الخليل- على مدى أكثر من 7 عقود ونصف من النضال، برزت في السجل النضالي أسماء عائلات فلسطينية من مختلف المحافظات، لما قدمته من أثمان باهظة على طريق التحرير، فكان منها الشهداء والأسرى والمعتقلون من مختلف الأجيال.
في جبل الخليل جنوبي الضفة، أسهمت عائلة الفقيه بشهداء وأسرى في أجيال مختلفة منذ نكبة 1948 وحتى اليوم، فضلا عن الملاحقات وهدم البيوت، لتشكل بذلك نموذجا للحالة الفلسطينية عموما.
وبالعودة إلى الماضي، لم يكن قد مضى سوى 6 أشهر على زواج يوسف أحمد الفقيه، عندما استشهد صيف 1956، بينما كان على رأس عمله في الجيش الأردني، الذي كان يحكم الضفة آنذاك، في قرية البرج جنوب غرب مدينة الخليل، شرقي خط التماس مع الأراضي المحتلة في 1948.
في ذلك اليوم، بعد 6 سنوات من النكبة، حاول جنود الاحتلال دخول القرية قادمين من الجهة الغربية، فسارع إلى بندقيته، لكن رصاصها أصابه بالخطأ فاستشهد، لتتحول قصته إلى رواية تنقلها والدته إلى أبنائها وأحفادها الذين لم يعيشوا تلك المرحلة.
إلهام الشهادة
قصة المقاتل يوسف تحولت إلى حديث المجالس في العائلة، وألهمت أفرادها وظلت روحه تسري فيهم، وفق شقيقه عايد الفقيه، متحدثا للجزيرة نت، فحفظوها عن ظهر قلب، ليولد بينهم من سار على دربه وقضى شهيدا، وآخرون نالت سلاسل السجون من أيديهم وأجسادهم.
ففي 27 ديسمبر/كانون الأول 2002 انطلق الشاب أحمد عايد الفقيه، نجل محدثنا، وهو من سكان مدينة دورا جنوبي الضفة، إلى مستوطنة “عتنئيل”، إحدى مستوطنات جنوبي الخليل، لينفذ عملية أدت إلى مقتل وجرح عدد من المستوطنين واستشهاده، ليلحق بدرب عمه الذي طالما شكل له مصدر إلهام، وتأثر بقصته كلما سمعها من أقاربه.
يقول والد الشهيد أحمد، إنه وجميع أفراد عائلته تعرضوا للملاحقة والتهديد بعد استشهاد أحمد، فأمضى هو 12 يوما في التحقق، بينما اعتُقل ابنه يوسف نحو 7 سنوات ونصف السنة، فضلا عن هدم منزله.
يضيف عايد الفقيه، وهو موظف متقاعد لم يكن مولودا وقت استشهاد أخيه، أن ابنه الشهيد كان يسمع من جدته قصة عمه الشهيد يوسف، ويتأثر بها حتى لحق به شهيدا، مشيرا إلى أن جثمان أحمد احتجز 14 عاما، ثم استعاده بعد تحرك منظمات حقوقية.
شهيد ثالث على الدرب
وبعد مرور نحو 62 عاما على استشهاد عمه يوسف، ونحو 14 عاما على استشهاد ابن عمه أحمد، مضى الشاب محمد جبارة الفقيه على طريقهما، فنفذ في الأول من يوليو/تموز 2016 عملية قتل فيها حاخاما إسرائيليا من المستوطنة ذاتها التي استشهد فيها ابن عمه، ثم تعرض للملاحقة حتى اغتياله في قرية صوريف غربي الخليل، وهدم المنزل الذي كان يوجد فيه يوم 27 من الشهر نفسه، وما زال جثمانه محتجزا في مقابر الأرقام، وفق شقيقه حسين الفقيه.
يضيف الفقيه في حديثه للجزيرة نت، أن عائلته تعرضت للملاحقات والاعتقال بعد عملية شقيقيه وأثناء ملاحقته، مضيفا أنه جرى اعتقاله واستدعاؤه مرات عدة، كما هو الحال بالنسبة لوالدته وأشقائه، ويضيف أن دائرة الملاحقات والاعتقالات اتسعت لتشمل ما لا يقل عن 25 فردا من أقارب وأصهار الشهيد محمد وحتى أخواله، إضافة إلى دهم البيوت وتخريب محتوياتها.
وأشار المتحدث ذاته إلى أن شقيقه الشهيد محمد سبق أن أمضى 5 سنوات في الاعتقال، واستشهد تاركا زوجته حاملا بابنه الذي سمّي باسمه “محمد”، كما ذكر أن الاحتلال يواصل اعتقال شقيقه صهيب منذ 2016، ومحكوم بالسجن 16 عاما.
أشار حسين الفقيه إلى أن إحدى عماته كانت متزوجة وتعيش في الأردن، وعندما وصلها خبر استشهاد أخيها بقيت في حالة حداد حتى وفاتها قبل سنوات، “كانت تتجنب الزينة، وترتدي الثوب التقليدي الذي يرمز إلى الحداد دون ألوان فاقعة”.
يوم الشهيد
يحيي الفلسطينيون “يوم الشهيد الفلسطيني” في 7 يناير/كانون الثاني من كل سنة، وفيه يستذكرون شهداءهم الذين يقترب تعدادهم حسب جهات رسمية فلسطينية لنحو 130 ألف شهيد، منذ نكبة 1948.
اعتُمد هذا اليوم يوما للشهيد الفلسطيني في 1969، بعد 4 أعوام على استشهاد أول شهيد في الثورة الفلسطينية المسلحة، وهو الشهيد أحمد موسى سلامة من حركة “فتح”، الذي صادف الأول من يناير/كانون الثاني 1965، بينما عرف بعملية “نفق عيلبون”، شمالي الأراضي المحتلة في 1948.
تُعدّ السنة الماضية الأكثر دموية بالنسبة للفلسطينيين منذ 1948، حيث بلغ العدد الأكبر من الشهداء خلال سنة، باستشهاد وفقدان نحو 29 ألفا و500 مواطن فلسطيني على النحو التالي:
- 21 ألفا و822 شهيدا في غزة.
- أكثر من 7 آلاف مفقود في غزة.
- 527 شهيدا من الضفة الغربية.
بينما تشير المعطيات إلى استشهاد نحو 11 ألفا و540 فلسطينيا خلال الفترة من نهاية 2000 حتى نهاية 2022، ووفق مركز المعلومات الوطني الفلسطيني، بلغ عدد الشهداء الفلسطينيين في معارك النكبة نحو 15 ألف شهيد فلسطيني، بينما بلغ عدد الشهداء العرب بين 3500 و 7000 آلاف شهيد.
ووفق الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني بلغ عدد الشهداء الفلسطينيين والعرب منذ نكبة 1948 حتى مايو/أيار 2023 (ذكرى النكبة) نحو 100 ألف شهيد.
ومنذ 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، يواصل جيش الاحتلال وبدعم أمريكي شنّ حرب مدمرة على قطاع غزة، أدت -إضافة إلى الشهداء- إلى نحو 56 ألفا و450 جريحا، ونزوح نحو مليون و900 ألف غزّي، ودمار كبير في المنازل والبنية التحتية.