خاص – رُفعت شكاوى جنائية ضد الرئيس الإسرائيلي إسحق هرتسوغ تزامنا مع حضوره في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس السويسرية، هذا الأسبوع، وهو ما أثار تساؤلات كبيرة حول إمكانية التحقيق معه أو حتى اعتقاله.
ولم يعلن الادعاء السويسري عن فحوى الشكاوى، لكنه أكد للجزيرة نت تسلمه لها وأنه يبحث مع الخارجية السويسرية مسألة حصانة هرتسوغ. لكن بيانا لمن يُعتقد أنهم وراء الشكاوى طالب بملاحقة الرئيس الإسرائيلي، موازاة مع دعوى جنوب أفريقيا أمام محكمة العدل الدولية ضد إسرائيل، بتهم ارتكاب إبادة جماعية في غزة.
ويوضح علي صالح بن حديد، المحامي المختص في القانون الدولي، المقيم في جنيف، أن “مجرد رفع الشكاوى لا يؤدي بشكل مباشر لمباشرة التحقيق وإصدار لائحة اتهامات من الادعاء العام”، مشيرا إلى أن قرارات القضاء السويسري حتى وإن صدرت، فهي ليست ملزمة لبقية الدول، لكن “رفع الدعوى يحمل رمزية كبيرة، ويسبب إحراجا كبيرا للمسؤولين الإسرائيليين”.
ولم يوضح الادعاء العام السويسري هوية الطرف أو الأطراف التي رفعت الشكاوى، لكن وكالة فرانس برس نقلت عن مجموعة تحمل اسم “تحرك قضائي ضد جرائم ضد الإنسانية” بيانا جاء فيه أن عدة أفراد وجهوا هذه الشكاوى في 3 مدن سويسرية هي بازل وبرن وزيورخ.
ويقول بن حديد للجزيرة نت، وهو دبلوماسي سابق شغل منصب نائب رئيس البعثة العربية لدى الأمم المتحدة في جنيف، إن الدعوى قد تدفع الرئيس الإسرائيلي إلى تحاشي دخول سويسرا أو المرور عبرها، لوجود إمكانية للتحقيق معه، كما فعلت الوزيرة السابقة تسيبي ليفني، الذي قُدمت ضدها عام 2017 شكوى في سويسرا بارتكاب جرائم حرب.
ملاحقة متكررة للمسؤولين الإسرائيليين
وقُدمت الشكوى ضد ليفني حينها من المنظمة السويسرية “إيرجونس” (Urgence)، التي اتهمت ليفني بارتكاب جرائم حرب في غزة عام 2008. وجاءت الدعوى بعد أشهر من إلغاء ليفني زيارة إلى بروكسل بعد علمها بوجود خطط لاستجوابها، بناء على شكوى من منظمة الاتحاد البلجيكي الفلسطيني.
وواجهت ليفني كذلك استدعاءً في لندن من الشرطة للتحقيق معها، لكنها لم تحضر وحصلت على ضمانات بعدم الملاحقة، إثر اتفاق بين بريطانيا وإسرائيل، أتاح لوزيرة الخارجية السابقة مخرجا دبلوماسيا لحضور مؤتمر خاص.
كما ألغى رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إيهود أولمرت زيارة إلى سويسرا عام 2019، خشية الاعتقال بتهمة ارتكاب جرائم حرب ضد الفلسطينيين، إثر دعوى قضائية رفعت عليه بسبب العدوان ذاته.
التحقيق ممكن والاعتقال مستبعد
ويوضح بن حديد أنه رغم تمتعه بالحصانة، فالتحقيق مع الرئيس الإسرائيلي ممكن، لكن ذلك لن يؤدي في الظروف الحالية إلى اعتقاله. ويشرح أن إلغاء الحصانة -عكس ما جاء في بيان المجموعة التي رفعت الشكوى- لا يمكن أن يتم لمجرد حالات الاشتباه، إذ يجب توفر أدلة قوية، خصوصا أن الأمر يتعلق كذلك بنزاع ينظر له الغرب بكثير من الحساسية.
ويقول: “الإبادة الجماعية والتعذيب والترحيل القسري من التهم الخطيرة التي تدفع القضاء للتحرك، لكن يجب على النيابة العامة الحصول على أدلة قوية لأجل إصدار لائحة اتهام”، مشيرا إلى أن إصدار محكمة العدل الدولية قرارا لصالح فلسطين سيدعم لائحة الاتهام لمباشرة التحقيق.
وطالب المشتكون بإلغاء حصانة هرتسوغ، لافتين إلى أن الإجراء ممكن “ضمن شروط معينة منها الاشتباه بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، وهي “شروط متوفرة في هذه الحالة”، حسب بيان المجموعة صاحبة الشكوى.
ويشرح الخبير بن حديد أن هناك نوعين من الحصانة، واحدة مطلقة، يتمتع بها المسؤول المعني عندما يكون في عمل مهني أو زيارة رسمية، وتوفر حماية كبيرة، وأخرى جزئية، يتمتع بها المسؤولون السابقون الذين معهم جوازات سفر دبلوماسية، لكنها لا توفر حماية كبيرة، ضاربا المثل بوزير الدفاع الجزائري الأسبق خالد نزار.
وكان خالد نزار الذي توفي قبل أسابيع، قد اعتقل لمدة قصيرة في سويسرا عام 2011، إثر استجوابه للاشتباه في ارتكاب جرائم حرب، وفق شكوى رفعتها ضده منظمة سويسرية. وأعلن الادعاء العام السويسري عام 2023 تقديم لائحة اتهام رسمية ضد نزار.
تحركات إيجابية
ويضيف بن حديد أن مجرد تقديم الشكوى يمثل إحراجا كبيرا لإسرائيل، والأمر كذلك بالنسبة للولايات المتحدة التي تتوفر على لوبيات حقوقية كبيرة في سويسرا. ويستطرد أن صدور أيّ قرار سويسري ضد هرتسوغ سيمثل ضغطا على محكمة الجنايات الدولية (تحاكم الأفراد المتهمين بالجرائم ضد الإنسانية) لبحث القضية، خصوصا إذا تزامن هذا القرار مع استجابة محكمة العدل الدولية لمطلب وقف إطلاق النار في غزة.
ويؤكد بن حديد، أن صدور أيّ قرارات قضائية لصالح الفلسطينيين في الدول التي تتوفر محاكمها على مبدأ “الولاية القضائية العالمية”، أو على مستوى محكمة العدل الدولية، سيمثل انتصارا للقضية الفلسطينية، خصوصا في دعم عضوية دائمة لفلسطين في الأمم المتحدة.
كما يمكن لهذه القرارات أن “تشكّل أرضية لرفع دعاوى قضائية ضد الرئيس الأميركي جو بايدن ووزير خارجيته أنتوني بلينكن، باعتبارهما متورطين مع إسرائيل”، وفق بن حديد.