القدس المحتلة – عَكسَ تحمّل كبار قادة الأجهزة الأمنية والاستخباراتية والعسكرية الإسرائيلية المسؤولية عن أحداث ما سموه بـ”السبت الأسود”، واعترافهم بالفشل في منع معركة “طوفان الأقصى”، الإخفاق التراكمي في التعامل مع المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، والفشل في توقع سيناريو إمكانية تسلل المسلحين من كتائب القسام إلى مستوطنات “غلاف غزة” ومستوطنات إسرائيلية بالجنوب.
وأمام الصدمة التي ألمّت بإسرائيل، سارع رئيس أركان الجيش هرتسي هاليفي إلى الإعلان عن تحمله مسؤولية ما حدث، والاعتراف بالفشل في مواجهة حركة المقامة الإسلامية (حماس)، مما يعزز الاعتقاد بأن هاليفي سيستقيل من منصبه فور انتهاء الحرب، إلى جانب رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية (أمان) أهارون حاليفا، وعدد من كبار الضباط في قيادة الأركان وجهاز “الشاباك” ورئيسه أرنون بار.
وعلى خطى هاليفي، اعترف رئيس الاستخبارات العسكرية حاليفا بأن الجهاز الذي يديره فشل في منع الهجوم المفاجئ لكتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس، قائلا “لقد فشلنا في مهمتنا الأكثر أهمية في التحذير من الهجوم، وبصفتي قائدا للاستخبارات العسكرية أتحمل المسؤولية الكاملة عن الفشل”، وهي التصريحات ذاتها التي صدرت عن رئيس الشاباك.
سلسلة إخفاقات
استعرضت صحيفة يديعوت أحرونوت سلسلة الإخفاقات التي حالت دون التحذير من “طوفان الأقصى”، مشيرة إلى أن الاستخبارات العسكرية “أمان” لم ترصد شبكات اتصال مركزية لمسلحي القسام، تحدثوا فيها عن التخطيط للهجوم المفاجئ على “غلاف غزة”.
في المقابل، تعقبت كل من “أمان” وجهاز الشاباك شبكات اتصال لحماس كان الحديث الدارج عبرها أن وجهتهم ليس القتال والحرب مع إسرائيل، وهذا كان بمثابة تضليل وقعت في فخه الاستخبارات الإسرائيلية، إذ رصد جهاز الشاباك فجر يوم السبت الموافق السابع من أكتوبر/تشرين الأول الجاري نشاطا متزايدا عبر شبكات الاتصال والتواصل لحماس، وأدركت الاستخبارات أن حدثا ما يتطور عند السياج الحدودي مع قطاع غزة.
وحيال ذلك، سارع رئيس الشاباك بار للوجود في مقر الجهاز في تل أبيب واستنفر عناصره، ودفع ببعضهم إلى منطقة “غلاف غزة”، كما شارك هذه التطورات مع الاستخبارات العسكرية، التي بعثت بدروها بتحذيرات إلى قيادة الجيش في “فرقة غزة” وإلى المعسكرات عند السياج الحدودي.
واتّضح لاحقا، وفقا للصحيفة، أن الجنود في الجنوب لم يتلقوا هذه التحذيرات أو لم يقرؤوها لانشغالهم -على ما يبدو- بعطلة نهاية الأسبوع، والاحتفال باليوم الأخير من “عيد العرش”.
مناورات تحاكي “طوفان الأقصى”
وما يعزز أيضا سلسلة هذه الإخفاقات والفشل في التحذير من “طوفان الأقصى”، ما كشف عنه الموقع الإخباري “زمان يسرائيل”، الذي استعرض سلسلة إخفاقات تراكمية بالجيش الإسرائيلي، الذي لم يتعامل بجدية مع معلومات استخباراتية وصلته قبل عدة أشهر تشير إلى أن حماس تخطط لهجوم مفاجئ وتسلل عناصر من كتائب القسام إلى مستوطنات “غلاف غزة”.
وقد نشر الموقع الإخباري مساء أمس الثلاثاء تقريرا موسعا بعنوان “رأيت حرب يوم الغفران تأتي مرة أخرى، والجيش لم يستمع”، وأشار إلى عمق الإخفاق في تعامل الاستخبارات العسكرية في الجيش الإسرائيلي “أمان” مع المعلومات التي وثقها ورصدها المتنصت وخبير الأقمار الصناعية مناحيم غيدا، و”نظامه الاستخباراتي المرئي” الخاص.
ويؤكد الإخفاق التراكمي للاستخبارات العسكرية “أمان” المعلومات التي وثقها خبير الأقمار الصناعية ورصدها في التاسع من مايو/أيار 2023، وأرسلها في تقرير إلى الاستخبارات، كما حذر صديقته التي تقطن عند السياج الحدودي مع القطاع في المستوطنة الزراعية “نتيف هعسرا”.
ووثق خبير الأقمار الصناعية على مدى أربع سنوات تدريبات ومناورات حماس التي شملت كل ما حدث في معركة “طوفان الأقصى”، والتسلل إلى مستوطنات “غلاف غزة” وبلدات إسرائيلية بالجنوب، واحتلال المستوطنات، وإلحاق الأذى بالجنود، والتقدم من مستوطنة إلى أخرى، لكن الفرق الوحيد في تدريبات حماس مقارنة بما جرى يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول الجاري أن التدريبات كانت قد شملت أيضا محاكاة تصدي للجيش الإسرائيلي.
معلومات عن خطة حماس أهملها الجيش
وبحسب المعلومات والاتصالات التي رصدها المتنصت وخبير الأقمار الصناعية مناحيم غيدا عبر أجهزة اللاسلكي، فإن “حماس تحدثت عن أنها ستحاول تنفيذ عملية تسلل إلى الأراضي الإسرائيلية”، وليس من الواضح ما إذا كان ذلك بغرض الاختطاف أو بغرض محاولة إلحاق الأذى بالجنود في مستوطنات “غلاف غزة”.
وأضاف غيدا، وهو مجنّد في فرق الأمن والحراسة في منطقة “غلاف غزة”، في معلوماته الاستخباراتية التي قدمها “يبدو أنهم سيحاولون أيضا التسلل عن طريق البحر”، وقال “أشك فيما إذا كان لديهم طريقة لتجاوز أجهزة الاستشعار والإنذار التي ركّبها الجيش الإسرائيلي في الجدار الإلكتروني”.
وبحسب المعلومات التي جمعها عن مناورات كتائب القسام، فإن “فرقة خاصة (كوماندوز) بحرية ستهاجم 3 أهداف إسرائيلية بحرية وساحلية، مصحوبة بغطاء ناري مكثف، وبوابل من الصواريخ والقذائف المضادة للمدرعات”.
وعن الهجوم المفاجئ على مستوطنات “غلاف غزة”، أدلى غيدا بمعلومات مفادها أن الهجوم سينفذ بالتعاون مع وحدات النخب البرية لحماس، والتي ستتحرك نحو 8 أهداف برية في “غلاف غزة” بغطاء من قذائف الهاون والعبوات المحلية الصنع، وصواريخ أرض أرض، وأرض جو، وصواريخ “آر بي جي”.
تعجرف الاستخبارات العسكرية
ونقل الموقع الإخباري “زمان يسرائيل” عن غيدا قوله “هذا يذكرني بما حدث في عام 1973، لقد كانت لدينا معلومات قبل 6 أشهر لم نفعل بها شيئا، ثم في أكتوبر/تشرين الأول (من العام نفسه) أتى الحساب، لقد وثقت كل شيء وأبلغت الجيش به، لذا لم أتفاجأ مما حصل”.
يعي غيدا جيدا “التصور الأمني” الذي فشل في أحداث يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، وانهار دفعة واحدة وصدم إسرائيل، ووفقا له فإن كل من استمع وتعرض للمواد التي قدمها مع رافائيل هايون، المتنصت الرئيسي الذي جمع معلومات استخباراتية مفتوحة، بمساعدة مجموعة من 26 شخصا آخرين على أساس تطوعي، كان يجب أن يعرف أن سياسة “احتواء” حماس وإهمال السياج الحدودي ستنتهي بانفجار كبير.
وأضاف “زودنا الجيش الإسرائيلي بالمعلومات عن مناورات حماس، والكثير من الصور للمسلحين خلال المناورات عند السياج، لم يعرف الجيش ماذا يفعل بالمواد التي قدمناها لهم لأنهم كانوا متعجرفين، واعتقدوا أنهم الأذكى في العالم”.
من المسؤول عن الفشل والإخفاق؟
أدار غيدا، وهو الذي أُطلق عليه لقب “الرجل الذي يرى كل شيء”، من منزله في “غلاف غزة” نظام استماع ومشاهدة لنحو 7 آلاف شبكة اتصالات وشبكة أقمار صناعية، لكن مؤخرا سحبت وزارة الاتصالات الإسرائيلية منه تصاريح تشغيل أجهزة تسمح بالتنصت على شبكة اتصالات حماس، وذلك بناء على طلب مسؤول كبير في الجيش الإسرائيلي.
في ظل الاعترافات لكبار المسؤولين في الأجهزة الأمنية عن الإخفاق في منع أحداث “يوم السبت”، وعدم توقع الهجوم المفاجئ لحركة حماس وسيناريو تسلل مسلحين إلى بلدات إسرائيلية في الجنوب، تساءل أستاذ العلوم السياسية الدكتور ميخائيل ميرو عن المسؤول عن الإخفاق والتقصير، هل هم القادة السياسيون والحزبيون أم سياسة ونهج المؤسسة العسكرية ونظرتها للحرب والتصعيد؟
يقول ميرو “السؤال الذي يجب أن يزعجنا ويقلقنا هو ماذا نفعل بعد تكشف سلسلة الفشل والإخفاقات وكيفية حدوث هذا الإخفاق التراكمي دون حتى ملاحظته أو محاولته إصلاحه؟”، مشيرا إلى أن نهج وتصريحات الحكومة ورئيسها بنيامين نتنياهو تثير الشكوك بشأن استخلاص العبر وإمكانية أن يقوم المستوى السياسي بتحمل مسؤولية ما حصل وإصلاح الإخفاقات.