غرباء في ديارهم.. معنى أن تكون مسلما في الهند التي يحكمها مودي

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 7 دقيقة للقراءة

يعاني المسلمون في الهند الألم والعزلة أثناء محاولتهم تربية أطفالهم، في بلد يشكك بشكل متزايد في هويتهم ذاتها. وقد رد ذلك في تقرير لصحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية لمراسليها في الهند مجيب مشعل وهاري كومار.

ويقول التقرير إن  رئيس الوزراء ناريندرا مودي يمارس لعبة طويلة في هذا السياق، وأن قادة الهند حاليا يُشعِرون المسلمين علنا بأنهم لا يريدونهم في البلاد، ويشوهونهم لمجرد أنهم مسلمون.

وتلوّن هذه الحملة كل شيء، الأصدقاء العزيزون لعقود يتغيّرون. والجيران يتراجعون عن إيماءات الجوار-حيث لم يعودوا يشاركون بالاحتفالات، أو يطرقون للاستفسار في لحظات الألم.

حياة بلا حياة

يقول المسلم ضياء سلام (53 عاما) الكاتب الذي يعيش في ضواحي دلهي مع زوجته أوزما أوساف وبناتهما الأربع “إنها حياة بلا حياة”.

وعندما كان ناقدا سينمائيا لإحدى الصحف الرئيسية، كان سلام يملأ وقته بالسينما والفن والموسيقى. وانتهت أيام العمل حيث كان يركب على ظهر دراجة نارية لصديق هندوسي له أكبر سنا. وكانا يذهبان إلى كشك طعام مفضل لإجراء محادثات طويلة. أما زوجة سلام فهي صحفية متخصصة بشؤون الحياة والطعام والأزياء.

والآن، تقلص روتين سلام واقتصر على المكتب والمنزل، وأصبحت أفكاره مشغولة بمخاوف أثقل. وقال إن التنميط العرقي المستمر يصيبه بالإرهاق بسبب أنه “مسلم بشكل واضح”: من قبل صراف البنك، وموظف موقف السيارات، ومن قبل زملائه الركاب في القطار.

وأصبحت النقاشات العائلية أكثر قتامة، حيث يركز كلا الوالدين على تربية بناتهما في بلد يحاول محو علامات هوية المسلمين في ارتداء ملابسهم وأكل طعامهم، وحتى هويتهم الهندية.

وتكافح إحدى بناته، وهي طالبة رياضية مثيرة للإعجاب، لدرجة أنها احتاجت إلى استشارات نفسية وغابت أشهر من المدرسة. وغالبا ما تناقش الأسرة ما إذا كانت ستبقى في حيها الهندوسي المسلم المختلط في مدينة نويدا خارج العاصمة دلهي.

يترددون في الإيجار للمسلمين

مريم (ابنتهما الكبرى) طالبة دراسات عليا، تميل نحو حل وسط: أي شيء لجعل الحياة محتملة. إنها تريد أن تتحرك، إلى أي مكان، ولكن الانتقال إلى منطقة إسلامية قد يكون صعبا. غالبا ما يسأل وكلاء العقارات صراحة عما إذا كانت العائلات مسلمة، والملاك يترددون في الإيجار لهم.

تقول مريم “لقد بدأت في اتخاذ خطوة كبيرة”. ورد والدها “أنا أرفض ذلك”. فقد تقدم في السن بما يكفي ليتذكر عندما كان التعايش هو القاعدة إلى حد كبير بالهند المتنوعة للغاية، ولا يريد أن يضيف إلى ذكرياته الفصل العنصري المتزايد في هذا البلد.

لكنه أيضا براغماتي. ويتمنى أن تنتقل مريم إلى الخارج، على الأقل في الظروف الحالية السيئة.

لعبة مودي الطويلة

لكن رئيس الوزراء ناريندرا مودي يمارس لعبة طويلة. وقد أدى صعوده إلى السلطة الوطنية عام 2014، على وعد بالتطور السريع، إلى اجتياح حركة قومية هندوسية المركز، بعد عقود من بقائها على هوامش السياسة الهندية.

ومنذ ذلك الحين، تخلص من الإطار العلماني والديمقراطية القوية التي حافظت على تماسك الهند منذ فترة طويلة على الرغم من الانقسامات الدينية والطائفية المتفجرة في بعض الأحيان.

وبدأت المنظمات اليمينية في استخدام القوة الهائلة حول مودي كدرع لمحاولة إعادة تشكيل المجتمع الهندي. وأثار أعضاؤها اشتباكات طائفية مع ظهور المسؤولين في وقت لاحق لهدم منازل المسلمين واعتقالهم، بينما كانت الحكومة لا تهتم بما يجري.

وقامت المجموعات اليمينية، التي ازدادت جرأة، بإعدام المسلمين الذين اتهموا بتهريب لحوم البقر. واحتفل كبار القادة في حزب مودي علانية بالهندوس الذين ارتكبوا جرائم ضد المسلمين.

وعلى أقسام كبيرة من وسائل البث، وبشكل خاص على وسائل التواصل الاجتماعي، انطلق تعصب أعمى دون رادع. ونشرت مجموعات “واتساب” نظريات المؤامرة حول رجال مسلمين يستدرجون الهندوسيات لتحويلهن دينيا، أو حتى عن قيام المسلمين بالبصق في الطعام بالمطاعم.

“متسللون كثيرو الأطفال”

وفي حين أن مودي ومسؤولي حزبه يرفضون مزاعم التمييز من خلال الإشارة إلى برامج الرعاية الاجتماعية التي تغطي كل الهنود على قدم المساواة، فإن مودي نفسه يكرر الآن التلميحات المعادية للمسلمين بالانتخابات التي تنتهي أوائل الشهر المقبل. لقد استهدف 200 مليون مسلم في الهند بشكل مباشر أكثر من أي وقت مضى، ووصفهم بأنهم “متسللون” وألمح إلى أنهم يلدون كثيرا من الأطفال.

يقول سلام “إذا قصرت طاقاتي على السينما والأدب، فلن أتمكن من النظر إلى نفسي في المرآة، ماذا أقول لأطفالي غدا عندما يسألني أحفادي ماذا كنت تفعل عندما كانت هناك أزمة وجودية؟”.

وعندما كان طفلا، عاش سلام في شارع مختلط من الهندوس والسيخ والمسلمين في دلهي. وعندما تصبح شمس الظهيرة حارة، كان الأطفال ينقلون ألعابهم إلى الأشجار في ساحة معبد هندوسي. وكان الكاهن يأتي بالماء للجميع.

ويتذكر سلام فيقول “كنت مثل أي طفل آخر بالنسبة له”.

تفاؤل عنيد

هذه الذكريات هي أحد الأسباب التي تجعل سلام يحتفظ بتفاؤل عنيد بأن الهند تستطيع استعادة نسيجها العلماني. وسبب آخر أنه بينما تجتاح قومية مودي الهندوسية أجزاء كبيرة من البلاد، فإنها تتعرض للمقاومة من قبل العديد من الولايات المزدهرة بالجنوب. وتختلف النقاشات العائلية بين المسلمين بالولايات الجنوبية كثيرا: حول الشهادات الجامعية، الترقيات الوظيفية، خطط الحياة، التطلعات المعتادة.

وفي ولاية تاميل نادو الجنوبية، تتحد الأحزاب السياسية في كثير من الأحيان من أجل حماية العلمانية والتركيز على الرفاهية الاقتصادية.

أما في الشمال، بعيدا في دلهي، تعيش عائلة سلام فيما يبدو وكأنها في بلد آخر. هو مكان أصبح فيه التحيز روتينيا لدرجة أنه حتى الصداقة التي تبلغ 26 عاما يمكن أن تتعرض للكسر نتيجة لذلك.

انتهاء صداقة عمر

كان سلام يطلق على صديقه المحرر السابق لقب “جبل الإنسان” لمكانته الكبيرة. وعندما يركبون دراجة المحرر النارية بعد العمل في شتاء دلهي، يقوم المحرر بحماية سلام من الريح.

وكانوا معا في كثير من الأحيان، وعندما حصل صديقه على رخصة قيادته، كان سلام هناك معه.

يقول سلام “كنت أذهب إلى صلاتي كل يوم، وكان يذهب إلى الهيكل كل يوم، وكنت أحترمه لذلك”.

وقبل بضع سنوات، بدأت الأمور تتغير. جاءت رسائل “واتساب” أولا. بدأ المحرر يرسل لسلام بعضا من المواد المضللة ضد المسلمين، مثل: سيحكم المسلمون الهند في 20 سنة لأن نساءهم يلدن كل عام ويسمح لرجالهم بـ4 زوجات.

يقول سلام “في البداية، قلت له لماذا تريد الدخول في كل هذا؟ اعتقدت أنه كان مجرد رجل عجوز يحصل على كل هذه الأشياء ويعيد إرسالها لي”.

ومع سير الانتخابات الهندية، واستخدام مودي وحزبه مقاطع فيديو متحركة لمهاجمة المسلمين، استمر الصديق في الاتصال بسلام وتوجيه الرسائل المضللة والمزعجة ضد المسلمين، حتى جاء اليوم الذي قال فيه وداعا “ولم يعد إلى حياتي بعد ذلك”.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *