سجل طويل لإسكات صوت الحقيقة.. صحفيون في مرمى نيران إسرائيل

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 13 دقيقة للقراءة

لا تكف نيران الاحتلال الإسرائيلي عن حصد الصحفيين؛ فقد كشف استشهاد 13 صحفيا وإصابة آخرين خلال أسبوع، سجلا طويلا من القتل الممنهج الذي يستهدف به الاحتلال الصحفيين ومقار عملهم، في إطار يُوصف بأنه “نمط فتاك مستمر منذ عقود”، بينما مرّت كل هذه الجرائم بلا محاسبة.

وكشف بيان لـ”منتدى الإعلاميين الفلسطينيين” -اليوم الاثنين- ارتفاع عدد الإعلاميين الذي قضوا منذ إطلاق عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الجاري إلى 13 شهيدا.

والجمعة الماضية، استشهد الصحفي اللبناني عصام عبد الله -الذي يعمل في وكالة رويترز- وأصيب 6 صحفيين آخرين هم: الزميلان في شبكة الجزيرة كارمن جوخدار وإيلي براخيا، وثائر السوداني وماهر نازح، من رويترز، وكريستينا عاصي وديلان كولنز، من وكالة الصحافة الفرنسية.

 

وأكد مصدر أمني لبناني أن طائرة “أباتشي” إسرائيلية هي التي استهدفت الصحفيين بصاروخ موجه في علما الشعب جنوبي لبنان.

وكان الصحفيون فوق تلة لرصد الأحداث في جنوب لبنان، وبعيدين عن أي موقع عسكري، كما كانوا يضعون إشارات للتعريف بهم بوصفهم صحفيين.

وقد أدانت شبكة الجزيرة الإعلامية الاعتداء الإسرائيلي الجديد على الصحافة، وحمّلت إسرائيل المسؤولية القانونية والأخلاقية الكاملة عن هذا “الاعتداء الغاشم”، كما طالبت المجتمع الدولي بالتحرك لضمان سلامة الصحفيين ومحاسبة كل من يقف وراء هذا “العمل الإجرامي” الذي لن ينجح في إرهاب طواقمها.

صورة نشرها موقع “بي بي سي” لتوقيف فريقه من السلطات الإسرائيلية

اعتداء على فريق “بي بي سي”

والجمعة أيضا، أعلنت شبكة “بي بي سي” البريطانية أن فريقها الصحفي في إسرائيل تعرض للاعتداء والاحتجاز تحت تهديد السلاح، بعد أن أوقفتهم الشرطة في مدينة تل أبيب.

وقالت الشبكة -في بيان نشر على موقعها الرسمي-، “كان مهند توتنجي، وهيثم أبو دياب، وفريق بي بي سي عربي في طريقهم إلى أحد الفنادق، عندما اعتُرضت سيارتهم”.

وأضافت، “سُحبت السيارة -التي تحمل علامة تلفزيون بالخط الأحمر- وفُتِشوا ودُفعوا باتجاه الحائط”.

وقال توتنجي وأبو دياب، إنهما عرّفا نفسيهما على أنهما صحفيان في “بي بي سي”، وأظهرا للشرطة بطاقات الهوية الصحفية.

وأثناء محاولته تصوير الحادثة، قال توتنجي، إنه رُمي هاتفه على الأرض، وضُرب على رقبته.

ولغزة النصيب الأكبر

وفي غزة -التي تتعرض لقصف مكثف على مدار الساعة منذ إطلاق المقاومة الفلسطينية عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الجاري- وثّقت وحدة الرصد والمتابعة بالمكتب الإعلامي في قطاع غزة، عشرات الاعتداءات بحق الصحفيين، ومن يمكنهم نقل جرائمه -التي يرتكبها بالصوت والصورة- ما أسفر عن استشهاد 12 منهم حتى الآن.

وأعلن المكتب، ومن بعده منتدى الإعلاميين الفلسطينيين، أسماء الصحفيين الذين قتلهم الاحتلال؛ وهم: حسام مبارك، وأحمد شهاب، وعلي نسمان، ومحمد أبو مطر، وإبراهيم لافي، ومحمد جرغون، ومحمد الصالحي، وأسعد شملخ، وسعيد الطويل، ومحمد صبح أبو رزق، وهشام النواجحة، والصحفية سلام ميمة التي استشهدت وزوجها وأطفالهما الثلاثة.

وفي غزة أيضا، فإن من لا يُستهدف بالنيران، ينتظره الاعتقال؛ فقد أعلنت عائلة الصحفي نضال الوحيدي، الأحد الماضي، أن ابنها أسير لدى قوات الاحتلال، عقب اعتقاله برفقة آخرين، خلال تغطية الأحداث التي اندلعت أثناء اقتحام حاجز إيرز “بيت حانون” شمالي قطاع غزة.

كما اعتقلت قوات الاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية الصحفيين مصطفى الخواجا، وصبري جبر، وعبد الناصر اللحام، ومعاذ عمارنة.

وتعرض طاقم قناة “القاهرة الإخبارية”، للاعتداء خلال تغطية الأحداث في القدس، ووجهت قوات الاحتلال السلاح في وجه الطاقم وأجبروهم على إخلاء المكان.

A mural of slain of Al Jazeera journalist Shireen Abu Akleh adorns a wall, in Gaza City, Sunday, May 15, 2022. Abu Akleh was shot and killed while covering an Israeli raid in the occupied West Bank town of Jenin on May 11, 2022. (AP Photo/Adel Hana)
جدارية في غزة لمراسلة الجزيرة شيرين أبو عاقلة التي اغتيلت برصاص الاحتلال في جنين بالضفة الغربية (أسوشيتد برس)

شيرين أبو عاقلة.. المهمة الأخيرة

وقبل عام ونيّف، وتحديدا في 11 مايو/أيار 2022، كان اغتيال مراسلة قناة الجزيرة الزميلة شيرين أبو عاقلة فاجعة كبرى للجمهور العربي، الذي اعتاد وجهها وصوتها وتقاريرها على مدى أكثر من 25 عاما.

وفي صبيحة ذلك اليوم، توجهت شيرين إلى مهمتها الصحفية الأخيرة لتغطية اقتحام قوات الاحتلال مخيم جنين في الضفة الغربية المحتلة، وبرفقتها صحفيان فلسطينيان والمنتج علي السمودي، وكانوا جميعا يرتدون سترات تحمل شارة “صحافة” باللغة الإنجليزية بأحرف بيضاء كبيرة على الصدر وعلى الظهر.

فجأة، دوّت 6 رصاصات، أصابت إحداها السمودي في كتفه. انحنى الصحفيون للاختباء ثم أُطلقت دفعة ثانية من الرصاص، أصابت رصاصة شيرين خلف رأسها في الفجوة الموجودة بين خوذتها وسترتها الواقية من الرصاص، مما أدى إلى قتلها فورا.

وعلى الرغم من محاولة الاحتلال في البداية الادعاء بأن إطلاق النار كان على “إرهابيين”، فإنه عاد مرة أخرى إلى التشكيك بمصدر إطلاق النار وقال، إن الصحفيين أصيبوا برصاص الشبان المقاومين، وهو ما نفاه شهود العيان من الصحفيين الذين رافقوا شيرين خلال إصابتها.

وجاء في بيان شبكة الجزيرة -آنذاك- “في جريمة قتل فاجعة تخرق القوانين والأعراف الدولية، أقدمت قوات الاحتلال الإسرائيلي بدم بارد على اغتيال مراسلتنا شيرين أبو عاقلة”.

وطالبت الجزيرة بـ”إدانة ومحاسبة قوات الاحتلال الإسرائيلي، لتعمدها استهداف وقتل الزميلة شيرين أبو عاقلة”، لكن شيئا من هذا لم يحدث حتى الآن.

ولاحقا، أجريت تحقيقات مستقلة عدة من مؤسسات إخبارية أميركية، بما فيها صحيفة نيويورك تايمز، وصحيفة واشنطن بوست، ووكالة أسوشيتد برس، إضافة إلى المجمع البحثي “بيلنغكات” الذي يتخذ من هولندا مقرا له، وجميعها خرجت بالنتيجة ذاتها: أن عنصرا من قوات الاحتلال الإسرائيلي أطلق -على الأرجح- الرصاصة.

ووجدت محطة “سي إن إن” دليلا على أن هذا الاعتداء مقصود. كما وجدت المجموعة البحثية “فورينزك آركيتيكتشر” -التي تتخذ من لندن مقرا لها- ومنظمة “الحق” -المعنية بحقوق الإنسان التي تتخذ من رام الله مقرا لها- دليلا على أن الجيش الإسرائيلي استهدف شيرين أبو عاقلة وزملاءها الصحفيين بنية القتل.

سجل أسود للاحتلال

ويزخر سجل قوات الاحتلال الإسرائيلي باعتداءات ممنهجة على الصحفيين والعاملين في مجال الإعلام، راح ضحيتها -قبل عملية طوفان الأقصى- ما يزيد عن 46 منهم، كما يكشف العدوان على غزة في 2021 -خلال معركة “سيف القدس”- استهداف عدد من مقار وسائل الإعلام بغارات جوية.

وحسب تقرير لمنظمة “مراسلون بلا حدود”، تعرّض أكثر من 144 صحفيا فلسطينيا وأجنبيا، لاعتداءات جيش الاحتلال خلال تغطيتهم الأحداث بفلسطين المحتلة، خلال السنوات ما بين 2018 و2022، بما في ذلك إطلاق النار عليهم، ورشقهم بقنابل الغاز والقنابل الصوتية، والضرب بالعصي، والسحل، مما خلَّف إصابات بليغة نتج عن أغلبها عاهات دائمة، كفقدان الأطراف والأعين، والتشوهات في الوجه.

ومن ذلك، ما أصاب الصحفي يوسف الكرنز، الذي فقد ساقه اليسرى أثناء تغطيته أحداث مسيرة العودة في 2018، والصحفي بتلفزيون القدس سامي مصران، الذي فقد عينا بعد أن أصيب بالرصاص في 2019، ومراسل وكالة الأناضول علي جاد الله، الذي استُهدف لثالث مرة برصاصة مطاطية في رأسه.

وحسب نقابة الصحفيين الفلسطينيين، فقد أدت هذه الاعتداءات إلى استشهاد أكثر من 46 صحفيا منذ 2000 وحتى 2022، بينهم صحفي “صوت الأقصى” يوسف أبو حسين الذي استشهد 2021 جراء القصف الإسرائيلي لمدينة غزة، وصحفي وكالة أسوشيتد برس الإيطالي سيموني كاميلي، الذي قُتل برفقة مترجمه الفلسطيني علي شهة جراء انفجار صاروخ إسرائيلي في غزة 2014.

ووفق تقرير “لجنة حماية الصحفيين”، يشكل الفلسطينيون 90% من الصحفيين والإعلاميين الذين قُتلوا على يد الجيش الإسرائيلي. أما الـ10% فكانوا من الصحفيين الأجانب.

المصور الصحفي مؤمن قريقع أمام البناية التي كانت تضمن مؤسسة آيديا للانتاج الإعلامي وقد دمرها القصف الاسرائيلي
المصور الصحفي مؤمن قريقع أمام البناية التي كانت تحتضن مؤسسات إعلامية ودمرها قصف إسرائيلي (الجزيرة)

قصف واعتداءات

ولا يقتصر استهداف قوات الاحتلال الإسرائيلي لوسائل الإعلام على أشخاص العاملين بها؛ فقد أشار “منتدى الإعلاميين الفلسطينييين” إلى أن الاحتلال الإسرائيلي دمّر مقار عدة مؤسسات إعلامية في غزة، منها وكالة شهاب، ومكتب صحيفة الأيام، وشركة “إيفينت” للخدمات الإعلامية، ومكتب اليوم الإخباري، ووكالة معا وسوا، وإذاعة القرآن الكريم، وإذاعة بلدنا، ومؤسسة فضل شناعة، وغيرها من المؤسسات ممن لم يتم رصدها بسبب العدوان.

كما شهد العدوان على غزة في عام 2021 تدمير مقار عدد من وسائل الإعلام العربية والدولية. ووثقت نقابة الصحفيين الفلسطينيين تدمير أكثر من 33 مؤسسة إعلامية خلال 10 أيام من القصف الإسرائيلي، أبرزها: شبكة الجزيرة ووكالة أسوشيتد برس الأميركية.

وفي 15 مايو/أيار 2021 استهدفت 4 صواريخ إسرائيلية برج الجلاء، الذي يضم مقار عدد من وسائل الإعلام الدولية والمحلية في غزة. وقبل ذاك استهدفت الطائرات الحربية برج الشروق الواقع في الحي نفسه، الذي يضم مقار 15 من وسائل الإعلام؛ أبرزها: قناة روسيا اليوم والتلفزيون الألماني “زي دي إف” وتلفزيون دبي.

وأدان الاتحاد الدولي للصحفيين عمليات الاستهداف هذه، وقال أمينه العام أنتوني بيلانجي، إن “الاستهداف الممنهج للمؤسسات الإعلامية هو محاولة مخزية من الجيش الإسرائيلي لإسكات صوت الإعلام، الذي ينقل الأخبار عن العنف الذي يمارسه في غزة، وهو مخالف للقانون الدولي. ويجب وضع حد لاستهداف الصحفيين والاعتداءات المقصودة عليهم”.

إفلات من العقاب

وفي بيان صدر بمناسبة الذكرى السنوية الأولى لاغتيال الزميلة شيرين أبو عاقلة، ونشرته الأمم المتحدة، حذر الخبراء من أن العدالة في قضيتها لا تزال “رهينة السياسة” بينما أخفقت السلطات الإسرائيلية -حسب تعبيرهم- في محاسبة مرتكبي عملية القتل، رغم إشارة تحقيقات مستقلة إلى ضلوع قواتها فيها.

ويشير تقرير “لجنة حماية الصحفيين” إلى “نمط في الاستجابة الإسرائيلية يبدو مصمما للتملص من المسؤولية. فقد أخفقت إسرائيل في إجراء تحقيقات كاملة بشأن أحداث القتل هذه، ولم تجرِ تحقيقات معمقة إلا عندما يكون الضحية أجنبيا، أو عندما يكون الصحفي القتيل موظفا لدى مؤسسة إعلامية بارزة. وحتى في تلك الحالات، سارت التحقيقات ببطء شديد واستغرقت شهورا أو سنوات، وانتهت بتبرئة الأشخاص الذين أطلقوا النيران”.

ويقول جيش الاحتلال باستمرار، إن جنوده أطلقوا النار للمحافظة على سلامتهم، أو أنهم تعرضوا لهجوم، وفي بعض الحالات، تصف السلطات الإسرائيلية الصحفيين بأنهم إرهابيون، أو تبدو بأنها لا تكترث أبدا بمقتل الصحفيين.

وعادة ما تتجاهل تحقيقات الاحتلال إفادات الشهود والتقارير المستقلة، كما تظل التحقيقات العسكرية سرية، ولا ينشر الجيش الإسرائيلي الأدلة التي تستند إليها نتائج تحقيقاته.

ورغم التحقيقات العديدة التي أجراها جيش الاحتلال الإسرائيلي، لم تُوجّه اتهامات لأي أحد ولم يخضع أحد للمساءلة بشأن هذه الوفيات. ويشير تقرير “لجنة حماية الصحفيين” إلى أن الإفلات من العقاب أدى إلى تقويض شديد لحرية الصحافة، وتعريض حقوق الصحفيين للخطر.

ويُشبّه التقرير الإجراءات الإسرائيلية الخاصة بالتحقيق في حالات قتل الاحتلال للمدنيين -ومنهم الصحفيون- بـ”الصندوق الأسود”؛ إذ لا توجد وثيقة سياسات تصف هذه العملية بالتفصيل، بينما تظل نتائج كل التحقيقات سرية. فهل يأتي يوم يُحاسب فيه الجناة على “إسكات صوت الحقيقة”؟

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *