واشنطن- بدأ الرئيس الأميركي جو بايدن حكمه سنة 2021 محاولا توجيه التركيز الأميركي الإستراتيجي لمواجهة تصاعد التحدي الصيني اقتصاديا وعسكريا وفكريا. وبدلا من ذلك، بدأ بايدن عامه الأخير في الحكم متورطا في حربي أوكرانيا التي انطلقت في فبراير/شباط 2022، وغزة في السابع من أكتوبر /تشرين الأول الماضي.
وبينما أكدت إستراتيجية الأمن القومي لإدارة بايدن الصادرة في أكتوبر/تشرين الأول 2022، ضرورة التركيز عام 2023 على التنافس الإستراتيجي مع الصين من خلال بناء شبكة تحالفات ضخمة، تبدأ واشنطن عام 2024 متورطة في نزاعين يهددانها بفقدان مصداقيتها على الساحة العالمية.
ومع دخول الحربين عام 2024 في ظل غياب أي أفق لانتهائهما قريبا، يضع بايدن أجندة سياسته الخارجية تحت رقابة الناخبين الأميركيين الذين يقترعون بأصواتهم في نوفمبر/تشرين الثاني القادم، في وقت تشير أغلب استطلاعات الرأي إلى تأخره أمام غريمه الرئيس السابق دونالد ترامب.
ومع نهاية 2023 وبداية 2024، قد لا تتمكن الولايات المتحدة من الاستمرار في دعم المجهود العسكري الأوكراني ضد روسيا.
زيارة فاشلة
وغادر الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي واشنطن قبل أسبوعين بعد زيارة فاشلة دون أي وعود بمزيد من المساعدات الأميركية الجديدة، بعد ربط الجمهوريين بمجلس النواب مشروع تقديم مساعدات لكييف بما يفوق 60 مليار دولار، بأزمة الحدود الأميركية الجنوبية مع المكسيك.
ورغم المساعدات الأميركية والغربية الضخمة التي تعدّت قيمتها 100 مليار دولار خلال 2023، فقد انتهى هجومها المضاد -الذي رُوج له كثيرا- بخيبة أمل كبيرة بعد صد روسيا له، وعدم نجاح الجيش الأوكراني في استعادة الأراضي التي تسيطر عليها موسكو وتقدر بخُمس الأراضي الأوكرانية.
وإذا تلقت كييف دفعة كبيرة من المساعدات الأميركية عام 2024 كما يأمل الرئيس بايدن، فقد لا يزال يتعين عليها تعزيز قوتها، واستيعاب الهجمات الروسية التي لا تتوقف.
وإذا كان السؤال الذي يطرح نفسه في واشنطن ببداية عام 2023 يرتبط بمساحة الأرض التي يمكن لأوكرانيا تحريرها، سيكون سؤال بداية عام 2024 في واشنطن مرتبط بقدرة كييف على الصمود.
ومع استمرار الدعم الأميركي العسكري والسياسي والدبلوماسي والمالي والاستخباري الضخم للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، تأمل إدارة جو بايدن أن تتمكن تل أبيب من إنهاء المرحلة الأكثر حدة في حربها على القطاع مع حلول نهاية يناير/كانون الثاني المقبل. لكن رئيس الأركان الإسرائيلي هرتسي هاليفي أعلن قبل أيام أن القتال يمكن أن يستمر شهورا.
تكاليف المصداقية
وتطالب إدارة بايدن، بلا جدوى حتى الآن، الحكومة الإسرائيلية بتغيير طبيعة عملياتها لتتبنى نهج العمليات المحدودة والجراحية ضد قادة حركة المقاومة الإسلامية (حماس) بعيدا عن الهجمات الواسعة التي تُسقط مئات الضحايا المدنيين كل يوم.
ويدرك كثير من المعلقين بواشنطن أن إنهاء الصراع ووقف القتال هو المفتاح لخفض التكاليف الدبلوماسية التي تدفعها الولايات المتحدة لمصداقيتها، بسبب دعم العدوان الإسرائيلي، والذي نتج عنه استشهاد أكثر من 20 ألف فلسطيني، وجرح أكثر من 50 ألفا آخرين، وتدمير البنية التحتية والحياتية في القطاع بصورة كاملة.
ويراهن بايدن على أن انتهاء الحرب سيسمح له باستعادة الزخم نحو تسهيل عملية تطبيع العلاقات بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية، وهو ما قد يدعم حظوظه الانتخابية بعد فقدانه أصوات شرائح واسعة من الديمقراطيين جراء موقفه الداعم للعدوان الإسرائيلي.
من ناحية أخرى، يمثل خطر اتساع نطاق الحرب إقليميا خلال 2024 كابوسا كبيرا لإدارة بايدن خاصة مع إثارة العدوان على غزة ضغوطا عنيفة وتصعيدية على 4 جبهات وهي الضفة الغربية، والحدود الإسرائيلية اللبنانية، وجنوب البحر الأحمر، ومناطق وجود القوات الأميركية بالعراق وسوريا.
وداخليا، مثّلت صدمة رفض التيار التقدمي بالحزب الديمقراطي لموقف وسياسات بايدن تجاه العدوان الإسرائيلي مفاجأة صادمة للبيت الأبيض، كما أن غضب الناخبين المسلمين الأميركيين من نهج بايدن قد يكلفه انتخابات 2024.
وحتى مع التركيز على الشرق الأوسط وحرب روسيا على أوكرانيا، فإن البيت الأبيض والبنتاغون يراقبان الصين عن كثب. ويشهد الأسبوع الثاني من 2024 انتخابات رئاسية مهمة في تايوان، ولا ينتظر أن تتغير كثير من مواقف أطراف المعضلة التايوانية، سواء داخل تايوان، أو في بكين، أو واشنطن.
سجّل سيئ
وخلال 2023، عرفت العلاقات الصينية الأميركية توترا كبيرا إثر اكتشاف بالون تجسس صينيا فوق الأراضي الأميركية إلى أن تم إسقاطه. كما عمل بايدن على إظهار التزام أميركا تجاه دول منطقة المحيطين الهندي والهادي.
ومثّل اجتماعه بنظيره الصيني شي جين بينغ -في قمة آيبك بمدينة سان فرانسيسكو في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي- اختراقا دبلوماسيا، مما أسهم في عودة الاتصالات بين العسكريين في كلتا الدولتين بعد توقفها لأكثر من عام.
وإذا كان عام 2023 يمثل سجلا سيئا للرئيس جو بايدن، فمن المنتظر أن يكون عام 2024 أكثر اضطرابا، وخاصة بسبب الطريقة التي قد تتفاعل بها السياسة الأميركية غير المستقرة مع القضايا العالمية.
وإذا كانت البيئة الدولية تنذر بأوقات عصيبة في 2024 لبايدن خارجيا، تبقى الحلقة الأضعف ممثلة فيما ستشهده الولايات المتحدة ذاتها في ظل انتخابات مصيرية قد تأتي بترامب رئيسا للمرة الثانية، رغم مواجهته سلسلة معقدة من الاتهامات والمحاكمات.
ويعني فوز ترامب مضاعفة المخاوف من أنه قد يؤدي إلى الإضرار بالديمقراطية الأميركية واضطراب في النظام العالمي، خاصة لو كرر هجماته المستمرة على حلف الناتو أو رفضه لتغير المناخ، ووعوده باستخدام التعريفات الجمركية لحماية المنتجات الأميركية.
من هنا، سيختبر عام 2024 قوة الرئيس بايدن وقدراته، وستخبرنا نهاية سنة 2024 إذ ما كان بايدن يمكنه مواجهة أعداء الخارج ومنافسي الداخل.