدأ كثير من العلويين يشعرون بأنهم كانوا مجرد وقود حرب، حيث قدموا آلاف القتلى والجرحى لضمان بقاء الأسد على كرسي الحكم، إلى أن وجدوا أنفسهم في ظروف معيشية قاسية، بلا دعم أو تعويض عن الخسائر الفادحة التي لحقتهم.

الآن، وبعد سقوط النظام، وجد العلويون أنفسهم في عزلة تامة، لا تحالفات دولية تدعمهم، ولا قوى محلية تساندهم، لكن السؤال الجوهري هنا: هل كانت هذه العزلة نتيجة خيار إستراتيجي للعلويين، أم أنها فُرضت عليهم من النظام الذي احتكر علاقتهم بالخارج؟

 

بالعودة إلى الوراء، منذ تسلم حافظ الأسد السلطة، عمل على تفكيك أي محاولات لبناء قيادة مستقلة داخل الطائفة العلوية، ولم يسمح بظهور شخصيات دينية أو سياسية تمثل العلويين خارج إطار النظام، وعليه كانت الطائفة بأكملها ملتصقة بالدولة، مما جعلها تفقد أي استقلالية في قراراتها أو تحالفاتها.

ومن أبرز مظاهر هذه العزلة عدم وجود تمثيل سياسي علوي خارج النظام، حتى الشخصيات العلوية التي انشقت عن النظام لم تستطع تشكيل أي قوة سياسية بديلة، يضاف إلى ذلك، أن النظام لم يسمح بأي نشاط ديني مستقل داخل الطائفة، مما حرمها من وجود مرجعية روحية موحدة مثل باقي الطوائف. استطاعت الطوائف الأخرى في سوريا، مثل الدروز أو المسيحيين، بناء علاقات مع دول ومنظمات خارجية، بينما ظل العلويون محصورين في إطار النظام فقط. على المستوى المحلي، كان العلويون تاريخياً، مجتمعاً مغلقاً، وكانت لهم تقاليد خاصة وعيش شبه منعزل في الجبال والقرى الساحلية، ومع سقوط النظام، تحوّل هذا الانغلاق إلى عزلة سلبية جعلتهم غير قادرين على التفاعل مع بقية مكونات المجتمع السوري أو حتى مع العالم الخارجي.

blogs الجيش النظامي السوري
الجيش النظامي السوري (رويترز)

تتمثل العوامل التي زادت من العزلة الاجتماعية، في الخوف من الانتقام، فبعد انهيار النظام، أصبح كثير من العلويين يشعرون بأنهم مستهدفون، مما دفعهم إلى الانعزال أكثر، وكما يلحظ أنه لم يكن هناك أي محاولات سابقة لبناء تفاهمات مع السنة أو الأكراد أو المسيحيين، ما جعل العلويين في موقف هش.

عملت أغلبية العلويين في الجيش والأمن، أو في وظائف حكومية مرتبطة بالنظام، وبعد سقوطه فقدوا قوتهم الاجتماعية والاقتصادية، ولا تقتصر الآثار على ذلك، فبعد أن فقد العلويون موقعهم في الدولة والجيش والأمن، أصبحوا مجموعة ضعيفة تعاني من عدة أزمات متداخلة، أبرزها غياب القيادة السياسية.

حل الجيش والحزب: تفتت العلويين

تزامنا مع إعلان تنصيب أحمد الشرع رئيساً للجمهورية العربية السورية في المرحلة الانتقالية، أُعلن عن حل جيش النظام البائد، وجميع الأجهزة الأمنية التابعة للنظام، بفروعها وتسمياتها المختلفة، وجميع المليشيات التي أنشأها، وتشكيل مؤسسة أمنية جديدة تحفظ أمن المواطنين، مع حل حزب البعث العربي الاشتراكي، وأحزاب الجبهة الوطنية التقدمية، وما يتبعها من منظمات ومؤسسات ولجان، مع حظر إعادة تشكيلها تحت أي اسم آخر، على أن تعود جميع أصولها إلى الدولة السورية.

لطالما كان نظام الأسد يعتمد على الجيش وحزب البعث كركيزتين أساسيتين لبسط سلطته، وكان العلويون يشكلون العمود الفقري لكلتا المؤسستين، حيث سيطروا على مفاصل الجيش والأمن، وتغلغلوا في مؤسسات الدولة عبر حزب البعث، لكن مع إعلان إدارة العمليات العسكرية حل جيش النظام السابق وحل حزب البعث، قد يجد العلويون أنفسهم في موقف ضعيف.

بعد عقود من التمكين السياسي والعسكري، وجد العلويون أنفسهم بلا مؤسسة تحميهم، ولا تنظيم سياسي يوفر لهم الغطاء، فانكشفوا أمام تطورات المشهد السوري الجديد، ولم يعد لديهم موقع مميز في السلطة، ولا حتى القدرة على تنظيم أنفسهم للدفاع عن مصالحهم، لكن ربما طريقة تعامل الرئاسة الجديدة للدولة قد تخفف من وطأة ما يجري بالنسبة للطائفة العلوية، لا سيما أن الحكومة أكدت مراراً أن سوريا لكل السوريين دون أي تمييز على أساس عرقي أو طائفي.

ومن المهم التذكير أن الساحل السوري كان يمثل أهمية إستراتيجية لروسيا وإيران، إذ تملك موسكو قاعدة عسكرية في اللاذقية ولها موطئ قدم في ميناء طرطوس، بينما امتلكت طهران على مدى سنوات شبكة من المليشيات والمصالح الاقتصادية، لكن في الوقت ذاته، سقوط الأسد يعني أن روسيا وإيران فقدتا الحليف الرئيسي لهما في سوريا، مما يفرض عليهما التنسيق مع الرئاسة الجديدة للبلاد لو أرادتا الحفاظ على علاقة ودية مع دمشق.

إنّ الساحل السوري، الممتد من اللاذقية إلى طرطوس، كان أحد أكثر المناطق حساسية في المشهد السوري لسنوات، نظراً لأهميته الإستراتيجية ومحاولة نظام الأسد تصوير الساحل على أنه مرتبط به ارتباطا وثيقا منذ عقود، وبعد سقوط الأسد، فإن هذه المنطقة في وضع لن تزول خصوصيته واستثنائيته إلى بمرور الوقت والحفاظ على التوازن المنضبط بين العدالة والمواطنة والضبط الأمني.

 

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *