الخرطوم- يتصاعد التوتر بين الحكومة السودانية والهيئة الحكومية للتنمية “إيغاد” بسبب تعاطيها مع الأزمة التي يعيشها السودان جراء الحرب المستمرة بين الجيش وقوات الدعم السريع.
وتنظر الخرطوم لهذه المنظمة الإقليمية بعين الريبة منذ قمتها في 9 ديسمبر/كانون الأول الماضي، حين اتهمت وزارة الخارجية سكرتارية إيغاد بإغفال ملاحظات مهمة دفع بها الوفد السوداني.
وأوضحت أن الوفد أبلغ السكرتارية بأن لديه تحفظات جوهرية على مسودة البيان الختامي للقمة، وأنه لاحظ إقحام فقرات دون مسوغ، فضلا عن “الصياغة المعيبة” لما اتُفق عليه في بعض المسائل المهمة.
وطالبها الوفد بتصحيح ما ورد بشأن موافقة رئيس مجلس السيادة الانتقالي عبد الفتاح البرهان على لقاء قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو “حميدتي” حيث اشترط البرهان -لعقد اللقاء- إقرار وقف دائم لإطلاق النار وخروج قوات “التمرد” من العاصمة وتجميعها في مناطق خارجها، وهو ما لم يتضمنه البيان.
وأكدت الخارجية أن البيان -بصيغته تلك- افتقر للتوافق، ولا يعد وثيقة قانونية لإيغاد.
جاء رد الخارجية السودانية برفض الدعوة المقدمة من منظمة الإيقاد لمناقشة مسألة وقف إطلاق النار، متسقاً مع خطاب البرهان (في جيبيت) الذي كان مخيباً لآمال السودانيين في وقف الحرب. إن الذين أشعلوها ما كان لهم أن يسعوا لوقفها، وحقن دماء السودانيين، وأرواحهم الغالية، في سبيل العودة…
— سليمان صندل حقار (@SuleimanSandal) January 14, 2024
غضب الخرطوم
في الأثناء، حددت إيغاد تاريخ 28 ديسمبر/كانون الأول الماضي موعدا للقاء الجنرالين في جيبوتي برعاية إسماعيل عمر جيله رئيس البلد المضيف الذي يرأس هذه المنظمة.
وبحسب مصدر موثوق تحدث للجزيرة نت، فإن حميدتي أبلغ جيله بأنه لن يلتقي البرهان إلا بحضور كل القادة، وألا يقتصر الاجتماع على جيله منفردا، لكن سكرتارية إيغاد لم تخطر الخرطوم بطلب حميدتي وتحدثت فقط عن أسباب “فنية” تحول دون عقد الاجتماع وطلبت من البرهان -في اللحظات الأخيرة- إلغاء رحلته إلى جيبوتي.
ويقول هذا المصدر (فضل عدم ذكر اسمه)، إن الأوساط الحكومية أغضبها للغاية ظهور حميدتي المفاجئ في أوغندا بالتاريخ نفسه الذي كان محددا للاجتماع بالبرهان، مما يفند التبريرات بشأن العوائق الفنية التي تحدثت عنها الخارجية الجيبوتية.
كما تزايدت الشكوك لدى الحكومة السودانية تجاه دور إيغاد في الأزمة بعد استقبال أغلب رؤساء دول المنظمة حميدتي ببروتوكولات رسمية والاحتفاء بزيارته دون اعتبار لتصنيف الحكومة له كـ”قائد مليشيا تمردت على الدولة وتمارس انتهاكات فظيعة بحق المواطنين”.
ودعت إيغاد الأسبوع الماضي إلى قمة استثنائية طارئة الخميس المقبل في أوغندا لبحث أوضاع السودان والخلاف بين إثيوبيا والصومال، ووجهت الدعوة رسميا للبرهان وحميدتي في محاولة لجمعهما على طاولة واحدة لوقف الحرب.
لكن الحكومة السودانية قررت مقاطعة هذه القمة رسميا، وقالت -في بيان صادر عن مجلس السيادة- إن إيغاد لم تلتزم بتنفيذ مخرجات القمة الأخيرة في جيبوتي بجمع البرهان وحميدتي ولم تقدم تبريرا مقنعا لإلغاء اللقاء الذي دعت له بتاريخ 28 ديسمبر/كانون الأول الماضي.
وجدد المجلس تأكيد أن ما يدور في السودان شأن داخلي، وأن الاستجابة للمبادرات الإقليمية لا تعني التخلي عن الحق السيادي في حل مشكلة البلاد بواسطة السودانيين.
وشجبت الخارجية السودانية دعوة إيغاد حميدتي إلى قمة أوغندا، وقالت -في بيان- إنها خطوة تمثل انتهاكا صارخا للاتفاقية المؤسسة للمنظمة وكل قواعد عمل المنظمات الدولية، وإنها “استخفاف بالغ بضحايا الإبادة الجماعية والتطهير العرقي والعنف الجنسي وكل الفظائع التي تمارسها عصابات الجنجويد في أنحاء مختلفة من البلاد” وفق نص البيان.
اعتذار البرهان عن قمة الايقاد في أوغندا موقف سليم لان معظم دول الايقاد قابضة الثمن ومنحازة ضد السودان. يجب علي البرهان ان يتمسك بمنبر جدة واتفاق 11 مايو الذي وقع عليه الدعامة والتزموا بالخروج من المنازل والمرافق المدنية. ويصر علي تنفيذه قبل اي خطوة اخري.
— Mubarak Elmahdi (@mubarak_elmahdi) January 14, 2024
خيارات مفتوحة
وذكرت الخارجية السودانية بأن إيغاد منظمة “للحكومات ذات السيادة، هدفها تعزيز السلم والأمن الإقليميين، وتحقيق التكامل بين الدول الأعضاء، ولا مكان فيها للجماعات الإرهابية والإجرامية”.
وأعلنت أن خيارات السودان تظل مفتوحة تجاه إيغاد في ظل إصرارها على التنكر لنظامها الأساسي ومقتضى القانون الدولي، والقبول بأن تكون أداة للتآمر على السودان وشعبه، وفق المصدر نفسه.
وبحسب مراقبين، فإن حميدتي نجح في تحييد منظومة إيغاد لصالح أوراقه التي رتبها لإعطاء مشروعية لحربه ضد الجيش بتأكيد أنه يقاتل “فلول النظام المعزول من الإسلاميين” وأنه لم يبدأ الحرب وتم وضعها في طريقه، فكان لزاما عليه الدفاع عن نفسه دون أن ينكر ارتكاب منتسبين للدعم السريع انتهاكات جسيمة وأنه يعمل على حصارهم وعقابهم. كما ظل يطرح على قادة الدول التي زارها رؤيته لوقف الحرب والانخراط في التفاوض.
ويعتقد الدبلوماسي والمتحدث السابق باسم الخارجية السودانية العبيد مروح أن السبب الأساسي لتوتر العلاقة بين السلطة بالسودان وإيغاد يعود إلى تزايد قناعات الخرطوم بأن هذه المنظمة تحاول فرض أجندة سياسية محددة على الخرطوم بتحريض من قوى إقليمية ودولية.
ويقول -للجزيرة نت- إن المؤتمر الصحفي الذي عقده قادة الآلية الرباعية لرؤساء إيغاد أيام الحرب الأولى، وما بدا من خلاله وكأنه طعن في شرعية قائد الجيش السوداني، شكل أبرز الأدلة المادية على “محاولات الوصاية” التي تريد المنظمة فرضها على الواقع السوداني.
تلقيتُ دعوةً من سكرتارية المنظمة الحكومية للتنمية (إيقاد) للحضور والمشاركة في الدورة الاستثنائية الثانية والأربعين لمجلس رؤساء وحكومات دول الإيقاد في الثامن عشر من يناير الجاري بمدينة عنتبي بيوغندا.
اتساقاً مع موقفنا الثابت الداعم للحل السلمي الشامل، الذي ينهي مرة واحدة وللأبد…
— Mohamed Hamdan Daglo (@GeneralDagllo) January 13, 2024
تصعيد
ويضيف الدبلوماسي السوداني أن اعتقاد السلطات أن “وقوف الإمارات غير المخفي إلى جانب قوات الدعم السريع ألقى بظلاله على مواقف عدد من دول إيغاد وحولها من خانة الحياد إلى الاصطفاف إلى جانب القوات التي تمردت، عبر حملة علاقات عامة قادتها الإمارات بشكل صريح حيث أرسلت وزير الدولة للشؤون الخارجية لحضور قمة إيغاد الأخيرة في جيبوتي”.
ويشير إلى أن الدبلوماسية السودانية حاولت تصحيح مواقف بعض الدول التي انحازت إلى جانب حميدتي، وتذكير قادتها بأن الالتزام بميثاق المنظمة يعصمها من التدخل السالب والسافر في الشأن الداخلي السوداني، لكن تلك الجهود لم تصمد كثيرا أمام إغراء المال -وفق قوله- ولهذا تقرر مقاطعة القمة المنتظرة الخميس المقبل.
وبرأيه، فإن الأمور مرشحة لمزيد من التصعيد، خاصة حال سمحت القمة المرتقبة لقائد الدعم السريع بحضورها أو مخاطبتها حتى من خارج قاعة الاجتماعات الرسمية.
ويتابع مروح “حال حدث ذلك، سيجمد السودان عضويته في إيغاد، ويعلن عدم تعاونه معها وعدم الاعتراف بقراراتها وسيحتفظ بحقه في الانسحاب كليا من عضويتها”.
ويرى المحلل السياسي الجميل الفاضل أن الظهور المفاجئ لحميدتي أربك خطط القائمين على أمر الحكومة، إلى جانب تحركاته الدبلوماسية المكثفة واستقباله البروتوكولي بكل عواصم إيغاد تقريبا والاختراق السياسي الكبير الذي حازه بالتوقيع مع تحالف القوى المدنية “تقدم” على اتفاق بالأحرف الأولى ينزع لوقف الحرب.
ويرسم هذا المشهد -وفق الجميل- خسارة البرهان جانبا من الفضاء الإقليمي وأراضي سياسية مهمة على مستوى القارة لصالح حميدتي الذي تتمدد قواته بمسارح العمليات، مما قد يفرض عزلة إضافية على الحكومة ويدفعھا لارتياد طريق المواجهة المفتوحة مع المجتمع الدولي برمته وليس مع إيغاد فحسب.