تناولت صحيفتان دوليتان تداعيات الحرب الدائرة حاليا بين إسرائيل والمقاومة الفلسطينية على الرأي العام في الوطن العربي والتغيرات التي طرأت على السياسة العالمية جراء القصف العشوائي على قطاع غزة، والذي فاقم أوضاع السكان هناك.
فقد أفاد مقال في مجلة “فورين أفيرز” الأميركية بأن الخسائر الفادحة في غزة لاقت صدى في العالم العربي، مما يدل على السمة البارزة للصراع الإسرائيلي الفلسطيني وقوة تأثيره في تشكيل السياسات في المنطقة، لكن من العسير تحديد مدى تأثير العدوان الإسرائيلي على المواقف العربية، وتحديد طرق بعينها.
لكن هذا الوضع تغير الآن بعد أن أجرت شركة “أراب باروميتر” دراسة استقصائية على عينة من الناس في تونس بالتعاون مع شركة محلية متخصصة في استطلاعات الرأي والأبحاث.
نتائج مذهلة
وبتقييم النتائج المستخلصة من الدراسة يمكن أن يتضح “بدقة غير عادية” كيف أحدث هجوم حركة المقاومة الإسلامية (حماس) والحملة العسكرية الإسرائيلية تغييرا في آراء العرب على وجه التحديد.
ووفقا للمقال، فقد كانت النتائج مذهلة، فقد طرأ تحول في مواقف التونسيين تجلى في انخفاض معدل تأييدهم لإقامة علاقات “إيجابية أو دافئة” مع إسرائيل، كما أظهرت أكبر تراجع في نظرتهم إلى الولايات المتحدة، فيما تعزز تأييد التونسيين للقيادة الإيرانية التي تعارض إسرائيل بشدة.
ووصف المقال التونسيين بأنهم منفتحون على الغرب، لكنهم منفتحون أيضا على القوى العالمية الأخرى، مثل الصين وروسيا.
انخفاض النظرة الإيجابية تجاه أميركا
وفي المقابلات التي أجريت قبل هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي مع 1146 شخصا -الذين يشكلون نصف عدد المستطلعين- أبدى 40% من التونسيين رأيا إيجابيا أو إيجابيا إلى حد ما تجاه الولايات المتحدة مقارنة بـ56% كان لهم رأي سلبي.
لكن تلك الآراء تغيرت سريعا بعد أن اندلعت الحرب في غزة، حيث تبنى 10% فقط نظرة إيجابية تجاه الولايات المتحدة مقابل 87% كان لهم انطباع سلبي، وقبل هجوم حماس على إسرائيل أبدى 56% من التونسيين رغبة في أن تكون لهم علاقات اقتصادية أوثق مع الولايات المتحدة، وبعد 3 أسابيع تدنت النسبة إلى 34%.
وبالمثل، تراجعت شعبية الرئيس الأميركي جو بايدن -“الذي لم يكن يتمتع أصلا بشعبية في تونس على الإطلاق”- من 29% قبل 7 أكتوبر/تشرين الأول إلى 6% فقط بعده.
ارتفاع كبير لأهمية القضية الفلسطينية
وعندما سُئل التونسيون عن السياسات الأميركية الأكثر أهمية بالنسبة لهم في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ارتفع حل “الصراع الفلسطيني الإسرائيلي” بشكل كبير -بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول- من 24 إلى 59%.
وبالمقابل، انخفض عدد التونسيين الذين يعتبرون التنمية الاقتصادية هي الأهم من 20 إلى 4% فقط.
وقبل هجوم حماس كان لدى 70% من التونسيين نظرة إيجابية تجاه الصين، وبحلول 27 أكتوبر/تشرين الأول ارتفع هذا الرقم بمقدار 5 نقاط، وقبل الهجوم كان لدى 56% من التونسيين نظرة إيجابية حيال روسيا مقارنة بـ53% في نهاية الدراسة الاستقصائية، وارتفعت نسبة من يريدون علاقات اقتصادية أوثق مع موسكو من 72 إلى 75%.
تغيير السياسة العالمية
وفي مقال آخر حول الموضوع نفسه تقريبا كتب الصحفي البريطاني بيتر أوبورن في موقع “ميدل إيست آي” يقول إن الحرب الإسرائيلية الفلسطينية غيرت السياسة العالمية.
وكشف أن 800 خبير في القانون الدولي ودراسات الصراع وقعوا على بيان عام يحذرون فيه من احتمال ارتكاب القوات الإسرائيلية إبادة جماعية ضد الفلسطينيين في قطاع غزة.
وأوضح أن الخبراء قدموا أدلة قوية على حجم وشراسة الهجمات الإسرائيلية وأضافوا أن “اللغة التي تستخدمها الشخصيات السياسية والعسكرية الإسرائيلية تبدو وكأنها تعيد إنتاج الخطاب والاستعارات المرتبطة بالإبادة الجماعية والتحريض على الإبادة الجماعية”.
شعور بالاشمئزاز
وتناول الصحفي البريطاني ما دار في منتدى الدوحة -الذي عقد في العاصمة القطرية يومي 10 و11 ديسمبر/كانون الأول الجاري- من حوارات تركز جزء منها في الحرب التي تدور رحاها في غزة، ووصف القصف الإسرائيلي “العشوائي” على القطاع بأنه جريمة حرب.
وأعرب عن اعتقاده بأنه كان من المستحيل إغفال الشعور بالاشمئزاز الذي يقترب من العداء تجاه الولايات المتحدة في منتدى الدوحة.
وفي كلمته بالمنتدى انتقد وزير خارجية الأردن أيمن الصفدي إسرائيل لشعورها بأنها تستطيع الإفلات من العقاب، مضيفا أن دولة واحدة تتحدى العالم كله، وأن العالم كله غير قادر على فعل أي شيء حيالها.
أميركا ليست صالحة كوسيط
وبحسب أوبورن، فإن كل من تحدث إليهم في الدوحة أجمعوا على أنه لم يعد بالإمكان الثقة في الأميركيين في لعب دور الوسيط في محادثات السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين.
ولفت إلى أن الصين بدأت تكشف عن نواياها، حيث أكد المستشار السابق لمجلس الدولة هوياو وانغ على ضرورة إنشاء قوة لحفظ السلام تابعة للأمم المتحدة في غزة.
وقال أوبورن إن مصطلح “تعدد الأقطاب” كان هو العبارة الرنانة في الدوحة، “وهي طريقة مهذبة للتعبير عن أن عصر الهيمنة الأميركية قد ولى”.
الغرب شوه النظام العالمي
وشدد كاتب المقال على أن غزة غيرت السياسة العالمية، مشيرا إلى أن الديمقراطيات الليبرالية “المزعومة” -(الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وبريطانيا)- هي التي شوهت سمعة النظام العالمي الليبرالي بمنحها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تفويضا مطلقا.
وخلص الصحفي البريطاني إلى أن “شجاعة الشعب الفلسطيني ومعاناته وقدرته على التحمل قد غيرت تاريخ العالم..”.