نابلس- بعد أسبوعين فقط من نصب جيش الاحتلال الإسرائيلي 10 بوابات حديدية عسكرية أغلق بها مداخل القرى والبلدات الفلسطينية جنوبي نابلس شمال الضفة الغربية لكن ذلك لم يحل دون تنفيذ عملية فدائية قُتل فيها مستوطنان قرب استراحة سياحية عند مستوطنة “عيلي” جنوب المدينة في منطقة باتت تعرف بأنها الأكثر تحصينا.
وكان جيش الاحتلال قد اتخذ إجراءات أمنية مشددة سلفا وصعَّدها مؤخرا لتقييد حركة الفلسطينيين وحرية تنقلهم في المنطقة ومعظم أنحاء الضفة الغربية والقدس المحتلة.
ومساء أمس الخميس كانت المستوطنة على موعد مع عملية فدائية نفذها الفلسطيني محمد ذياب مناصرة من مخيم قلنديا شرقي القدس، والذي قطع عشرات الكيلومترات بمركبته وسلاحه وسط إجراءات عسكرية مشددة، ليطلق النار على مستوطنين اثنين ويرديهما قتيلين، قبل أن يرتقي شهيدا برصاص جنود الاحتلال.
إرادة المقاومين
وأعادت العملية أذهان الفلسطينيين 8 أشهر إلى الوراء حينما نفّذ المقاومان مهند شحادة وخالد صباح من قرية عوريف جنوب نابلس عملية فدائية في المكان ذاته، وقتلا 4 مستوطنين وجرحا 4 آخرين بعدما هاجما مقهى عند مدخل المستوطنة.
وبعد عملية العام الماضي حوّل الاحتلال المنطقة الممتدة بين بلدتي اللبن وترمسعيا حيث توجد مستوطنة “عيلي” -التي يقطنها غلاة المستوطنين (جماعات شباب التلال المتطرفة)- إلى ثكنة عسكرية، وأغلق مداخل القرى هناك بالسواتر الحجرية والترابية والبوابات وحفر خنادق لمنع مرور الفلسطينيين.
كما خُصصت مواقف محصنة للمستوطنين ووُضعت عليها حراسة مشددة من جنود الاحتلال، وزُودت المنطقة بكاميرات مراقبة إلكترونية متطورة، إضافة إلى تسيير آليات عسكرية على مدار الساعة وتربص المستوطنين الدائم بالفلسطينيين أثناء مرورهم.
ورغم ذلك فإن المقاومين الفلسطينيين تمكنوا من الوصول إلى المكان ومهاجمة أهداف إسرائيلية، وهذا مرده -وفق محللين تحدثوا للجزيرة نت- إلى حجم الضغط الكبير وتصاعد الإجرام الذي يمارسه الاحتلال في الضفة وقطاع غزة، وتوفر الإرادة لدى المقاومين -ولا سيما الشباب- لتنفيذ عملياتهم.
ويقول الخبير العسكري الفلسطيني اللواء يوسف الشرقاوي إن الجرائم الإنسانية التي يرتكبها الاحتلال في غزة ضد المدنيين تعد وصفة لفتح شهية الشباب الفلسطينيين في الضفة للرد عليها، وبالتالي فإن عملية أمس “رد طبيعي” على جرائم الاحتلال التي تستدعي أن تستمر “دورة الدم” إلى ما لا نهاية.
ويرى الشرقاوي أن تقدير موقف الأجهزة الأمنية الإسرائيلية “خاطئ” ولا يزال يستند إلى التعالي والغطرسة، وأنه يعتقد أن الجرائم بحق المدنيين ستكون بمثابة “كيّ وعي” للفلسطينيين.
ويضيف أنه على الفلسطينيين أن يعترفوا بأنهم في سباق غير مألوف مع الاحتلال بشأن من ينجح في “كيّ وعي” الآخر ومن يصرخ أولا، وقال “أعتقد أن تقدير الأمن الإسرائيلي سيثبت فشله”.
فشل عسكري
ويرى الشرقاوي أن العملية تعكس فشلا أمنيا وعسكريا واضحا للاحتلال، ويعتقد أن أي منظومة أمنية لن تستطيع تحقيق الأمن 100%، والدليل على ذلك أن المنطقة شهدت عملية مماثلة قبل أشهر، وأن هناك أهدافا مكشوفة لجيش الاحتلال ومستوطنيه على طول وعرض الضفة المحتلة، كما لا يعقل أن العملية لم تسبقها عملية استطلاع من المنفذ.
وعسكريا، لم يستطع جيش الاحتلال توفير الحماية المطلقة والدائمة للمناطق والأهداف في الضفة مهما بالغ في استخدام قوته، وفق الشرقاوي الذي قال إنه مهما بالغ الاحتلال بحجم التحصين العسكري وإغلاق الطرق لمنع الوصول إلى المواقع فلن يمنع الشباب الفلسطينيين من العمل، خاصة أنهم يرون انتهاكات الاحتلال ويعيشونها مباشرة.
من جهته، يربط المحلل السياسي والباحث في الشأن الفلسطيني عقل صلاح بين عمليات المقاومة وما يجري في الضفة بالعدوان على غزة، حيث يصعّد الاحتلال إجراءاته الأمنية ويغلق الضفة ويقطع أواصرها بحواجزه العسكرية المهينة، ويواصل اقتحاماته اليومية للمدن والقرى الفلسطينية، ويشن حملات الاعتقال والقتل والهدم الجماعي، ويتواصل البناء الاستيطاني وعنف المستوطنين بصورة متصاعدة منذ شن الحرب على القطاع.
وكل ذلك -يقول صلاح للجزيرة نت- يدفع إلى توتير الساحة وإلى انتفاضة جديدة، ويدفع الشباب الفلسطينيين إلى التفكير بالانتقام من الاحتلال.
ويضيف أن عملية أمس الخميس تميزت بأن منفذها شاب عسكري متدرب وينتمي إلى الأجهزة الأمنية الفلسطينية، مما يعني أن الأمور وصلت إلى حد “الانفجار الحقيقي” عند الفلسطينيين كافة.
ورغم تحصين المكان عسكريا وإجراءات الاحتلال فإن ذلك -يتابع صلاح- لا يمنع أي فلسطيني توفرت لديه الإرادة والنية لعمل مقاوم، وهو يدرك سلفا -ونتيجة لقناعته الثورية والوطنية والدينية- مصيره المحدد بالاستشهاد أو الإصابة أو الاعتقال.
مؤشر
بدوره، يتفق عصمت منصور المتخصص في الشأن الإسرائيلي مع ما ذهب إليه الشرقاوي وصلاح، ويؤكد أن عملية أمس “موجعة”، ولا سيما أنها تأتي في ذروة تحذيرات يقدمها الأمن الاسرائيلي من انفجار الأوضاع بالضفة وعشية شهر رمضان وفي يوم وقعت فيه مجزرة فظيعة بغزة وفي ذروة مفاوضات بشأن عملية تبادل متعثرة.
ويقول منصور للجزيرة نت إن كل هذه العوامل جعلت العملية تأتي في توقيت حساس فعلا، وأعطت مؤشرا يجسد كل مخاوف الاحتلال من تصاعد المقاومة في شهر رمضان، وأن الضفة قادرة على أن تفاجئ وأن توقع خسائر، وأن كل التحذيرات والمنظومات الأمنية عاجزة عن منع هذه العمليات، وإذا تحولت إلى ظاهرة وموجة فستكون موجعة.
وبما أن منفذ العملية عسكري في الأمن الفلسطيني فهذا يعطي مؤشرات على أن الأجهزة الأمنية لن تكون هي الأخرى بمنأى عن إمكانية تطور هذه المواجهة، وأن أفرادها ربما يتحولون فعلا إلى تنفيذ هجمات على المستوطنين، وفق منصور.
وأوضح أن العملية بدلالاتها الأمنية والسياسية تؤشر على حالة متصاعدة ورد على تبجح الأمن الإسرائيلي ووزيره المتطرف إيتمار بن غفير، بحيث يشكل هذا النوع من العمليات وأمام الإغلاق والحصار على الضفة “معضلة أمنية” كبيرة لإسرائيل.
وبعد وقوع العملية أغلق جيش الاحتلال المناطق بحواجزه العسكرية، وشن المستوطنون في مختلف مناطق الضفة -ولا سيما جنوب نابلس- هجمات ضد الفلسطينيين، وشيدوا بؤرة استيطانية جديدة فوق أراضي “رأس المعرجات” التابعة لقرية اللبن مقابل مستوطنة “عيلي”.