الخرطوم- إثر تداعيات المعارك في السودان وانتهاكاتها التي انتقلت من بين زخات الرصاص على الأرض إلى أجساد النساء، لم تجد السودانية ملاذ وائل عمر خيارا سوى الانضمام إلى معسكر لتدريب المرأة بقرية الطلحة في محلية جنوب ولاية الجزيرة جنوبي الخرطوم، وذلك لتعلم مهارات الدفاع عن النفس.
وتقول ملاذ للجزيرة نت “خرجت من الخرطوم بعد مرور 3 أشهر على الحرب، والتحقت بالمعسكر بسبب ما حدث للنساء هناك، نتعلم هنا حماية أنفسنا، والخياطة، والتدبير المنزلي، والإسعافات الأولية”.
وبالتزامن مع إعلان رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان الاستنفار واتهامه قوات الدعم السريع بارتكاب أشكال من العنف الجنسي، انطلقت مبادرات بعدد من ولايات السودان -مثل البحر الأحمر، ونهر النيل، والجزيرة- تركز على إنشاء معسكرات لتدريب النساء ودعم مراكز إيواء المتضررين من الاشتباكات الدائرة.
عنف جنسي
من جانبها، كشفت مديرة وحدة مكافحة العنف ضد المرأة سليمى إسحق عن أن حالات العنف الجنسي تجاه النساء بلغت 136 حالة موثّقة، بينهن 14 طفلة، وسُجلت 68 حالة في الخرطوم، و47 في نيالا، و21 في الجنينة، في حين وصلت حالات “الاسترقاق” (الاستغلال) الجنسي إلى 29 حالة. وتقول الناجيات إن مرتكبيها “أشخاص يرتدون زي الدعم السريع”.
وأضافت إسحق، في حديث للجزيرة نت، أن الحالات الموثقة لا تمثل أكثر من نسبة 2% من الواقع، وأنه لا توجد إحصائية دقيقة عن عدد المختفيات قسريا، خاصة في مناطق الصراع بالخرطوم ونيالا، في ظل وجود مواقع هناك للدعم السريع.
وأشارت إلى “أن الاعتداءات على النساء في الخرطوم تمت داخل المنازل عند اقتحامها، وأن التدابير الوقائية التي تتخذها النساء، بعدم خروجهن، لم توفر لهن الحماية”.
مبادرات شعبية
ومع تنامي العنف الجنسي بحق النساء في معارك السودان التي تدور رحاها منذ منتصف أبريل/نيسان الماضي، انطلقت مبادرات شعبية لتدريب المرأة على حماية نفسها.
ومن معسكر قرية الطلحة، رصدت الجزيرة نت تدافع نساء من مختلف الأعمار للتدريب البدني وتعلم الإسعافات الأولية، مع الاتجاه نحو إنشاء عدد من المعسكرات النسائية في قرى ولاية الجزيرة الأخرى.
وأفادت مؤسسة ومشرفة المعسكر عالية عبد القادر أن المعسكر قام بمبادرة شعبية “استجابة لنداء قائد الجيش السوداني، وأنه يضم نحو 160 متدربة، يتم تعليمهن التدريب العسكري حماية للنفس والعرض، والإسعافات الأولية والتمريض، والخياطة، والتدبير المنزلي، إلى جانب محو الأمية، ومحاضرات دينية وثقافية”.
وقالت، للجزيرة نت، إن هناك توجها نحو إنشاء سوق لبيع منتجات المتدربات في المعسكر.
إقبال واسع
في السياق، قالت رئيسة لجنة المرأة لدعم القوات المسلحة في محلية شندي بولاية نهر النيل أماني عبد الرازق إنه “بمبادرة شعبية من النساء، بدأ الاستنفار وتكوين المعسكرات بمحلية شندي وعدد من محليات ولاية نهر النيل”.
وكشفت للجزيرة نت عن إقبال واسع على هذه المعسكرات التي بلغ عددها 11 معسكرا، في حين وصل عدد المتدربات في بعضها إلى 173 متدربة، كما تضم أعدادا من النازحات من الخرطوم.
وأضافت أماني عبد الرزاق أن “الهدف من المعسكرات هو الحماية الشخصية للمرأة حتى لا تتكرر معاناة النساء في الخرطوم، إلى جانب تلقيهن تدريبا على الإسعافات الأولية، والرياضة البدنية، ويتم الترتيب لتقديم محاضرات تأهيل نفسي للقادمات من العاصمة”.
ضوابط
ورغم انتقاد ناشطات لمعسكرات تدريب النساء واعتبارها “دعوة لاستمرار الحرب”، فإن الأكاديمية المختصة في العلوم السياسية عزة مصطفى ترى أن هذه المعسكرات “تساعد على بناء العلاقات الاجتماعية واستثمار الوقت، إضافة إلى رفع القدرات واكتساب النساء مهارات توفير مصادر العيش، خاصة بعد الضائقة الاقتصادية”.
وأكدت عزة مصطفى، للجزيرة نت، أن للتدريب البدني وتعلم فنون الدفاع عن النفس أهمية، “إذ وقعت على النساء أضرار كثيرة في أثناء الحرب، أما التدريب على حمل السلاح، فيجب أن يكون بضوابط”.
وتابعت أنه “من المهم إعادة التأهيل الأخلاقي، إذ أدت الحرب إلى إفرازات اجتماعية، إلى جانب أهمية التأهيل النفسي، مما ينمي الشعور بالتضامن وتخفيف أثر الحرب”.
من جهته، أكد المتحدث باسم الجيش السوداني العميد نبيل عبد الله أنه “لا حاجة للمرأة للمشاركة في القتال، وأن المعسكرات التي انتظمت في البلاد للمتطوعين جاءت بمبادرات شعبية من مختلف القطاعات تعبيرا عن وقوفهم بجانب قواتهم المسلحة”.
وقال عبد الله للجزيرة نت “يمكن للمرأة أن تقوم بأدوار جوهرية في الإسناد، كتقديم الخدمات الطبية، وتنظيم أسر المقاتلين ورعايتهم”.