باريس- في مقابلة مع الجزيرة نت، تحدث السفير الفرنسي السابق في قطر ثم في السعودية برتراند بيزانسينو عن الحرب المستمرة على قطاع غزة، وتوسع جبهات الصراع إلى لبنان، وتداعيات ذلك على سياسة منطقة الشرق الأوسط.
وفي تصريحاته، أكد بيزانسينو التزام بلاده فرنسا بدعم لبنان لكي لا يتحول إلى غزة جديدة، ومحاولتها تخفيف التوترات لتجنب حريق إقليمي، بهدف تمهيد الطريق لفترة ما بعد الحرب بمساعدة من الدول العربية، وخاصة دول الخليج.
كما أشار المتخصص في شؤون الشرق الأوسط إلى أن تراجع مصداقية مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، أدى إلى إنشاء ما وصفه بـ”قانون الأقوى”، مشددا على أن استقرار المنطقة لن يتحقق إذا لم يتم التوصل إلى حل عادل للقضية الفلسطينية.
-
وفقا للأعراف الدبلوماسية، ماذا يعني استدعاء فرنسا لسفير إسرائيل بعد الهجوم على مواقع “اليونيفيل” في لبنان؟
إن هذا الإجراء يتوافق تماما مع الإدانة التي قام بها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بسبب انتهاك القانون الدولي ومهاجمة المنظمة الدولية، وبالتالي، يعد استدعاء السفير الإسرائيلي تصرفا منطقيا.
كما تلعب مواقع “اليونيفيل” دورا مهما في المنطقة، وستضمن في النهاية الترتيبات التي سيتم تنفيذها لاحقا، والواقع أنه من الضروري العثور على حل معقول وعادل، على أساس قرار مجلس الأمن رقم 1701.
-
هل تتعامل الدول الغربية مع ملف الحرب في لبنان بشكل مختلف عن ملف الحرب في قطاع غزة؟
فيما يخص الحرب في غزة، طالبنا بوقف إطلاق النار في أسرع وقت ممكن من أجل إطلاق سراح الرهائن وتوفير ممرات إنسانية، لكن في الوقت ذاته، لا بد من الاعتراف أيضا بأن الوضع في القطاع كارثي، حيث تم تدمير 70% من المباني وهناك أكثر من 40 ألف حالة وفاة، لذا، ما يحدث هناك وضع دراماتيكي للغاية، وسيتعين علينا في يوم من الأيام إعادة بناء كل ذلك.
في لبنان، الوضع مختلف في الوقت الحالي، حيث تستهدف الضربات الإسرائيلية بشكل خاص -على الأقل هذا ما يتم الإعلان عنه- المنشآت التي يعتقد الإسرائيليون أنها تحتوي على مخابئ للأسلحة أو كل ما يتعلق بحزب الله بشكل مباشر أو غير مباشر، ولكننا لا ننسى وجود خسائر جانبية أيضا.
وعلى أي حال، تقوم فرنسا وغيرها من الدول الغربية بكل ما في وسعها لتجنب تحول لبنان إلى غزة جديدة، وما يشغل بالنا في الوقت الحالي هو شكل الرد الإسرائيلي على الضربات الإيرانية، وقد رأينا أن الرئيس الأميركي جو بايدن يصر على أن يكون هذا الرد “متناسبا” من حيث المبدأ.
في المقابل، قد يجد الإيرانيون أنفسهم مضطرين إلى إثبات مصداقيتهم من خلال الرد كذلك، مما قد يؤدي آنذاك إلى فتح “صندوق باندورا” (صندوق الشرور)، وهو ما يريد الجميع تجنبه اليوم، ونحن نعلم أنه إذا بدأ صراع عام حقيقي في الشرق الأوسط، فإننا لا نعرف أبدا كيف سينتهي، ولهذا، يحاول الجميع تجنب هذا الحريق الإقليمي، ربما باستثناء رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
-
تملك 5 دول حق النقض، والولايات المتحدة استخدمته أكثر من 50 مرة لحماية إسرائيل من إدانة أو قرار أو حتى رفض طلب وقف إطلاق النار، هل تعتقد أن مجلس الأمن يطرح مشكلة ديمقراطية على مستوى الحوكمة العالمية؟
من الواضح أن مجلس الأمن تم حظره للأسباب التي ذكرتها، فالأميركيون استخدموا حق النقض “الفيتو” عدة مرات بالفعل، وهو الأمر ذاته الذي قام به الروس في مواضيع أخرى، وللأسف، فإن مجلس الأمن ليس في وضع يسمح له بالتصرف كما هو متوقع، أي القيام بمسؤولية الأمن الدولي.
من جهة أخرى، لعبت الولايات المتحدة حتى الآن جزءا من دور الشرطي الدولي، لكنها لم تعد ترغب في الاستمرار في ذلك، ونتيجة لذلك، عدنا إلى ما يسمى بـ”قانون الأقوى” بسبب عدم نجاحنا في تحديد نظام دولي جديد، وهذا ما نراه فعليا اليوم من خلال ما يفعله نتنياهو في فلسطين ولبنان، وما يفعله الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في أوكرانيا، فضلا عن الضغط الصيني على تايوان.
ويجب علينا استعادة مصداقية مجلس الأمن، ودستوره الحالي عفا عليه الزمن ولا يتوافق مع الفترة التاريخية الحالية، لقد قدم خدمات جليلة في السابق، لكن يجب أن نأخذ في الاعتبار ظهور لاعبين جدد والتأكد من مشاركة المجتمع الدولي بشكل أكبر في تشكيل مجلس الأمن الجديد.
وقد قدمت فرنسا منذ سنوات عدة مقترحات لإصلاح المجلس، بما في ذلك مسألة حق النقض وتحت أي ظروف يمكن استخدامه، وحتى الآن لم تلق المقترحات قبولا، ولا سيما من قبل بعض الدول التي ذكرتها سابقا.
-
كيف تقارن بين السياسة الخارجية الفرنسية في الشرق الأوسط خلال رئاسة إيمانويل ماكرون والرؤساء الفرنسيين السابقين، وعلى رأسهم جاك شيراك؟
أتفهم الشعور السائد في المنطقة بأن السياسة الفرنسية اختلفت عما كانت عليه في عهد الرئيس الراحل جاك شيراك، وهو ما يدل على وجود الانتقادات، فعلى سبيل المثال، حملت زيارة ماكرون إلى لبنان بعد انفجار مرفأ بيروت كثيرا من الأمل لإيجاد حل، لكنها انتهت بخيبة كبيرة لأن الناس كانوا يتوقعون الكثير.
ويضاف إلى ذلك، التصريح الذي أدلى به ماكرون عندما زار إسرائيل وتحدث فيه عن تحالف ضد حركة حماس، قبل أن يتراجع عنه بسرعة، ولكن كما يُقال الضرر قد وقع.
وعلى العكس من ذلك، فقد رأينا الانتقادات التي تعرض لها الرئيس الفرنسي من أعضاء المجلس التمثيلي للمؤسسات اليهودية في فرنسا “كريف”، نتيجة لتصريحاته بشأن إنشاء دولة إسرائيل.
وهذا يعني أنه سيكون لديك دائما أشخاص غير سعداء بما تفعله أو تقوله، ولذلك، من الطبيعي وجود هذه الانتقادات، لكن ما يبدو واضحا بالنسبة لي هو أن السياسة الفرنسية في الشرق الأوسط لم تتغير في الأساس.
لقد تحدثنا عن دعم لبنان الثابت، وتأييد حل الدولتين، في الوقت الذي نسي فيه كثير من الناس ذلك، سواء الأميركيون أو حتى بعض الأوروبيين، ونعتبر اليوم أن استقرار الشرق الأوسط متوقف على توفير حل عادل للفلسطينيين، وهذا أحد الأسباب التي جعلتنا نحافظ على علاقات وثيقة مع العديد من الدول العربية، مثل مصر والعراق ودول الخليج والمغرب وغيرها.
وأعتقد أن فرنسا ستظل الدولة الأوروبية الأكثر نشاطا سياسيا في الشرق الأوسط، لأن لديها تاريخا مشتركا ومصالح مشتركة، ومن الطبيعي تماما أن تحدث اختلافات من وقت لآخر وانتقاد بعض الأمور، كما سيظل الموقف الفرنسي معروفا بشكل أساسي، وستبقى البلاد ملتزمة بسياسة واضحة جدا في الشرق الأوسط، من خلال دعم لبنان، ودعم أمن إسرائيل، ولكن أيضا المطالبة بالعدالة للفلسطينيين.
-
كونك متخصصا في شؤون الشرق الأوسط، هل تعتقد أن دول المنطقة بحاجة إلى تأمينات أو شروط معينة لفعل المزيد من أجل إنهاء الحرب في قطاع غزة ولبنان؟
لقد كانت هناك بالفعل انتقادات بأن الحكومات العربية لم تفعل ما يكفي من أجل القضية الفلسطينية، وهناك من يقول إن السلطة الفلسطينية ارتكبت الأخطاء، لكن السؤال الأهم هو كيف نخرج من هذه الأزمة؟
يعلم الجميع جيدا أننا لن نتمكن من الخروج من الأزمة إذا لم نحل القضية الفلسطينية، لكن ذلك سيعني بطبيعة الحال استعداد الإسرائيليين للتوصل إلى حل وسط من ناحية، ومن ناحية أخرى تعزيز السلطة الفلسطينية، لضمان وجود دولتين تعيشان بسلام جنبا إلى جنب.
وعلى الرغم من كل الانتقادات الحالية، يوجد حوار جيد بين دول مثل مصر والأردن ودول الخليج وفرنسا والولايات المتحدة، لمحاولة إيجاد صيغة دائمة ومناسبة، إلا أننا لم نصل إلى هذه المرحلة بعد، ولسوء الحظ، لا نزال بعيدين جدا عن ذلك.
نعيش اليوم في فترة من التوتر، حيث يعتقد نتنياهو أنه قادر على فعل كل شيء، في انتظار نتيجة الانتخابات الأميركية، لأننا نعلم أن الجميع ينظر أولا إلى ما سيحدث في واشنطن قبل اتخاذ القرارات.