طهران وکابل- بالرغم من أن أفغانستان كانت لفترات تاريخية جزءا من الإمبراطورية الفارسية، فإن الخلافات الحدودية بينهما تعود إلى ما قبل حقبة الغزو السوفياتي لأفغانستان بين عامي 1979 و1989، ثم موقف طهران من الحرب الأهلية في جارتها الشرقية.
فبعد أن فشلت القواسم التاريخية والثقافية والدينية واللغة المشتركة في احتواء الخلاف الحدودي والصراع الطارئ في خمسينيات القرن الماضي، بسبب حصة إيران من الموارد المائية لنهر هلمند، الذي يصب في بحيرة هامون بالأراضي الإيرانية، فتحت عودة حركة طالبان إلى الحكم عام 2021 صفحة جديدة في العلاقات المعقدة بين طهران وكابل.
لكن العلاقات عادت إلى حالة التوتر التاريخية بين الطرفين مع عودة الأنباء عن الاشتباكات الحدودية تارة، واتهامات طهران بخرق كابل لمعاهدة “جولد سميث” الموقعة عام 1972، وما صاحبها من تهديدات مبطنة باستعداد الأفغان للاستيلاء على أراض إيرانية تارة أخرى.
ومع سقوط قتلى وجرحى من الجانبين، جراء جولات الاشتباكات المتكررة بين قوات حرس الحدود الإيرانية والأفغانية خلال العامين الماضيين، سعت سلطات كابل وطهران بشكل حثيث إلى تبني نظرات براغماتية لتسيطر على سخونة التوتر، لكن الخلاف طفى على السطح من جديد، إثر تزايد العمليات الإرهابية والهجمات المسلحة شرقي إيران.
مسوغات الإغلاق
وعقب الانفجار المزدوج الذي وقع مطلع يناير/كانون الثاني الماضي في محافظة كرمان (شرق إيران)، وأدى إلى مقتل أكثر من 100 شخص وجرح العشرات، تعالت الدعوات الإيرانية المطالبة بإنشاء جدار على الحدود المشتركة بين إيران وأفغانستان.
ويشير الباحث السياسي فرزاد رمضاني بونش إلى تزايد الأحداث الأمنية في المناطق الشرقية عقب عودة طالبان إلى الحكم، مؤكدا أن “الهجرة غير الشرعية، وتهريب المخدرات والوقود والبضائع، وتسلل بعض العناصر الإرهابية من أفغانستان إلى داخل الأراضي الإيرانية، تشكل أهم مسوغات طهران لإغلاق حدودها مع كابل”.
ويضيف بونش في حديثه للجزيرة نت أن “الرأي العام الإيراني أضحى يطالب سلطات بلاده بوضع حد للأحداث الأمنية، واستنزاف ثرواته الاقتصادية، والتحديات الجيوإستراتيجية، والأمراض المعدية، بتأمين الجمهورية الإسلامية عبر السيطرة على المناطق الجبلية الوعرة شرقي البلاد”.
الموقف الأفغاني
وتعليقا على خطة إيران إغلاق حدودها الشرقية بمسافة 74 كيلومترا شمال شرقي البلاد مع أفغانستان، قال المتحدث باسم الحكومة الأفغانية التي تقودها حركة طالبان ذبيح الله مجاهد إنه “لا ينبغي لأي بلد -بما في ذلك الجمهورية الإسلامية الإيرانية- أن يخاف من أفغانستان، لأنها بلد الأمن والاستقرار”.
وفي حديثه للجزيرة نت، حث مجاهد السلطات الإيرانية على التنسيق مع الجانب الأفغاني قبل اتخاذ أي خطوة بشأن الحدود، مضيفا أنه “لا داعي لهذه التدابير حاليا، ونحن لن نسمح لأي أحد باستخدام الأراضي الأفغانية ضد الآخرين”.
وأكدت مصادر حكومية أفغانية أن ثمة اجتماعات عقدت خلال العام الماضي بين ممثلين من الحكومتين الأفغانية والإيرانية لمناقشة عدد من النقاط حول الحدود المشتركة بين البلدين، وبالرغم من أن الجانب الأفغاني تمكن من استعادة بعض الأراضي التي سيطر عليها الجيران، لكن الخلاف مستمر بين طهران وكابل.
وقال مصدر في الخارجية الأفغانية -فضل عدم ذكر اسمه- للجزيرة نت إن “الخطوة الإيرانية جاءت بعد تعيين لجنة من قبل حركة طالبان بشأن تجديد العلامات التي تفصل الحدود الأفغانية مع الجيران، وثبت لنا أن بعض الجيران قضموا الأراضي الأفغانية في بعض المناطق”.
ورأى المصدر الأفغاني أن “إيران تشعر بقلق من إثارة التوتر على حدودها المشتركة مع أفغانستان، مما حدا بها أن تُقدم على طرح خطة إغلاق الحدود”، مؤكدا أن تبرير طهران بوجود المشاكل الأمنية “أمر غير مقنع”، على حد قوله.
انتقاد إيراني
في المقابل، انتقد قائد القوات البرية في الجيش الإيراني كيومرث حيدري، يوم الجمعة الماضي، موقف حكومة كابل حيال خطة إغلاق الحدود، مؤكدا أن “الآخرين لا يستطيعون أن يملوا علينا آراءهم بشأن موضوع إغلاق الحدود، لأن هذا الإجراء متعارف عليه في سياق تعزيز الأمن لدى جميع البلدان، ولا يحق لأحد أن يحتج على ذلك”.
ولفت القائد العسكري الإيراني إلى أن “تأمين البلاد بشكل دائم واجب يثقل عاتق القوات المسلحة، وتحقيق هذا الأمن المستدام يتم تارة باستخدام المسيّرات أو كاميرات المراقبة، وتارة أخرى من خلال تموضع القوات، ولا يحق للآخرين أن يقرروا بشأن الإجراءات التي نعتزم القيام بها في حدودنا”.
ولدى قراءته ما بين سطور الإعلان الإيراني الأخير، يقول الباحث السياسي بونش إن “طهران لا تقصد بناء جدار أو نصب سياج على طول حدودها مع أفغانستان، وإنما تهدف إلى تأمين الحدود وضمانها، وفق خطة محكمة تتجاوز الإغلاق فحسب”.
ورأى بونش في حديثه للجزيرة نت أن “تأمين إيران حدودها يتعلق بخطط وإجراءات تلجأ طهران إلى تنفيذها، بسبب عدم سيطرة الجانب الأفغاني على حدوده، وأن تلك الإجراءات قد تشتمل على بناء جدار أو سياج أو حفر خندق، أو مراقبة الحدود عبر المسيرات، واستخدام التقنيات الحديثة الأخرى”.
وأشار الخبير الإيراني إلى أن بلاده سبق أن أقدمت على إقامة سياج أمني داخل أراضيها بمسافة 30 كيلومترا عقب الحرب الأميركية لأفغانستان، وبرغم نجاح المشروع في ضبط الحدود بمنطقة زابل، فإن سلطات طالبان منعت المزارعين الإيرانيين من دخول أراضيهم خلف الأسوار، زاعمة أن السياج يقع على نقطة الصفر الحدودية.
اللجان المشتركة
وعزا الدبلوماسي الإيراني السابق في قندهار والرئيس السابق للجنة دعم أفغانستان في الخارجية الإيرانية محسن روحي صفت، سبب المناوشات الحدودية بين بلاده وأفغانستان إلى “سلوك قوات طالبان للسيطرة على الأراضي الإيرانية الواقعة خلف السياج الأمني بمنطقة سيستان شرقي البلاد”، مؤكدا أن بلاده نفذت عمليات دقيقة أدت إلى تراجع قوات حرس الحدود الأفغانية إلى نقاط الصفر الحدودية.
وأشار روحي صفت في حديثه للجزيرة نت إلى عدم التزام أفغانستان بتعهداتها في معاهدة “جولد سميث” حول حصة إيران من مياه هلمند، وعدم تعاونها لحل الأزمة عبر اللجان المشتركة التي شكلت العام الماضي لهذا الغرض، مضيفا أنه “كان الأحرى بالجانب الأفغاني أن يطالب بإطلاعه على خطط إيران لتأمين الحدود، وليس التنسيق معها، لأن القوانين الدولية تضمن لجميع الدول حقها في تأمين حدودها”.
وطالب روحي صفت طالبان بالقيام بخطط مشابهة لتأمين حدودها، وعدم السماح بعبور المهاجرين غير الشرعيين والمهربين إلى الجانب الإيراني، واقترح على طهران وكابل “تفعيل اللجان الحدودية المشتركة لحلحلة الخلافات الحدودية، واستمرار إيران بمساعدة الجانب الأفغاني في بناء المخافر الحدودية وتدريب قواته ومده بالتقنيات الحديثة لتأمين الحدود المشتركة”.