طبيب فلسطيني يروي شهادته على حصار واقتحام مستشفى الشفاء

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 11 دقيقة للقراءة

غزة لم يقبل كوادر مجمع الشفاء الطبي التسليم بإرادة الاحتلال الإسرائيلي الساعية إلى تحويل غزة إلى مدينة غير صالحة للحياة عبر انتهاج سياسات القصف والمجازر المتواصلة والتجويع، وتعطيل الخدمات الأساسية، وإخراج المشافي عن الخدمة، فعملوا على إعادة تشغيل المجمع ولو “بالحد الأدنى”.

ويكشف الدكتور جاد الله الشافعي، مدير قسم التمريض في مجمع الشفاء، خلال حوار مع الجزيرة نت، عن الجهود التي تم بذلها في إعادة تشغيله، بهدف تقديم الخدمة للمواطنين الذين عانوا الأمرّين خلال الشهور الماضية من غياب العلاج.

وتطرق الشافعي في حواره للآثار التي تركها خروج المستشفى عن الخدمة على حياة السكان. كما يسرد شهادته على حصار واقتحام جيش الاحتلال للمشفى في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، والإجراءات التي اتخذها الاحتلال لوقفه عن العمل، بالإضافة إلى خطورة “سياسة التجويع” التي يمارسها بحق السكان.

مجمع الشفاء يعاني نقصا كبيرا في الأدوية والمستهلكات الطبية والوقود (الجزيرة)
  • هل لك أن تروي لنا شهادتك على حصار واقتحام المستشفى من قبل جيش الاحتلال؟

المستشفى خلال الأيام الأولى للحرب كان يعمل بكل طاقته، لكن بدأت خدماته تتقلص بسبب الهجمة الكبيرة على غزة، وتلا ذلك حصار المستشفى، وبالتالي عدم قدرة الكوادر الطبية على الحضور، وهذا كان من 10 حتى 18 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، إلى أن أجبرت قوات الاحتلال كل الكوادر الطبية والمرضى على مغادرته.

كان اقتراب الآليات في العاشر من نوفمبر/تشرين الثاني، وبدأ الاحتلال اقتحامه المستشفى من الطابق تحت الأرضي لمبنى الجراحات المتخصصة الذي كان يضم نازحين ومرضى كلى، وتم التنكيل بهم.

وكانت هناك مشكلة في قسم الأطفال الخُدّج الذي كان به 40 طفلا، إذ حاولنا التنسيق مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر لنقلهم لمستشفيات أخرى، وللأسف أخفق التنسيق، وهو ما أدى إلى وفاة كثير منهم.

كنا نسمع عمليات التخريب في أثناء وجودنا في المستشفى، حيث تم تدمير جهاز الأشعة المقطعية وجهاز الرنين المغناطيسي وأجهزة اللاب توب الخاصة بالأجهزة الطبية وتكسير الأبواب.

وبعد عودتنا للمجمع، راعنا مدى التخريب، فجميع الأبواب تم تفجيرها والعبث في كل المكاتب وغرف المرضى.

  • ما أكثر ما لفت انتباهك في حصار الاحتلال للمستشفى؟

حوصرنا في المجمع لمدة 8 أيام من دون طعام وشراب، وكانت محطة المياه لا تعمل، ولو استمر الحصار أكثر من ذلك لأُصبنا بالمجاعة حينها، كما هي الحال الآن.

كان مشهدا مفزعا ورهيبا أن نخرج من بين الدبابات والجنود يوجهون بنادقهم إلينا ونحن نرفع أيدينا للأعلى.

  • هل لديكم معلومات عن مصير مدير المستشفى محمد أبو سلمية؟ وما الهدف من اعتقاله؟

أولا، ندعو بالفرج القريب للطبيب محمد أبو سلمية، وأعتقد أن اعتقاله كان بهدف إجباره على الإدلاء بتصريحات تثبت روايتهم بشأن وجود قوات عسكرية أو أنفاق أو غير ذلك داخل المستشفى، وهو الأمر الذي ثبت بشكل قاطع كذبه.

وسمعنا أنه يتم تعذيبه بشكل وحشي لإجباره على التصريح بأمور تبرر اقتحام المجمع، لكنه صامد، ونأمل الفرج القريب له.

  • ما تأثير إخراج المشفى عن الخدمة وتقليص دوره على الحالة الصحية للمواطنين من مختلف النواحي؟

بما أن المستشفى يحتوي جميع التخصصات، فهذا يعني أن جميع سكان القطاع يستفيدون من خدماته، وليس فقط سكان مدينة غزة، والتأثير الأول كان على مرضى غسيل الكلى، وكذلك المرضى الذين كانوا ينتظرون إجراء عمليات جراحية ولم تجر لهم منذ 4 أو 5 أشهر، وأيضا مرضى السرطان لم يعد لديهم مكان يتلقون العلاج فيه.

وكذلك مرضى القلب، وكمثال بسيط كنا نجري 10 عمليات قسطرة تشخيصية وعلاجية في اليوم، وخلال 4 شهور لم نقم بهذا الإجراء، وهذا يعني أن من يصابون بالجلطات والذبحات الصدرية قد يتوفون جراء غياب العلاج.

وكثير من المرضى الذين حوصروا داخل أحياء غزة، إما تدهورت حالتهم الصحية أو أنهم توفوا، وعندما تتوقف الحرب ستكون لدينا بيانات أوضح حول هذا الأمر. وكذلك فإن المستشفى كان الوحيد الذي يقدم خدمة زراعة الكلى.

  • عدتم لتشغيل المستشفى، ما دافعكم إلى ذلك؟

كان لزاما علينا تشغيل المستشفى ولو بالحد الأدنى، لأنه لا يمكن لنا أن نشاهد مصابين وشهداء ومرضى يحتاجون إلى خدمة، ونقف مكتوفي الأيدي. وكان علينا أن نبدأ من الصفر، ونعيد تأهيل الأقسام وتقديم الخدمات لمن تبقى من شعبنا في غزة والشمال.

1- نصف العاملين في مستشفى الشفاء من المتطوعين ويعانون جراء سياسة التجويع الإسرائيلية
نصف العاملين في مستشفى الشفاء من المتطوعين ويعانون جراء سياسة التجويع الإسرائيلية (الجزيرة)
  • ما واقع المستشفى الآن؟

بعد أن كان يعمل به ألفا موظف طبي، الآن مجموع من يعمل به 500، نصفهم موظفون رسميون، والنصف الآخر من المتطوعين، وبعضهم طلاب كليات طبية، أي أن نصف الكادر من المتطوعين الذين يعملون من منطلق النخوة والوطنية الفلسطينية والشهامة ويتعرضون للأخطار.

ويعمل لدينا الآن قسم الاستقبال والطوارئ، وقسم غسيل الكلى، و3 أقسام مبيت تحتوي على 50 سريرا، لكن عدد المرضى يقارب 150 مريضا، بالإضافة إلى تشغيل قسم من أقسام العناية المركزة، ومن مجموع 40 سريرا في العناية المركزة فعّلنا 7 أسرّة فقط.

بخصوص غسيل الكلى، لا نقدم خدمة كاملة، ففي الوضع الطبيعي، يتلقى المريض 3 جلسات أسبوعية كل جلسة لمدة 4 ساعات، أما الآن، فهناك جلستان فقط للمريض ومدة الجلسة 3 ساعات، وأحيانا تتأجل الخدمة لانقطاع الكهرباء.

كما شغّلنا 3 غرف عمليات من أصل 20 غرفة.

وبخصوص الأجهزة، للأسف أغلبها خارج الخدمة، فمن أصل 3 أجهزة أشعة مقطعية يعمل جهاز واحد فقط، بعد إصلاحه بجهود مهندسين ومتطوعين، وهناك جهازان لا يعملان بعد تعطيلهما من الاحتلال، كما أن جهاز الرنين المغناطيسي الموجود لا يعمل بسبب العبث به من قوات الاحتلال.

وتم إصلاح بعض الأجهزة الأخرى كالموجات فوق الصوتية. ومن أصل 7 أجهزة أشعة سينية يعمل جهاز واحد فقط.

  • ماذا بخصوص الأدوية؟

المشهد كارثي من حيث النقص الشديد للأدوية والمستهلكات الطبية، إذ إن قوات الاحتلال أحرقت بشكل كامل مخازن وزارة الصحة وهذا تسبب في نقص كثير من اللوازم للعمل، وتم الاستعانة ببعض الشركات الخاصة، التي فتحت لنا مخازنها.

لكن هناك نقصا كبيرا، خاصة في عقاقير التخدير اللازمة لتشغيل غرف العمليات ولعمل بعض التخصصات مثل جراحة الأوعية الدموية.

  • كيف تتعاملون مع الجرحى الذين يصلون للمشفى بشكل شبه يومي؟

قسم الطوارئ يعمل بشكل أساسي لتقديم إسعافات أولية للمصابين، وبما يتوفر من كوادر طبية. وبالتأكيد لا نستطيع استيعاب العدد الهائل من المصابين، خاصة في ما يتعلق بالمجازر الإسرائيلية المتوالية في دواري الكويت والنابلسي (مجازر الطحين)، وكثير من المصابين يستشهدون لعدم مقدرة الطواقم الطبية على التعامل مع الجميع.

فحينما يكون لدي 10 مرضى يحتاجون إلى 10 غرف عمليات، ومتوفر لدينا 3 غرف (هذا طبعا إذا توفرت طواقم طبية كافية)، فبقية الجرحى ينتظرون لساعات لحين وصول دورهم ومنهم من يُستشهد.

  • هل لديكم إشكاليات في توفير وحدات الدم للجرحى؟

نعم، بنك الدم أصبح فارغا بسبب استهلاك وحدات كثيرة من الدم منذ مجزرة الطحين الكبرى في دوار النابلسي (يوم 29 فبراير/شباط الماضي).

ويأتي كثير من المواطنين للتبرع بالدم، لكن لا تنطبق عليهم المعايير بسبب المجاعة، فمثلا يجب أن تكون نسبة الهيموغلوبين في الدم للمتبرع لا تقل عن 13، ونجد أن الأغلبية ليسوا كذلك، وبتنا نضطر لقبول نسبة 11 و12، وبنك الدم منذ أسبوع لا توجد به وحدات دم تكفي، وكثير من المصابين يستشهدون لعدم توفر وحدات دم لهم.

  • ماذا بخصوص قسم الولادة؟ وما تأثير سياسة الاحتلال على صحة الحوامل؟

مع بداية نوفمبر/تشرين الثاني الماضي ومع كثرة الجرحى، تم إخلاء قسم الولادة ونقله لمستشفيات خاصة صغيرة، لتوفير أسرّة للجرحى، وبالتالي هذه الخدمة معطلة حتى الآن في المستشفى.

لكن بلا شك، فإن هذا أثّر على صحة الحوامل، لأن المشفى هو الوحيد القادر على التعامل مع حالات الولادة الخطرة، وقد حدثت بالفعل حالات وفاة لنساء خلال الولادة في المستشفيات الخاصة الصغيرة، لأنها غير مؤهلة لاستقبال حالات الولادة الخطرة، وتفتقر إلى الإمكانيات.

  • كيف يتدبر المستشفى حاجته من الكهرباء؟

المجمع يعتمد بالكامل على مولدات الكهرباء، ويحتاج بكامل قدرته إلى ما بين 8 إلى 10 آلاف لتر من الوقود يوميا، لكن مع توقف كثير من الخدمات، ومع تقنين الأحمال، فالاستهلاك الحالي هو ألف لتر يوميا.

واليوم توفر لنا مؤسسات دولية تزور القطاع بعض الوقود حسبما تسمح لها سلطات الاحتلال، وخلال الأسبوعين الماضيين جلبوا لنا وقودا، لكن بعد أسبوع سينفد وإذا لم يحضروا لنا وقودا، سنرجع للمربع الأول.

8- الدكتور جاد الله الشافعي كان شاهدا على حصار واقتحام جيش الاحتلال للمستشفى ويعمل مع إدارته الحالية على إعادة تشغيله
الدكتور جاد الله الشافعي: خسرت 20 كيلوغراما من وزني خلال 5 أشهر (الجزيرة)
  • هل تصلكم حالات سوء تغذية بسبب سياسة التجويع؟ وما خطورتها على السكان؟

في البداية، أصابت المجاعة أصحاب الأمراض المزمنة، لكن الآن أصابت الكل. جميع المواطنين قلت أوزانهم. وأنا شخصيا خسرت 20 كيلوغراما من وزني خلال 5 أشهر.

والفئات الأكثر تأثرا هي الأطفال والشيوخ وأصحاب الأمراض المزمنة، وهم أكثر عرضة للوفاة بسبب مضاعفات المرض.

وطبعا هناك خطورة كبيرة على السكان بشكل عام، وستكون لسياسة التجويع مضاعفات، مثل مشاكل الكلى والكبد والأوعية الدموية وجلطات دماغية، وسكتات قلبية.

  • هل لديكم إمكانيات للتعامل مع حالات سوء التغذية؟

من يصلنا نقدم له محلولا وريديا، لكن لا توجد لدينا محاليل تغذية مخصصة، فهناك محاليل تشمل بروتينات وفيتامينات ودهون، وهذه غير متوفرة.

  • إلى أي مدى تؤثر سياسة التجويع على الطواقم الطبية؟

بصراحة، الطواقم الطبية استنزفت طاقتها منذ أسابيع في التعامل مع المجازر شبه اليومية، خاصة منذ المجزرة الكبرى في دوار النابلسي ومؤخرا في دوار الكويت.

والطواقم الطبية منذ قبل رمضان وهي من دون وجبات طعام، والآن لا يتوفر لها وجبات سحور ولا فطور إلا بالحد الأدنى، وهي عبارة عن كأس من الحساء “الشوربة”، وبالتالي قواهم بدأت بالانهيار، ومع ذلك ما زالوا يعملون، لكن لا نضمن الى متى يستمرون بهذا العمل.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *