باريس- في مشهد شبيه بنقاشات قانون نظام التقاعد المثير للجدل، تبنى النواب الفرنسيون، مساء الاثنين، اقتراح رفض مشروع القانون المتعلق بالهجرة في جلسة عامة بالجمعية الوطنية وبأغلبية 270 صوتا مقابل 265، على الرغم من الحجج والمبررات التي قدمها وزير الداخلية جيرالد دارمانان.
وجاء التصويت نتيجة اتحاد أصوات اليسار من حزب الجمهوريين واليمين من حزب التجمع الوطني، وهو ما أدى إلى إلحاق هزيمة سياسية ثقيلة بحكومة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.
ودافع حزب الخضر عن اقتراح الرفض المسبق لوقف دراسة النص حتى قبل مناقشته. وفي هذه الحالة، يمكن للحكومة اختيار السماح للنص بمواصلة رحلته التشريعية نحو مجلس الشيوخ أو من خلال لجنة مشتركة تضم النواب وأعضاء مجلس الشيوخ، أو أن تقرر التخلي عنه.
هزيمة كارثية
وأعرب وزير الداخلية دارمانان عن أسفه قائلا إن “جزءا من اليمين سيصوت لصالح حزب الاتحاد الشعبي البيئي والاجتماعي الجديد (NUPES)، الذي يقرر الآن خارج المجال الجمهوري ويرفض مد يده للحكومة”.
وفي ختام خطابه الذي استمر 20 دقيقة على منصة المجلس، ذكّر دارمانان بأن الحكومة “مستعدة لمناقشة” مشروع قانونها، مشيرا إلى أن “رفض النقاش يعني رفض الحديث عن مواضيع تهم الفرنسيين”.
ومدافعا عن اقتراح الرفض، قال النائب بنيامين لوكاس عن حزب الخضر “لم تتمكنوا من إيجاد التوازنات والتسويات التي كانت ضرورية”. واختتم مداخلته بالإشارة إلى أن “مناقشة بهذه الأهمية، وهي بلا شك من بين أهم الخلافات السياسية والأخلاقية في عصرنا، تستحق أفضل من نص قصير تتبناه أغلبية صغيرة”.
وفي حديثه للجزيرة نت، اعتبر عضو مجلس الشيوخ السابق إيف بوزو دي بورغو، أن تقديم مثل هذه القوانين من قبل حكومة ماكرون يأتي لإشغال الرأي العام عن مشاكل أكثر عمقا، بما في ذلك الديون الضخمة المتراكمة.
وأضاف دي بورغو “نعيش اليوم أمورا مجنونة ولم نشهد هذا من قبل في فرنسا التي أصبحت تعاني من أزمة إفقار حادة؛ إذ يوجد نحو 10 ملايين شخص يعانون من نقص التغذية. ولهذا تميل الحكومة بأسلوبها الكلاسيكي إلى إثارة ملفات شائكة كلما سمحت الفرصة”.
ويُعتبر دور الجمهوريين حاسما في فشل مشروع قانون الهجرة. وبحسب تعليلات التصويت، أيّد 40 من أصل 62 نائبا من حزب اليسار اقتراح الرفض الأولي، منددين بـ”تفكيك” النص الذي تم وضعه في مجلس الشيوخ.
ويهدف قانون الهجرة الذي اقترحته حكومة ماكرون إلى تسهيل عمليات طرد الأجانب الذين يهددون الأمن القومي من جهة، والسماح من جهة أخرى بتنظيم العمال غير المسجلين في بعض المهن المتوترة (التي لا تجد يدا عاملة كافية لاستمراريتها).
فوز وترحيب الأغلبية
وفور الإعلان عن نتائج التصويت، لم يُخف النواب سعادتهم، وسُمعت صرخات الفرح وهتافات تطالب بـ”استقالة دارمانان” داخل قاعة الجمعية الوطنية.
ورحبت النائبة ماتيلد بانو، عن حزب “فرنسا الأبية” بنتيجة الجلسة، مشيرة إلى أن الرفض الأولي “سيوفر على البلاد أسبوعين من الخطابات المعادية للأجانب”.
وأضافت بانو “مع رفض هذا القانون، من الأفضل لمن هم في السلطة أن يتذكروا أن هناك برلمانا في هذا البلد. لو أنهم جعلونا نصوّت أكثر على مواضيع معينة (معاشات التقاعد والميزانية) لكانوا قد تعرضوا لنفس الفشل”.
وبعد أن قرر حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف، المكون من 88 نائبا بقيادة مارين لوبان، التصويت على اقتراح الرفض، أعلنت لوبان لدى مغادرتها الجلسة أنها ستقترح اعتبارا من الغد “قانونا بشأن الهجرة”.
وأضافت للصحفيين بعد نهاية الجلسة “لا يساورني الشك في أنه سيكون متحيزا للحزبية وأنه سيُقبل بارتياح في الانتخابات الرئاسية ذات الأغلبية لتعديل بعض المواد وتسهيل طرد المجرمين الأجانب”، معتبرة أن تبني اقتراح الرفض “يحمي الفرنسيين من تدفق إضافي للهجرة”.
من جانبه، يرى دي بورغو أن ضعف ماكرون في سياساته الخارجية كان سببا أيضا في اتحاد الأصوات المعارضة ضده، خاصة بعد حضور فرنسا الخافت جدا في ملف الحرب الأوكرانية والحرب في غزة.
ما السيناريوهات المحتملة؟
وفي مقابلة خاصة مع الجزيرة نت، قال دي بورغو إن “ملف الهجرة يعتبر جدلا أبديا في فرنسا ويُعد هذا القانون الـ29 الذي تتم مناقشته في البلاد، لكن يتم سن القوانين ولا يتغير شيء بعدها”.
وحول السيناريوهات المحتملة، أشار إلى إمكانية سحب الحكومة نص مشروع القانون لتخرج نفسها من مأزق سياسي بسبب افتقارها للأغلبية في البرلمان، أو إعادته إلى مجلس الشيوخ حيث بدأت العملية التشريعية لهذا النص في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
ولا تزال لدى الحكومة إمكانية مطالبة مجلس الشيوخ بمناقشته على الطاولة مجددا. وفي هذه الحال، سيعمل أعضاء المجلس على النسخة الأخيرة التي تم التصويت عليها من النص ثم إرسال النص المعاد صياغته إلى الجمعية الوطنية.
أما الخيار الثالث، فيتمثل في تشكيل لجنة مشتركة يتولى خلالها 7 نواب و7 أعضاء في مجلس الشيوخ مسؤولية تطوير نسخة توافقية لتقديمها للتصويت في كلا المجلسين لاعتماد مشروع القانون.
وفي هذه الحال، سيكون لدى نواب البرلمان -الذين يتمتعون بالأغلبية في المجلس- حضور كبير، وهو ما سيسمح لهم بالحفاظ على سيطرتهم على النص.
وإذا فشلت المصالحة يعود مشروع القانون في النسخة الأخيرة التي تم التصويت عليها إلى الجمعية الوطنية التي لها الكلمة الأخيرة.
ويعلق عضو مجلس الشيوخ الفرنسي السابق على هذه الاحتمالية قائلا إن “الأحزاب الفرنسية منقسمة للغاية ولا أعتقد أنه سيتم تمريره في نهاية المطاف”. أما بالنسبة لاستخدام المادة “49.3” لفرض القانون، فلا يزال مستبعدا في الوقت الحالي.