صحفيون أم موظفو علاقات عامة؟.. مجلة إسرائيلية تنتقد انحياز الإعلام المحلي لرواية الجيش

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 6 دقيقة للقراءة

قالت مجلة “972+” إن المراسلين العسكريين في وسائل الإعلام الإسرائيلية الكبرى تجاهلوا باستمرار التحقيق في سلوك الجيش وتصرفاته، مما يعني أن أحداث 7 أكتوبر/تشرين الأول تعد فشلا بالنسبة لهم أيضا.

وأشارت المجلة -في مقال لسيباستيان بن دانيال- إلى أن الصحافة الإسرائيلية ظلت طوال فترة الحرب محاكاة ساخرة للصحافة، وقدمت للمواطن الإسرائيلي العادي مقالات لا تحصى عن غضب سكان غزة على حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، ولكنها لم تقدم له شيئا عن حقيقة أن القصف الإسرائيلي والحصار المكثف أدى إلى مقتل أكثر من 12 ألف طفل، وجعل أجزاء كبيرة من قطاع غزة غير صالحة للسكن، ولا عن تشريد الملايين، وخلق الظروف الملائمة للمجاعة، فضلا عن عدم تضامن الصحفيين الإسرائيليين مع أكثر من 120 صحفيا فلسطينيا استشهدوا خلال الهجوم الإسرائيلي.

وأشار الكاتب بسخرية إلى عكيفا نوفيك، مذيع الأخبار البارز ومراسل هيئة الإذاعة العامة الإسرائيلية “كان”، الذي قال إن دور الصحفيين هو رفع الروح المعنوية الوطنية، وعليه فإن ما يريد الجمهور الإسرائيلي أن يسمعه هو أنه لا يوجد أناس أبرياء في غزة، وأن جيش إسرائيل الجبار ينتصر، وأن العالم كله معاد للسامية، وأن الضغط العسكري وحده هو الذي سيؤدي إلى إطلاق سراح المحتجزين خلافا لكل الأدلة، وأن إطلاق الجنود الإسرائيليين النار على 3 محتجزين، وهم يلوحون بالأعلام البيضاء، أيضا خطأ حماس.

تمجيد مستمر للجيش

وذكر بن دانيال بأن تنازل وسائل الإعلام عن المسؤولية لم يبدأ في 7 أكتوبر/تشرين الأول، إذ لم يعرف الإسرائيليون سوى القليل عما يفعله جيشهم منذ سنوات، عندما تمركز المزيد من الجنود في الضفة الغربية لمواكبة الأعداد المتزايدة من المستوطنين والحفاظ على نظام الفصل العنصري الذي يدفع الفلسطينيون ثمنه تحت وطأة الجيش الإسرائيلي، ولكن الإسرائيليين أيضا يدفعون ثمنا مقابله.

وقبل يومين فقط من هجوم حماس على جنوب إسرائيل -كما يقول الكاتب- نقلت وحدتان من قوات الكوماندوز من سياج غزة إلى الضفة الغربية، وتُركت القوات المتبقية بالقرب من غزة غير مستعدة على الإطلاق للهجمات التي تلت ذلك.

ولا يكتفي المراسلون العسكريون في إسرائيل بعدم الإبلاغ عن مثل هذه القضايا فحسب، بل يواصلون تمجيدهم للجيش، ويأخذون تصريحات المتحدث باسمه على محمل الجد، مما يقنع الجمهور زيفا بأن كل شيء على ما يرام، ويعني أن فشل وسائل الإعلام في التدقيق في أداء الجيش لعب دورا رئيسيا في دفع إسرائيل إلى كارثة 7 أكتوبر/تشرين الأول.

وضرب الكاتب مثلا بتغطية أمير بوهبوت، المراسل العسكري لموقع والا الإخباري اليميني، وقال إنها تمجيد لرئيس المخابرات العسكرية أهارون حاليفا وخططه التي يفترض أنها منيعة، إضافة إلى عشرات المقالات التي ليس من بينها واحد ينتقد أو يحقق في أنشطة الجيش، ولكن بعضها ينتقد جنود الاحتياط الذين هددوا، في سياق احتجاجات العام الماضي، بعدم الحضور إلى الخدمة.

واستطرد بن دانيال في تغطيات صحف مثل “يديعوت أحرونوت” و”يسرائيل هيوم” التي لا تختلف كثيرا، ثم أشار إلى صحيفة “هآرتس” وقال إنها أكثر انتقادا من غيرها للجيش، ولكنها تركز فقط –حسب رأيه- على الجرائم الشنيعة التي يرتكبها الجنود في غزة والضفة الغربية، وتكون عادة في صفحات الرأي الخاضعة للاشتراك، وبالتالي لا يقرأها سوى 5% من الإسرائيليين، خلافا لصحيفتي “يديعوت أحرونوت” و”يسرائيل” هيوم المجانيتين.

وفي المناسبات القليلة التي تنشر فيها المواقع الإخبارية الإسرائيلية “تقارير استقصائية” لمراسلين عسكريين، تكتفي بتقديم تقارير عن التحقيقات الداخلية للجيش بدلا من إجراء تحقيقات مستقلة، كما حدث مع التحقيق في إطلاق النار على المحتجزين الثلاثة.

ثمن طمس الحقيقة

منذ حوالي عقد من الزمن، نشرت مجلة “972+” سلسلة من التقارير الاستقصائية بعنوان “ترخيص بالقتل”، استكشفت الحالات التي حققت فيها شعبة التحقيقات الجنائية في الشرطة العسكرية، وشملت جرائم قتل المراهقين الفلسطينيين الذين أطلق الجنود الإسرائيليون النار عليهم في الظهر أو الرأس، كما شملت التزوير والكذب في التحقيقات، وذلك في وقت كان فيه الإبلاغ عن مثل هذه الحوادث ممنوعا بسبب الرقابة الشديدة.

وأشار الكاتب إلى أنه اكتشف أن المراسلين غالبا ما يكررون ما يقوله لهم المتحدث باسم الجيش، وفي بعض الأحيان يزيلون النسبة إليه، وينشرون الرسائل كأخبار، وضرب مثالا بتغريدة مراسل وزارة الدفاع البارز، ألون بن دافيد، عندما أطلق جندي النار على فلسطيني معاق عقليا، قائلا إن “إرهابيا أطلق النار على الجنود، وقُتل بعد ذلك”. وهي كذبة صححها فيما بعد.

وفي كل حالة قمت بالتحقيق فيها –يقول الكاتب- نشر المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي معلومات كاذبة يتم ترديدها دون إسناد، وفي بعض الأحيان يعمل هؤلاء المراسلون كممثلي علاقات عامة للجيش، خاصة عندما تتم دعوتهم لمشاهدة تدريب عسكري بسلاح جديد قد يحتاج إلى التسويق قبل تصديره.

وإنصافا للعديد من المراسلين الإسرائيليين، يشير سيباستيان بن دانيال إلى أنهم إذا حققوا في إطلاق الجيش النار على الفلسطينيين في الضفة الغربية أو القصف في غزة، سيصبحون عاطلين عن العمل، لأن الجمهور ببساطة لا يريد سماع مثل هذه الأخبار.

وخلص الكاتب إلى أنه عندما تكون البلاد بلا نظام قضائي يشرف بشكل فعال على الجيش، وليس لديها نظام للرقابة العامة على ميزانيته، ولا يتعرض الضباط للمساءلة عن سلوكهم الإجرامي، حتى عندما تكون المخالفات واضحة، فإنه يجب على الصحفيين ملء هذا الفراغ، لأن الصحافة الصارمة مطلب لأي مجتمع سليم.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *