القدس المحتلة- كسر فلسطينيو 48 وأهل القدس جدار الخوف، وتخطوا حواجز القيود والعراقيل، وتحدوا سياسة الترويع والترهيب التي سعت سلطات الاحتلال الإسرائيلي إلى فرضها في البلدة القديمة لعزل المسجد الأقصى عن الفلسطينيين خلال رمضان.
ألقت الحرب على غزة بظلالها على القدس، حيث عمدت سلطات الاحتلال -وعلى مدار أكثر من 5 أشهر- إلى حجب الأقصى عن أهل القدس وفلسطينيي 48، وسمحت فقط لسكان البلدة القديمة بالصلاة في ساحاته، وفرضت قيودا على دخول الأطفال والشباب.
في أيام رمضان الأولى، سعت سلطات الاحتلال إلى مواصلة العمل بالإجراءات القمعية للحد من توافد الفلسطينيين إلى الأقصى، إذ حولت القدس القديمة إلى ثكنة عسكرية ونشرت آلاف عناصر الشرطة وحرس الحدود على الطرقات والأزقة المؤدية إلى أبواب ساحات الحرم.
شد الرحال
داخل أسوار البلدة القديمة، تعترض طريق المتجهين إلى الأقصى عدة حواجز عسكرية، ويكون تخطيها منوطا بالتفتيش تارة والتحقيقات الميدانية تارة أخرى، ويُخضِع عناصر شرطة الاحتلال الوافدين من فلسطينيي 48 -وخاصة الشباب- لتحقيقات ميدانية.
وتشمل هذه التحقيقات تصوير بطاقات الهوية الشخصية، وإدراج أصحابها ضمن قوائم المنع من الصلاة فيه، وحذف مشاهد الفيديو والصور من الهواتف التي وثقت ممارسات الاحتلال.
ولم تمنع إجراءات القمع والتنكيل والترهيب فلسطينيي 48 وأهل محافظة القدس، من شد الرحال والرباط في المسجد الأقصى، عبر تسيير القوافل والحافلات، لإعماره وإنعاش الاقتصاد وتعزيز صمود المقدسيين بالبلدة القديمة، والتصدي لمخطط الاحتلال للتفرد بالأقصى وتفريغه من الفلسطينيين في رمضان.
يعتبر المحامي المختص في قضايا القدس والأقصى خالد زبارقة، وهو من أبناء مدينة اللد الساحلية، رمضان محطة مهمة من أجل النفير للقدس والاعتكاف في الأقصى رغم إجراءات القمع ومحاولات سلطات الاحتلال خلق حالة من الترويع بأوساط العائلات الفلسطينية لمنعها من زيارة المدينة المقدسة وكسر الحصار المفروض عليها منذ الحرب على غزة.
ورغم القيود غير المسبوقة، يعتكف زبارقة -مثل كل رمضان- في ساحات الحرم، ويقول للجزيرة نت إن “إسرائيل تحاول خلق حالة قطيعة بين فلسطينيي 48 والأقصى”.
وأوضح أن سلطات الاحتلال تحاول فرض معادلة وجود إسلامي عربي أقل في ساحات الحرم ومنح أفضلية للوجود اليهودي الاستيطاني لهدم الأقصى وبناء “الهيكل” المزعوم، وهي المعادلة التي غيرها الوجود الفلسطيني في ساحات الأقصى وأحبط مخطط الاحتلال تفريغ الأقصى في رمضان.
وأشار المحامي زبارقة إلى أن سلطات الاحتلال سعت لخلق حالة من التخويف لمنع فلسطينيي 48 من النفير للقدس والاعتكاف والصلاة بالأقصى، لكن رغم المنع والعراقيل فإن أهل الداخل والقدس تحدوا هذه الإجراءات القمعية وانتصروا للأقصى بالتوافد للقدس القديمة.
وأكد المتحدث ذاته أن حالة التحدي والوجود البشري الفلسطيني في زقاق القدس القديمة وقبالة بوابات الأقصى أجبرت سلطات الاحتلال على تخفيف القيود، علما أن الغالبية العظمى من الحشود هم من جيل الشباب والعائلات التي -رغم الملاحقة- اختارت شد الرحال إلى الأقصى.
تحدي التقييد
بدوره، تحدث المربي محمود مواسي، من بلدة باقة الغربية بالداخل الفلسطيني عن معاناة فلسطينيي 48 خلال السفر للقدس والدخول إلى الأقصى، وتحديهم التقييدات والإجراءات العسكرية الإسرائيلية.
وأوضح أن الرحلة الدينية لفلسطينيي 48 إلى القدس في رمضان والتي تستغرق من ساعتين إلى 4 ساعات، محفوفة بالعراقيل التي تحول دون وصول الكثيرين إلى ساحات المسجد الأقصى، ما يضطرهم للصلاة عند بواباته.
واستعرض مواسي للجزيرة نت الإجراءات الإسرائيلية بحق فلسطينيي 48 وأهل القدس، ومن بينها إرسال شرطة الاحتلال إلى آلاف من الشبان والشابات أوامر منع دخول الأقصى في رمضان -عبر رسائل نصية- وتسليم المئات أوامر عسكرية تحظر عليهم دخول ساحاته، وإبعاد بعضهم عن القدس القديمة.
ولفت المربي مواسي إلى أن معاناة السفر إلى القدس وتحمل مشقة الصيام تكون مضاعفة بمجرد الوصول إلى أسوار القدس القديمة، حيث تنتشر الحواجز العسكرية والجدران والأقفاص الحديدية مع آلاف من عناصر شرطة الاحتلال وحرس الحدود الذين ينغصون على الفلسطينيين رمضان ويقيدون وصولهم إلى أبواب المسجد الأقصى.
وأضاف في السياق ذاته أن سلطات الاحتلال قمعت ونكّلت بالمرابطين والوافدين للصلاة في الأقصى، “ولم يسلم من عنفهم الرجال والنساء وكبار السن، لكن الإرادة الفلسطينية وإدراك طبيعة الصراع، أفشلا هذه الإجراءات”.
كسر الحصار
عاشت القدس القديمة خلال العدوان على غزة حصارا وعزلة عن الداخل الفلسطيني، تم كسرها خلال شهر رمضان.
يقول رئيس جمعية “اتحاد المسعفين العرب” محمد غرابلي إن سلطات الاحتلال اعتمدت سياسة “الفلترة” في دخول فلسطينيي 48 والقدس للأقصى إلا أن الحشود الفلسطينية واصلت التوافد رغم سياسات الاستفزاز والعراقيل والتنكيل.
وأكد غرابلي للجزيرة نت أن الأيام الأولى من شهر رمضان كانت حالة تحدي للفلسطينيين من أراضي 48 والقدس للإجراءات التي حاولت سلطات الاحتلال فرضها، حيث كسروا حالة الخوف وفرضوا معادلة وجودية جديدة أجبرت شرطة الاحتلال على التخفيف من هذه القيود المشددة.
وأوضح المتحدث نفسه أنه منذ الحرب على غزة، تفرض سلطات الاحتلال تقييدات على دخول المصلين من فلسطينيي 48 والقدس للأقصى، خاصة في أيام الجمعة، وتواصل الإجراءات ذاتها خلال رمضان.
ولفت غرابلي إلى أن سلطات الاحتلال تحاول التفرد بالأقصى في رمضان بعزله وسلخه عن بيئته الفلسطينية من الداخل والقدس، وتقليل الوجود العربي والإسلامي، ومنع أي حضور لجمعيات المجتمع المدني الفلسطيني.
كما أضاف أنها تمنع دخول الإسعاف الفلسطيني والهلال الأحمر للأقصى وتحاول فرض سياستها الاحتلالية عبر إدخال الطواقم الطبية التابعة لهيئة الإسعاف الإسرائيلية “نجمة داود الحمراء”، “ما يجعلنا أمام حالة صراع ورفض الاستسلام لإجراءات الاحتلال من أجل تثبيت الوجود الفلسطيني في ساحات الحرم”.