تونس- نددت رابطة عائلات المعتقلين السياسيين ومعتقلي الرأي في تونس باستمرار توقيف العديد من السياسيين ورموز المعارضة من مختلف القوى لأكثر من عام في ظروف سجنية اعتبروها “غير لائقة”، وطالبت السلطة برفع اليد عن القضاء والإفراج عن هؤلاء المعتقلين.
وعقدت الرابطة الثلاثاء مؤتمرا صحفيا شاركت فيه بعض زوجات السياسيين الموقوفين، وأغلبهم من حركة النهضة، وأحزاب أخرى معارضة على غرار التيار الديمقراطي، وشخصيات سياسية مستقلة، اتهمت من قبل السلطة بالتآمر على أمن الدولة.
صمت حقوقي
وقالت منية إبراهيم النائبة البرلمانية السابقة وزوجة المعتقل السياسي والقيادي المستقيل من حركة النهضة عبد الحميد الجلاصي إن “أهالي المعتقلين السياسيين قرروا الأخذ بزمام المبادرة وتنظيم الندوة، لإطلاع الرأي العام على مستجدات هذا الملف في ظل ضعف المساندة الحقوقية”.
واستنكرت ما اعتبرته صمتا وضعفا في مساندة ملف المعتقلين السياسيين من قبل منظمات معروفة، لاسيما الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، رغم غياب شروط المحاكمة العادلة واستمرار التنكيل بالمعتقلين، وتمديد فترة الاحتفاظ بهم في السجون دون أدلة تدينهم.
وقالت للجزيرة نت إنه “على عكس الدعم القوي الذي كانت تقدمه المنظمات الحقوقية للسجناء السياسيين وسجناء الرأي في فترة حكم الرئيس الراحل زين العابدين بن علي، فإن المنظمات الحقوقية أصبحت تكتفي بنشر بيانات يتيمة أو دعم المعتقلين السياسيين بشكل مناسباتي”.
وكان القيادي المستقيل من حركة النهضة عبد الحميد الجلاصي قد اعتقل في 11 فبراير/شباط 2023 وسط حملة مداهمات أطلقتها الأجهزة الأمنية في تونس، وشملت الاعتقالات العديد من الوجوه السياسية البارزة والمعارضة للرئيس الحالي قيس سعيد بتهمة التآمر على أمن الدولة.
ويواجه الجلاصي كغيره من المتهمين جملة من الاتهامات، بموجب قانون الإرهاب أو المجلة الجزائية، وأحكامها قاسية تصل إلى حد الإعدام، وتقول زوجته للجزيرة نت إن جميع التهم الموجهة له تندرج في سياق تصفية الخصوم السياسيين، والتضييق على الأنشطة السياسية.
وتضيف: “هناك استهداف علني مقصود لكل المرشحين المحتملين للانتخابات الرئاسية المتوقعة في الخريف القادم”، مشيرة إلى أن “النظام الحالي يقوم بإثارة متابعات ودعاوى قضائية في حق كل مرشح جدي يسعى للترشح للانتخابات بشكل ديمقراطي ومدني وسلمي”.
وحول ظروف إقامة زوجها في السجن تقول منية إبراهيم إن “عبد الحميد الجلاصي يعاني من مشاكل صحية بسبب ضعف مناعته الجسدية، بحكم إجرائه عملية جراحية سابقا لاستئصال سرطان أصيب به في مستوى حلقه، خلال اعتقاله في فترة بن علي حوالي 16 عاما”.
تهم كيدية
تعاني إسلام الشامخي زوجة منصف العمدوني المعتقل السياسي ومدير مكتب زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي، جراء تواصل اعتقال زوجها دون محاكمة منذ الخامس من مايو/أيار 2023 بتهمة غسيل الأموال، وهي تهم تقول إنها “كيدية ولا أساس لها من الصحة”.
وتكابد هذه المرأة عناء التنقل كل أسبوع من أحد أرياف مدينة القيروان البعيدة (154 كلم عن العاصمة) لزيارة زوجها بسجن المرناقية المحاذي للعاصمة، لافتة إلى أن “حالته الصحية متدهورة نتيجة آلام في صدره وظهره، جعلته لا يقوى على الحركة إلا بصعوبة”.
وتضيف للجزيرة نت أن زوجها “ملاحق قضائيا بتهمة مفبركة، للانتقام من انتمائه السياسي لحركة النهضة”، التي أطاح بها الرئيس قيس سعيد كحزب أغلبي في البرلمان، بعد اتخاذه لإجراءات استثنائية في 25 يوليو/تموز 2021 حل بموجبها البرلمان السابق وعزل بها الحكومة.
وتندد الشامخي بما تعتبرها “مهزلة قضائية” بسبب اتهام زوجها في قضية غسيل أموال مع القيادي في حركة النهضة الصحبي عتيق، مؤكدة أن السلطة الأمنية اعتمدت في هذه القضية على شهادة شخص متهم بسرقة منزلها والاتجار بالمخدرات من أجل توريط زوجها.
تنكيل وتشفٍّ
وتقول زينب المرايحي زوجة المعتقل السياسي والقيادي بحركة النهضة الصحبي عتيق “إن استمرار توقيف المعتقلين السياسيين دون إثباتات تدينهم ودون محاكمات عادلة يقع في إطار سياسة التنكيل والتشفي من المعتقلين ومن عائلاتهم”.
وكان عتيق قد اعتقل في السادس من مايو/أيار 2023 بتهمة تبييض الأموال، وقام قاضي التحقيق مؤخرا بتمديد الاحتفاظ به لفترة 4 أشهر إضافية، وتؤكد المرايحي للجزيرة نت أن تمديد الاحتفاظ في حق زوجها هو “إجراء تعسفي وظالم يعكس بشاعة النظام الحالي وسطوته”.
وحول ظروف سجنه، تشير إلى أن زوجها “وضعه النفسي صعب، رغم أنه كان أمضى قرابة 17 سنة في سجون بن علي قبل الثورة كمعارض سياسي آنذاك”، مطالبة السلطة برفع يدها عن القضاء، ليبت في محاكمات عادلة في قضايا السجناء السياسيين دون ظلم أو تحيز.
وتتهم المرايحي نظام الرئيس قيس سعيد بـ”ملاحقة كل المعارضين والصحفيين والحقوقيين، وكل المرشحين الجديين الذين يعتزمون الترشح للانتخابات الرئاسية القادمة”، معتبرة أن النظام الحالي يسعى إلى “غلق الطريق أمام المنافسين السياسيين، لمزيد من التسلط والتفرد بالحكم”.
دموع تماسيح
بالمقابل، يرى أنصار الرئيس الحالي قيس سعيد أن الشكايات التي تطلقها رابطة عائلات المعتقلين السياسيين ليست إلا “دموع تماسيح، للخروج بمظهر الضحية”، مبينين أن القضايا المثارة ضد العديد من المعتقلين السياسيين تمس بالأمن القومي، وتتعلق بجرائم إرهابية خطيرة كالتسفير إلى بؤر القتال والاعتداء على الأمنيين وتبييض الأموال.
ويؤكدون أن القضاء بصدد ختم الأبحاث في العديد من الملفات والقضايا، لمحاسبة كل من تثبت إدانته بالدليل، مشيرين إلى أن أهالي الموقوفين كثيرا ما نفذوا وقفات احتجاجية للمطالبة بإطلاق سراحهم، دون أن يتعرضوا للمنع من قبل الشرطة.