عام على الاتفاق الإيراني السعودي.. ماذا تحقق؟

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 8 دقيقة للقراءة

طهران- في الذكرى الأولى للاتفاق الإيراني السعودي برعاية صينية ووضعه حدا للقطيعة التي استمرت 7 أعوام بين الدولتين الجارتين، تتساءل شريحة من الرأي العام الإيراني عن مدى نجاح الاتفاق في تقريب وجهات النظر بين الدول الإسلامية وتخفيف حدة التوتر في الشرق الأوسط وعما إذا بلغت العلاقات الثنائية بين البلدين المستوى المنشود.

ما جذور الخلاف؟

تحظى كل من إيران والسعودية بموقع جيوسياسي وجيواقتصادي مهم في منطقة الشرق الأوسط، لكن علاقاتهما الثنائية اتسمت بالتوتر والقطيعة طوال عقود بفعل التنافس الأيديولوجي والاقتصادي والمواقف السياسية المتباينة إزاء تطورات المنطقة.

ورغم أن مهاجمة محتجين إيرانيين مقر السفارة السعودية في طهران عام 2016 إثر إعدام الرياض رجل الدين الشيعي نمر باقر النمر كانت بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير، فإنها لم تكن أول قطيعة في تاريخ الدولتين المسلمتين، إذ سبق وقطعت طهران علاقاتها مع الرياض عام 1943 عقب إعدام المملكة حاجا إيرانيا.

كيف طويت صفحة الخلاف؟

وتكرر الخلاف بين الجانبين مرارا لا سيما بسبب أحداث شهدتها مواسم الحج، بيد أن الخطاب الثوري الذي رفعته الجمهورية الإسلامية في سنواتها الأولى والحرب العراقية الإيرانية (1988-1980) والموقف الخليجي الداعم للنظام في العراق فتح صفحة جديدة من التوتر بين الرياض وطهران، قبل أن تتحسن في عهد الرئيسين الأسبقين علي أكبر هاشمي رفسنجاني ومحمد خاتمي.

وفي الجولة الأخيرة من التوتر، واصلت القوتان الإقليميتان معركة عض الأصابع لفترة دامت 7 أعوام، لكن نجحت الوساطات في جعل أسباب الخلاف طي النسيان، فبعد 5 جولات من المفاوضات بوساطة عراقية نجحت دبلوماسية الصين في مارس/آذار 2023 من تفجير مفاجأة تمثلت بالإعلان عن إعادة العلاقات الدبلوماسية بين طهران والرياض.

كيف تقيم الأوساط الإيرانية الاتفاق؟

يصف السفير الإيراني لدى السعودية علي رضا عنايتي طبيعة العلاقات الثنائية بين البلدين بأنها “إيجابية جدا” وأن “الجانبين أنجزا كثيرا مما أوصى به القادة”، مستدركا “لا نقول إننا تمكنا من الحصول على كل ما يلبي طموحنا خلال الفترة الماضية”.

وفي حديثه للجزيرة نت، يضيف السفير الإيراني في الرياض أننا “في بداية الطريق، لكن طريق الألف ميل يبدأ بقطع ميل واحد”، مؤكدا أن “البلدين الشقيقين والجارين اتخذا منذ إعلان المصالحة خطوات جريئة خلال فترة وجيزة تمثلت في تبادل السفراء وفتح الممثليات الدبلوماسية”.

وتابع عنايتي أن البلدين جادان في تعزيز العلاقات الثنائية واستكمال جسر العلاقات الذي بدأ بناؤه منذ إعلان اتفاق بكين والعمل على توطيد التعاون على شتى الصعد السياسية والاقتصادية والأمنية والثقافية والسياحية وغيرها من العلاقات البينية.

ورأى أن العلاقات بين طهران والرياض آخذة في التطور وفقا للسياسة والخارطة التي رسمها الرئيس إبراهيم رئيسي منذ توليه مقاليد الحكم عام 2021 وتأكيده على ضرورة تنمية علاقات طهران مع الدول الجوار، انطلاقا من مبادئ حسن الجوار.

وخلص إلى أن بلاده تتطلع إلى رؤية متعددة الأطراف في الإقليم والرقي بالعلاقات الثنائية إلى تعاون جماعي على شتى الصعد بمشاركة دول المنطقة وصولا إلى نظام إقليمي جديد تلعب فيه دول غرب آسيا دورا مهما في سبيل تلبية تطلعات شعوبها.

عنايتي يرى أن طهران والرياض جادتان في استكمال جسر العلاقات الذي بدأ بناؤه منذ إعلان اتفاق بكين (الصحافة الإيرانية)

ما الذي حققته المصالحة سياسيا؟

يعتقد السفير الإيراني السابق في أرمينيا والبرازيل، علي سقائيان، أن مجرد استئناف العلاقات الدبلوماسية ووضع حد للقطيعة بين طهران والرياض يعتبر “خطوة إيجابية” كان لا بُد منها، مؤكدا أن الدولتين قطعتا خطوات جبارة في سبيل لم شمل الأمة الإسلامية بوضعهما الخلافات جانبا، على حد تعبيره.

وفي حديثه للجزيرة نت، يشير الدبلوماسي الإيراني السابق إلى تبادل السفراء والزيارات المكوكية بين مسؤولي إيران والسعودية والمباحثات الأمنية بين الجهات المعنية لدى البلدين.

وأوضح أن تطبيع العلاقات بينهما انعكس إيجابا على علاقات طهران مع عدد من الدول العربية الأخرى، مثل البحرين ومصر والأردن، ذلك أن الولوج عبر بوابة السعودية قادر على فتح العديد من الأبواب الموصدة بوجه طهران في غرب آسيا وشمال أفريقيا.

واعتبر سقائيان أن المصالحة الإيرانية السعودية “قد عرقلت بالفعل قطار التطبيع العربي مع الكيان الصهيوني، وقلّصت النفوذ الأميركي في منطقة غرب آسيا، إذ إننا نرى عدم مسايرة الرياض سياسات التحالف الأميركي البريطاني في البحر الأحمر، كما أنها أسهمت في إبعاد شبح التوتر عن المنطقة”.

ورأی أن الجسور التي تم تدميرها على مدى 7 سنوات أثناء فترة القطيعة لا يمكن ترميمها بين ليلة وضحاها، مضيفا أن المواقف القريبة جدا لكل من طهران والرياض حول ضرورة وقف العدوان الإسرائيلي المتواصل على غزة خير دليل على نجاعة المصالحة بينهما وانعكاساتها على الملفات الإقليمية.

كيف انعكس الاتفاق على العلاقات التجارية؟

يعتقد روح الله لطيفي، المتحدث باسم لجنة العلاقات الدولية وتنمية التجارة في “الدار الإيرانية للصناعة والتجارة والمناجم”، أنه لا تأثير يُذكر للمصالحة على المبادلات التجارية بين إيران والسعودية حتى الآن.

وفي حديث للجزيرة نت، أوضح لطيفي أن الميزان التجاري بين طهران والرياض كان قد بلغ 800 مليون دولار قبيل القطيعة عام 2016 قبل أن يهبط للصفر بعدها، مضيفا أن التبادل التجاري ارتفع قبيل المصالحة بفعل الأنباء الإيجابية التي كانت تنشر حينها إلى نحو 15 مليون دولار، لكنه تراجع إلى أقل من مليون دولار في الذكرى الأولى لتوقيع الاتفاق.

وخلص إلى أنه رغم إرادة الجانبين الإيراني والسعودي، فإن المبادلات التجارية بينهما لم ترتق للمستوى المنشود لأسباب سياسية تتعلق بالجانب السعودي أولا، وما تمثله المصالحة من تهديد لبعض القوى الإقليمية والدولية في الدرجة الثانية.

لماذا لم يحقق الاتفاق المستوى المنشود؟

يرى علي بيكدلي، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة الشهيد بهشتي، أن الغاية من تطبيع العلاقات تختلف لدى كل من طهران والرياض، وأن ما حققته كل من الدولتين يتفاوت وفق ما تريده منه، مؤكدا أن استمرار النظرة الأمنية وأزمة الثقة في العلاقات الإيرانية السعودية حالت دون بلوغ المصالحة المستوى المطلوب.

وفي حديثه للجزيرة نت، يرى الأكاديمي الإيراني أن الجانب السعودي خاض مفاوضات ماراثونية في بغداد ومسقط وبكين لتذليل العقبات التي من شأنها اعتراض مشروع ورؤية 2030، مما برر للرياض إنهاء حالة العداء مع الجمهورية الإسلامية، مؤكدا أن المصالحة قد حققت نسبيا ما ترمي إليه المملكة، لاسيما في تحييد التهديدات وخفض التوتر وتصفير المشكلات لإنجاح سياسات ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.

ورأى أن استقرار السفارة السعودية في أحد الفنادق بالعاصمة طهران بعد مضي عام على المصالحة، وإخفاق المساعي الرامية لاستئناف رحلات العمرة للإيرانيين، في فبراير/شباط الماضي، وعدم انتخاب رئيس لجمهورية لبنان، وعدم التوصل إلى سلام بين الرياض وصنعاء، واتساع الشرخ في مواقف إيران والجانب الخليجي حول “حقل الدرة/آرش” للغاز الطبيعي تدل على هشاشة الاتفاق الإيراني السعودي.

وخلص إلى أنه رغم جميع الإشادات بالمصالحة، فإنها لم تتوج بتوقيع اتفاق آخر ما عدا استئناف العلاقات الثنائية، وأن الخطوات الإيرانية لبناء الثقة، مثل إلغاء تأشيرة الدخول للرعايا السعوديين، لم تقابل بخطوات سعودية مماثلة، كما أن ولي العهد السعودي لم يلبِ حتى الآن الدعوة الإيرانية لزيارة طهران، رغم قيام الرئيس رئيسي بزيارة الرياض، مما يدل على أن هذه المساعي تأتي من جانب واحد.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *