شهادات من جنين.. هكذا أحرقوا المنازل ودمروا الشوارع

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 6 دقيقة للقراءة

جنين- كان الفلسطيني فراس سباعنة نائما في منزله بمدخل مخيم جنين شمال الضفة الغربية، حين سمع أصوات آليات وجرافات الاحتلال الإسرائيلي تقتحم المخيم وتصل مدخله. وقبل أن يدرك ما يحدث بالضبط، كان تجريف الشارع وتدمير شبكة المياه قد بدأ في محيطه.

وحين حاول فراس، فجر اليوم الاثنين، استطلاع الأمر في الخارج، فوجئ بجنود الاحتلال يحطمون المحال التجارية. وقال، “حاولت النزول إلى مدخل العمارة لكن جنود الاحتلال منعوني، وبدؤوا بالمناداة علينا أنا وجيراني لمغادرة منازلنا والتوجه إلى الطابق الخامس، انتقلنا كلنا إلى الطابق العلوي، وعندها أشعل الجنود النار في المحال التجارية بالطابق الأرضي”.

وصلت ألسنة النار والدخان الكثيف إلى الطابق الخامس، حيث تكدست قرابة 20 عائلة، وبدأ الناس بالصراخ ومحاولة الهرب من الحريق، لكن مدخل العمارة كان مغلقا بالتراب والركام الذي جرّفته آليات الاحتلال، ووضعته أمام الباب الرئيس للبناية.

ويضيف فراس، “أغلقوا البناية علينا، ولم يكتفوا بذلك، حطّموا سيارتي ووضعوا حطامها أمام المدخل، ناديت بأعلى صوتي معنا أطفال ونساء، افتحوا البوابة لنخرج قبل أن تصلنا النار”.

بناية سكنية بمخيم جنين أشعل الاحتلال بها النار وأغلقها على سكانها (الجزيرة)

اختناق الأطفال

بعد حين، خرج فراس وعائلته المكونة من زوجته وأطفاله الخمسة وباقي سكان البناية، وسيرا على الأقدام هربت العائلات إلى مدخل مستشفى جنين الحكومي. وقال، “كان الدمار كبيرا، والشوارع مجرفة ومواسير المياه محطمة، والظلام يخيم على الشارع كله وساحة المستشفى”.

في ساحة المخيم كانت أم محمود تجلس بجوار طفليها، ويظهر عليهم التعب والنعاس، تقول، “لولا لطف الله لاحترقنا كلنا، وصلت النيران إلى الطابق الأول والثاني، وكدنا نختنق. ما ذنب هؤلاء الأطفال؟ انظروا إليهم، يحاولون النوم هنا على مقعد المستشفى”.

في الساحة ذاتها، كانت سيارات الإسعاف تنقل عددا آخر من النساء والأطفال من أحياء أخرى في محيط مخيم جنين، في مشهد يذكّر باجتياح المخيم بداية شهر يوليو/تموز الماضي، الذي استمر ليومين وأجبرت فيه قوات الاحتلال الإسرائيلي آلاف المواطنين على ترك منازلهم بعد تهديدها بالقصف بالصواريخ، ما اضطرهم للنزوح إلى المستشفيات القريبة.

تدمير الأقواس

على الأرض كانت آليات وجرافات الاحتلال الإسرائيلي تتمركز في مداخل المخيم وتحاصره من جميع الجهات، بعد أن دمرت شبكات المياه والكهرباء، وجرفت الشوارع المؤدية إليه.

وفي الشارع الرئيس الذي يربط المخيم بمدينة جنين، حوّلت جرافات الاحتلال مدخل المخيم المعروف بـ”مدخل الأقواس” إلى ركام بعد هدمه بالجرافات.

ومع بدأ انسحاب قوات الاحتلال مع ساعات الصباح الأولى، تجمع المواطنون أمام ركام الأقواس التي شهدت أكثر من مرة احتفالات مقاتلي كتيبة جنين وأهالي المخيم، بإخفاق اقتحامات الاحتلال السابقة.

وتعدّ أقواس مخيم جنين أحد أهم المعالم والرموز الخاصة بالمخيم، وبُني على شكل قوسين يعلوها مفتاح يرمز إلى العودة، ومكتوب عليه “مخيم جنين.. محطة انتظار لحين العودة”.

يقول ابن المخيم جمال الزبيدي، “ما فعلته إسرائيل اليوم عمل بربري ووحشي، وهذا أقلّ ما يقال عنه، هي تسعى لطمس معالم المخيم والنيل من كل رمز يشكل قيمة لدى السكان هنا”.

وجمال هو عم الأسير زكريا الزبيدي، أحد أبطال الهروب من سجن جلبوع في 2021. قال، إن “كل شيء في المخيم يمثل قيمة، وهم يحاولون تدمير كل قيمة ورمز في المخيم، كل ذلك لكسر معنويات الشباب، والنيل من عزيمتهم، لكنهم لن ينجحوا”.

صورة لاحتفال أهالي المخيم أمام مدخل المخيم _الأقواس بعد انسحاب جيش الاحتلال من المخيم في تموز الماضي _ الصورة من الانترنت_
احتفال بمدخل مخيم جنين بعد انسحاب الاحتلال وإخفاقه في القضاء على المقاومة في يوليو/تموز الماضي (مواقع التواصل)

استهداف الحصان

على المدخل الغربي للمخيم، دمرت جرافة تابعة للاحتلال “دوّار الحصان”، وهو رمز فني صنع بعد معركة أبريل/نيسان 2002 من بقايا سيارات الإسعاف التي قصفها الاحتلال في تلك المعركة، التي استمرت 11 يوما، وشكّل هذا الحصان رمزا للقوة والصمود، كما يقول أهالي المخيم.

ويعدّ الحصان الحديدي أحد أهم الرموز وأقربها للأهالي في مخيم جنين، حيث يذكر بصعوبة أيام اجتياح في 2002، ووحشية إسرائيل التي كانت تقصف سيارات الإسعاف لمنع إنقاذ الجرحى والشهداء، إضافة لبسالة المقاومة وثباتها.

يقول جمال الزبيدي، “الحصان يمثل القوة والصبر، ويعبر عن الشهداء، ويجسد عنفوان أهالي المخيم وبطولة مقاومتهم، وتدميره اليوم رسالة إلى أهالي المخيم لتحطيم معنوياتهم، وكسر صمودهم ومحاولة الوصول إلى مقاومتهم”.

وأضاف، “مخيم جنين هو رمز النضال في الضفة الغربية ككل، وكل الفلسطينيين يعتزون به، كما أنه يمثل الوحدة الوطنية والصمود، والاحتلال يحاول كسر كل ذلك وتدميره”.

ويرى أن قوات الاحتلال لم تستطع دخول المخيم ومواجهة شباب المقاومة، لذا لجأت لتدمير معالم المخيم ورموزه، وتدمير البنية التحتية فيه بهدف كسر حاضنتهم الشعبية.

صورة 7_ 30-10-2023_ فاطمة محمود مخيم جنين الجزيرة نت فلسطين _ صور للسيارات المدمرة بفعل أليات الاحتلال_
التدمير المقصود وصل إلى سيارات المواطنين داخل مخيم جنين المكتظ بالسكان (الجزيرة)

اشتباك كتيبة جنين

على مدخل المخيم وفي شارعه الرئيس، دمرت جرافات الاحتلال النصب التذكاري لشهداء كتيبة جنين أيضا. وذلك بعد ساعات من محاصرة المخيم لم تتمكن خلالها قواته من الدخول إلى عمق المخيم، بينما بقيت آلياته تحاصر مداخل المخيم وتطلق النار على المقاومين الذين اشتبكوا معهم.

وتمكنت كتيبة جنين من تفجير آلية عسكرية إسرائيلية بعد استهدافها بعبوة ناسفة، في الوقت الذي نشرت فيه الكتيبة صورا لخوذة جندي إسرائيلي، ويظهر فيها آثار لطلقات رصاص، وقالت، إن مقاتليها تمكنوا من إصابة عدد من الجنود بشكل مباشر.

واستشهد في الاقتحام الإسرائيلي الذي استمر لأكثر من 6 ساعات 4 شبان فلسطينيين، ونشرت الكتيبة بيانا نعت فيه الشهيد وئام حنون، موضحة أنه أحد مؤسسي الكتيبة وأنه على قائمة المطاردين من الاحتلال والمطلوبين للتصفية منذ ما يقارب العام.

والجمعة الماضية، أقدمت قوات الاحتلال الإسرائيلي على تدمير النصب التذكاري لمراسلة الجزيرة الشهيدة شيرين أبو عاقلة، في مدخل مخيم جنين، التي قتلها جنود إسرائيليون في مايو/أيار 2022.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *