صيدا- يسترجع أبو ياسر، النازح من مخيم البص في صور، لحظات صعبة عاشها منذ انتقاله إلى مدرسة دير القاسي في صيدا.
ويقول للجزيرة نت “في البداية، تكفلت بنا الأونروا، لكنها سحبت يدها عنا وأصبح الوضع مزريا، لم أستطع تأمين مستلزمات الأطفال، والجمعيات تقدم مساعدات قليلة”، مضيفا “الوكالة أفضل لنا، نحن تحت حمايتها ومتكفلة بنا دوليا”.
ولا يخفِ أبو ياسر مخاوفه من الحديث عن نقلهم إلى مركز “سبلين” شمالي نهر الأوّلي، يوم الثلاثاء، وتتجلى في صوته مخاوف من المجهول، وتضج الأفكار في رأسه حول ما قد تحمله الأيام المقبلة، قائلا “لا نعلم ماذا سيحدث لنا، لكننا لن نذهب إلى أي مكان، ونرفض الذهاب إلى سبلين”.
وتجسد كلمات أبو ياسر معاناة العشرات الذين يعيشون تحت وطأة النزوح في مدرسة دير القاسي، وهو ما تشاركه به انتصار، النازحة من النبطية، حيث تقول للجزيرة نت “أخبرونا أننا يجب أن نذهب إلى سبلين، لكننا لم نوافق، فالوضع صعب جدا هناك، والأعداد كبيرة، بينما هنا أفضل من كافة النواحي، رغم أن الأونروا تخلت عنا”.
وبقلق واضح، تتساءل الحاجّة خلود، التي نزحت من مدينة صور تحت القصف “لقد كانت الأونروا مسؤولة عنا منذ اليوم الأول، وفجأة سحبت يدها، فما السبب وراء ذلك؟ لا نعرف”.
أزمة مركبة
بينما يواجه اللاجئون الفلسطينيون في لبنان أزمات متزايدة جراء الحرب الإسرائيلية على لبنان، تتوالى التحذيرات بمغادرة القرى والبلدات جنوب نهر الليطاني، بما في ذلك مخيمات اللاجئين، حيث يُقدّر عدد النازحين الفلسطينيين الذين انتقلوا من الجنوب إلى الشمال بنحو 75 ألفا، مع تسجيل حوالي 5 آلاف نازح داخل مراكز الإيواء التي تشرف عليها الأونروا.
وفي بيان له، أعلن المفوض العام للأونروا فيليب لازاريني عن إغلاق مركز الإيواء التابع للوكالة في مدرسة دير القاسي في صيدا، مما يزيد من معاناة اللاجئين، ويعكس التحديات المتزايدة التي يواجهونها.
وذكرت الوكالة أن أي انتهاك لجهودها في الالتزام بالمبادئ الإنسانية في مراكز الإيواء لا يمكن التسامح معه. وقالت “على الرغم من جهودنا للحفاظ على بيئة تحترم هذه المبادئ، فإنها لم تُراعَ في مركز الإيواء بمدرسة دير القاسي، مما أدى إلى اتخاذ هذا القرار”.
وأضافت الوكالة “نتفهم أن هذا القرار قد يسبب القلق والارتباك في أوساط المجتمع المحلي، ومع ذلك، فإن الالتزام بالمبادئ الإنسانية أمر بالغ الأهمية للحفاظ على سلامة النازحين وموظفينا، وهو ما يظل على رأس أولوياتنا”.
كما أشارت إلى أنها قد عرضت نقل النازحين إلى مراكز إيواء بديلة للمتأثرين بهذا القرار، مؤكدة استمرارها في تقديم الدعم للنازحين خلال هذه الأوقات الصعبة.
وجاء هذا القرار المفاجئ بإغلاق مركز الإيواء، الذي كان جزءًا من خطة الطوارئ، ليطرح تساؤلات عديدة بين الفلسطينيين حول تداعياته على حياة آلاف النازحين، وكانت وكالة الأونروا قد خصصت 13 مدرسة لتحويلها إلى مراكز إيواء، موزعة كما يلي:
- 6 مراكز في صيدا: تشمل مدرسة بيت جالا، مدرسة بيرزيت، مركز سبلين للتدريب (حرم الجنوب)، مدرسة نابلس، مدرسة رفيديا، ومدرسة دير القاسي.
- في بيروت: مدرسة يعبد.
- 5 مراكز في الشمال ومخيم نهر البارد تضم مدرسة بتير، ومدرسة جبل طابور، ومدرسة عمقا، ومدرستي طوباس وغزة، ومدرسة مزار ومجدو.
- في البقاع: مدرسة الجرمق.
بالإضافة إلى ذلك، هناك مدرسة المنارة ومركز سبلين للتدريب في الشمال، ومدرسة صخرة في مخيم “المية ومية” بصيدا، التي تم تجهيزها كمركز ولكنها غير مفتوحة بعد.
قرار غامض
يقول مدير عام “الهيئة 302 للدفاع عن حقوق اللاجئين” علي هويدي للجزيرة نت، إن قرار الأونروا “مستغرب ومرفوض”، خاصة أن مدرسة دير القاسي تُعد من المدارس التي أعلنتها وكالة الأونروا كمركز إيواء، وتضم حاليًا ما يقارب 90 عائلة، معظمهم من النازحين من منطقة صور، وتحديدًا من مخيمات الرشيدية والبص وبرج الشمالي جنوب لبنان.
وأشار هويدي إلى أن رفع مسؤولية الأونروا عن هذه المدرسة له أبعاد إنسانية وسياسية، خاصة بعد الطلب الموجه للعائلات للانتقال إلى مدارس في منطقة الشمال، مثل مخيمي نهر البارد والبداوي، وهو ما رفضته العائلات والمؤسسات التي تقدم خدمات داخل المدرسة.
وأكد أن هناك خشية من وجود مشروع تهجير للفلسطينيين باتجاه شمال نهر الأوّلي، مستشهدًا بإيقاف خدمات الأونروا في مخيمات منطقة صور، إلا أن الوكالة عادت وفتحت عياداتها ليومين أسبوعيا ولساعتين يوميا في مخيمي الرشيدية وبرج الشمالي، بالإضافة إلى استئناف مهام جمع النفايات بعد الضغوط التي مورست عليها.
ورأى هويدي أن هذه الإجراءات قد تكون تمهيدًا لإنهاء خدمات الوكالة بشكل كامل في المستقبل، إذا تصاعد التوتر الأمني. كما أشار إلى إلغاء الأونروا اعتماد مدرستين كمراكز إيواء، وهما “المنصورة” في القاسمية ومدرسة “الحولة” في كفر بدة، كأحد المؤشرات على ذلك.
وأشار إلى أن الأونروا كان بإمكانها إيجاد حلول أخرى لنقل اللاجئين من مدرسة دير القاسي، مثل نقلهم إلى مدارس أخرى تابعة لها في مناطق مثل مخيم المية ومية، ولكنه لم يستبعد أن تكون للقرار أبعاد سياسية تتعلق بمسألة التهجير، التي اعتبرها مرفوضة تمامًا.
احتياجات غير كافية
وفي سياق آخر، لفت هويدي إلى أن نداء الطوارئ الذي أطلقته الأونروا بقيمة 27 مليون دولار، لا يلبي احتياجات جميع النازحين، حيث خصصت هذه الأموال لخدمة 10 آلاف نازح فقط في مراكزها، متجاهلة عشرات آلاف النازحين في مخيمات مار إلياس ونهر البارد والبداوي وغيرها.
وأكد أن بعض المخيمات الأخرى شبه فارغة من سكانها، مثل مخيمي برج البراجنة وشاتيلا، حيث بقي نحو 10% فقط من سكانها.
كما نبه هويدي إلى أن خطة الطوارئ لم تأخذ بعين الاعتبار احتياجات جميع النازحين، وأن حرمان المخيمات الأخرى من الخدمات سيزيد من تفاقم الوضع الإنساني فيها.
وأشار إلى أن ما يقارب 25 ألف لاجئ فلسطيني لا يزالون يعيشون في منطقة صور، من أصل 75 ألفا منتشرين في تجمعات مثل القاسمية، والبرغلية، وأبو الأسود، وجل البحر، والشبريحة.
ولفت هويدي إلى أن الخدمات المقدمة داخل مراكز النازحين غير كافية، حيث يعاني النازحون من نقص في المساعدات الأساسية، مثل الغذاء والنظافة والمياه.