قبل جلسة العدل الدولية.. حيل ومناورات إسرائيلية ودول تدعم جنوب أفريقيا

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 7 دقيقة للقراءة

باريس- يتابع العالم اليوم الخميس أولى جلسات الاستماع في القضية التي رفعتها جنوب أفريقيا ضد إسرائيل في محكمة العدل الدولية، والتي تتهمها فيها بارتكاب جرائم إبادة جماعية في قطاع غزة.

وبالتزامن مع ما توصف بأنها “سابقة تاريخية” وخطوة أولى ضمن عملية طويلة في حال المضي قدما في القضية تبذل إسرائيل قصارى جهدها من خلال حيل ومناورات دبلوماسية تحاول من خلالها الخروج من ورطة الاتهامات الثقيلة أمام الهيئة القضائية العليا في الأمم المتحدة.

وفي هذا السياق، ونظرا لجدية الملف المقدم من قبل جنوب أفريقيا اختار الاحتلال الإسرائيلي الدفاع عن نفسه “شخصيا”، في إشارة واضحة إلى خطورة لائحة الاتهام الموجهة إليه وتبعاتها، فضلا عن سمعته أمام دول العالم.

ضغوط

نشر موقع “أكسيوس” برقية تتضمن تفاصيل خطط وزارة الخارجية الإسرائيلية لتوجيه سفاراتها بالضغط على الدبلوماسيين والسياسيين في الدول المضيفة لهم للإعراب عن معارضتهم قضية جنوب أفريقيا في المحكمة الدولية بشكل علني.

وتتضمن التعليمات في خطة العمل الدبلوماسية الإسرائيلية ممارسة ضغط دولي يحميها من إصدار المحكمة أمرا قضائيا ضد مصالحها، حيث من المقرر أن تكون جلسة استماع غدا الجمعة في لاهاي مخصصة لإسرائيل.

وتأمل إسرائيل أن ترفض محكمة العدل الأمر القضائي، حتى لا يُثبت أنها ترتكب بالفعل إبادة جماعية في حق الشعب الفلسطيني، ولتعترف في المقابل بأن جيش الاحتلال يعمل وفقا للقانون الدولي.

وأشارت برقية وزارة الخارجية إلى أن “الجهود التي تبذلها تل أبيب لزيادة المساعدة الإنسانية لسكان غزة، وتخفيض الأضرار التي تلحق بالمدنيين” تهدف إلى دحض تعريف الاتفاقية التي تعرّف الإبادة الجماعية بـ”خلق ظروف لا تسمح ببقاء السكان، مع نية إبادتهم”.

كما أبلغت الوزارة السفراء الإسرائيليين بأن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو سيرسل رسائل إلى العشرات من قادة العالم على المنوال نفسه، بما في ذلك حليفته الأولى الولايات المتحدة.

نقاط ضعف الاحتلال

بدوره، وصف مدير قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة “إفدي” لحقوق الإنسان المحامي عبد المجيد مراري مرافعة جنوب أفريقيا بـ”القوية”، معتبرا في الوقت ذاته أن الحيل والمراوغات أو الضغوطات الدبلوماسية التي تعتمدها إسرائيل لن تجدي نفعا ولن تحقق مبتغاها المتمثل في زعزعة قناعات الفريق القضائي داخل محكمة العدل.

وأكد مراري في مقابلة خاصة مع الجزيرة نت أن “القضاء يشكل قناعته ورأيه القانوني بناء على المرافعات القيمة والأدلة الموجودة بين يديه”.

من جانبه، اعتبر المحامي الدولي في مجال حقوق الإنسان فرانسيس بويل -الذي فاز بطلبين في محكمة العدل الدولية- أن “إسرائيل تعي جيدا أن موقفها ضعيف وحججها القانونية هشة، لذلك لن تكون قادرة على الفوز بالقضية”.

وأوضح المحامي الأميركي في حديثه للجزيرة نت أن “إسرائيل ستعتمد خلال الجلسة على حجة الدفاع عن النفس، وهو أمر رفضته المحكمة الدولية من قبل”، لافتا إلى أن جميع شعوب الدول العربية يجب أن تضغط على حكوماتها لدعم ملف جنوب أفريقيا.

وفي تقريرها المؤلف من 84 صفحة تؤكد جنوب أفريقيا أن الحملة العسكرية الإسرائيلية في غزة تنتهك التزاماتها بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية لعام 1948، والتي تعرّف هذه الإبادة بأنها “أفعال ترتكب بقصد التدمير كليا أو جزئيا لمجموعة قومية أو إثنية أو عرقية أو دينية”.

أميركا في الجانب الإسرائيلي

بدوره، رفض وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن تقرير بريتوريا، واصفا محتواه بـ”المزاعم التي لا أساس لها من الصحة”، لأن الغرض منه هو “صرف الانتباه عن الجهود المبذولة لتحسين الوضع الإنساني في غزة”، على حد قوله.

وأدلى بلينكن بهذا التصريح في مؤتمر صحفي بعد محادثات أجراها مع القادة الإسرائيليين في تل أبيب أول أمس الثلاثاء ضمن زيارة شملت دولا عدة في الشرق الأوسط، وسط تجدد الدعوات لوقف إطلاق النار مع دخول العدوان الإسرائيلي على غزة شهره الرابع.

من جهته، قال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض جون كيربي في تصريحات الأسبوع الماضي إن الدعوى القضائية “عديمة الجدوى وتؤدي إلى نتائج عكسية”.

ويرى مدير قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة “إفدي” عبد المجيد مراري أن تشكيك الولايات المتحدة في محكمة العدل مرتبط بتخوفها من القرار الذي ستصدره بشأن القضية، خاصة أن المادة (3) من اتفاقية تجريم الإبادة تنص على أن “من شارك في جريمة الإبادة يعد مرتكبا لها”، مما يعني أن أي إدانة للاحتلال الإسرائيلي قد تعتبر إدانة غير مباشرة لواشنطن.

وبالتالي، يعتبر مراري أن الولايات المتحدة “ليست في موقع يسمح لها بالحكم على مثل هذه الإجراءات أمام القضاء الدولي، لأنها أصبحت تهدد الأمن والسلم الدوليين بمواقفها الداعمة للإبادة الجماعية والتطهير العرقي”.

من جهة أخرى، نالت بريطانيا حصتها من الانتقاد بسبب رفضها دعم الدعوى ضد إسرائيل، واتُهمت بازدواجية المعايير بعد تقديمها وثائق إلى محكمة العدل قبل شهر تقريبا لدعم ارتكاب ميانمار إبادة جماعية ضد الروهينغا.

يذكر أن وزير الخارجية البريطاني ديفيد كاميرون لم يقبل ادعاءات جنوب أفريقيا في حديثه خلال أول استجواب له من قبل أعضاء البرلمان في لجنة الشؤون الخارجية أول أمس الثلاثاء، إذ واجه تساؤلات عما إذا كان الحصار العسكري الإسرائيلي لقطاع غزة ينتهك القانون الإنساني الدولي.

التحاق دول أخرى بجنوب أفريقيا

وبينما تشكك الدول الصديقة والداعمة لإسرائيل في دعوى جنوب أفريقيا رحبت مجموعة من الدول والمنظمات الحقوقية المؤيدة للقضية الفلسطينية بهذه الخطوة أمام محكمة العدل الدولية.

وفي بيان صدر مطلع يناير/كانون الثاني الجاري أكدت وزارة الخارجية الماليزية دعوتها إلى ضرورة إقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود ما قبل عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.

وقال وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي إن عمّان ستدعم جنوب أفريقيا في الدعوى التي رفعتها ضد إسرائيل، لافتا إلى استمرار بلاده في القيام بما يجب لوقف العدوان على قطاع غزة.

كما أعرب المتحدث باسم وزارة الخارجية التركية أونجو كيسيلي في تغريدة في حسابه على منصة “إكس” عن ترحيب أنقرة بالطلب الذي تقدمت به بريتوريا.

وفي بيان نشرته وزارة خارجيتها أعلنت بوليفيا -التي تعتبر أول دولة في أميركا اللاتينية تدعم القضية ضد إسرائيل- انضمامها إلى لائحة الداعمين، وأكدت تقديرها لهذا “الإجراء التاريخي” والتزامها بالسلام والعدالة.

وقالت حكومة جنوب أفريقيا أول أمس الثلاثاء إن زعيم المعارضة البريطاني السابق جيرمي كوربن انضم إلى وفدها لحضور جلسات الاستماع في المحكمة.

وفي هذا الصدد، أشاد المحامي مراري بما وصفه بـ”الدعم المعنوي” للدعوى وللشعب الفلسطيني، مشددا في الوقت ذاته على أن الأمر الأكثر أهمية اليوم -على المستوى المادي- يتمثل في قوة المرافعة والأدلة الموثقة أمام القضاء لتعزيز الملف، فضلا عن تشكيل أو إعادة تشكيل قناعة القاضي.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *