باريس- ما مصير القوات الفرنسية في النيجر؟ سؤال يستحق الطرح بعد إعلان رئيس الوزراء الجديد -الذي عينه المجلس العسكري- علي الأمين زين، الاثنين الماضي، أن “نقاشات” تجري مع القوات الفرنسية المتمركزة في البلاد لتنسيق رحيلها “بأقصى سرعة”.
وبعد 5 أسابيع من التوترات، اعترفت وزارة القوات المسلحة الفرنسية أمس الأربعاء السادس من سبتمبر/أيلول بفتح النقاش حول كيفية انسحاب بعض العناصر العسكرية، بدون تحديد الوحدات المعنية بذلك.
ويوجد حاليا قرابة 1500 جندي في البلاد، معظمهم في القاعدة الجوية “بي إيه بي” (BAP) الواقعة قرب مطار العاصمة نيامي، إلى جانب قاعدتي ولام وأيورو، فيما يسمى “المنطقة الحدودية الثلاثية” بين النيجر وبروكينا فاسو ومالي.
ويرى سفير فرنسا السابق لدى مالي ودول الساحل والصحراء نيكولا نورمان، أن باريس وصلت إلى موقف “ستخسر فيه لأنها تدافع عن قضية عادلة على المستوى القانوني ولكنها خاسرة سياسيا، إذ من غير الممكن عودة الرئيس محمد بازوم إلى منصبه، والتي كانت ستصبح النتيجة المشرفة الوحيدة لباريس من هذه الأزمة”.
تدخلات محرجة
ويقول نورمان للجزيرة نت “أرى أن التدخلات العامة للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ووزرائه الذين ينتقدون بشدة الانقلاب في النيجر محرجة بالفعل، لذا كلما زادت التصريحات العدائية، دخلنا أكثر في دوامة تلاعب قادة الانقلاب بنا”.
ويعتبر نورمان أن مسألة التشبث بالسفير غير معقولة وغير موضوعية “حيث إن الأمر -قانونيا- ليس بهذا الوضوح وعادة ما تعترف الدول ببعضها البعض ولا تعترف بالحكومات، ما يجعل موقفنا ليس ثابتا كما ندعي”.
ويتابع “إذا كان من الضروري عدم الرضوخ، فقد كان يمكن القول إنه (السفير الفرنسي) لم يُطرد وإنما قررنا استدعاءه للتشاور، وسنكون نحن من قرر الاتصال به. كان بإمكاننا الخروج من هذه الأزمة بمهارة وذكاء، لكننا لم نفعل ذلك”.
من جهته، يرى الجنرال السابق في الجيش الفرنسي والخبير في العلاقات الدولية فرانسوا شوفانسي أن خيارات فرنسا واضحة وتتمثل في سحب قواتها من القاعدة العسكرية الفرنسية في نيامي “بهدوء” لأنها لا تستطيع الرهان على رحيل قادة الانقلاب الذين قد يحاولون التلاعب بالشعب النيجري ودفعهم إلى إحداث شغب لاقتحام السفارة الفرنسية هناك، وفق رأيه.
وعبر شوفانسي عن مخاوفه من وقوع اشتباك خطير بين المدنيين العُزل والجنود والدرك الذين يحمون السفارة من الداخل أو القوات الفرنسية، مؤكدا “لا مجال أمام باريس للعودة عن مواقفها، خاصة فيما يتعلق بدعم الرئيس المنتخب بازوم”.
ويعتبر، المتحدث ذاته، أن الأمور خرجت عن سيطرة باريس لأنها لو أرادت التأثير فعليا في حل الأزمة خلال 24 ساعة، لتمكنت قواتها المسلحة من استعادة بازوم ووضعه على رأس الدولة وسجن الجنرالات، وفق رأيه.
مفاوضات سرية
وتوقفت الجيوش الفرنسية عن دعم جنود النيجر منذ الثالث من أغسطس/آب بعد تنديد الجنرالات -الذين استولوا على السلطة في نهاية يوليو/تموزـ بعدة اتفاقيات تعاون عسكري بين البلدين خلال حكم بازوم، وتم تعليق جميع الأصول العسكرية -وخاصة العمليات الجوية- بما في ذلك الطائرات بدون طيار والمروحيات والطائرات المقاتلة.
ولا تعترف فرنسا بالسلطات الجديدة في نيامي حتى الآن وتصر على الاحتفاظ بسفيرها هناك في الوقت الحالي. كما استبعدت أي انسحاب عسكري كامل من النيجر.
ووفق نيكولا نورمان فإن فرنسا بدلا من أن تدرك هشاشة موقفها، وضعت نفسها في المقدمة وعزلتها دبلوماسيا وركزت على دعم العملية العسكرية من قبل المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا “إيكواس”، بينما اكتفت باقي الدول الأوروبية بدعم بازوم.
ويضيف السفير السابق “من بعيد، سيظهر أن إيكواس ستكون أداة في يد فرنسا ترغب من خلالها في شن حرب في النيجر، لكن ذلك غير صحيح لأن باريس لا تريد خوض الحرب وإيكواس لا تملك الوسائل اللازمة لتنفيذ العملية العسكرية ولهذا تفقد مصداقيتها مع مرور الوقت”.
ويؤكد الجنرال السابق في الجيش الفرنسي ضرورة تسليط الضوء على التكلفة الثقيلة التي ستتكبدها فرنسا عند سحب قواعدها العسكرية من أفريقيا “خاصة أنها لا توجد هناك للمتعة وإنما استنادا على طلب حكومة النيجر”، قائلا “إن هجمات الجماعات الإرهابية زادت بنسبة 600% طوال الشهر الماضي”.
وبرأيه، فإن الوضع السياسي المتأزم ووجود حكومة غير شرعية يؤرقان باريس إلى حد كبير، ما سيدفعها إلى عدم الانسحاب من النيجر بشكل كلي، ويضيف أنه في ظل حالة الجمود السياسي بين باريس ونيامي، فبالإمكان سحب الموارد البشرية والمادية المخصصة لمكافحة الإرهاب من النيجر، لا سيما عبر كوتونو (العاصمة الاقتصادية لبنين)، باتجاه فرنسا، وتشاد المجاورة، أو حتى نحو مسارح أخرى ينشط فيها الجهاديون، مثل الشرق الأوسط”، وفقا للجنرال السابق في الجيش الفرنسي.
فخ متكرر
في سياق متصل، يعتقد السفير الفرنسي السابق في مالي أن بلاده وقعت في فخ سياسي وعسكري متكرر لأسباب نفسية متعلقة بماكرون الذي كان يُكن تقديرا كبيرا لبازوم، مضيفا “لقد تم طردنا من مالي وبروكينا فاسو وكانت النيجر مركز التعاون الفرنسي في مكافحة الإرهاب”.
ويقول نورمان “نرى أن الأميركيين يتخذون موقفا براغماتيا وعمليا أكثر من الفرنسيين، حتى إنهم يصفون ما يحدث بمحاولة انقلاب وليس انقلابا”.
وبشأن أزمة السفير، يوضح نورمان أن الانقلابيين طلبوا أولا شفهيا طرد السفير ثم قدموا أوراقا لطرده للمرة الثانية، ويؤكد “كان علينا إخبار السلطات النيجرية بسرية: نحن لا نعترف بكم وطلبكم لا قيمة له بالنسبة لنا، وكان على باريس إعادة سفيرها للتشاور لحل المشكلة ببساطة”.
ويحذر السفير الفرنسي السابق من أن النيجر تواجه سيناريو التدهور الاقتصادي والأمني في ظل وضع متدهور سياسيا، وأن البلاد أمام سيناريوهين، أولهما الاقتراب من الدول الغربية لاستعادة بعض النظام في شؤونها الداخلية، والثاني “استيلاء الجهاديين على السلطة”.
ويشدد شوفانسي على أن الأمور لا تتحرك بشكل سريع بين البلدين بالتزامن مع فتح النيجر مجالها الجوي أمام الرحلات غير العسكرية، لافتا إلى أن باريس تسعى وراء التصريحات الكبيرة وتقف في وضعية الانتظار لكسب الوقت ومحاولة إيجاد حل يحفظ ماء الوجه أمام الحظر الذي يفرضه الانقلابيون.
وأضاف أن باريس على الصعيد الدبلوماسي تحاول استغلال الوقت قدر الإمكان وتسعى للحوار رغم رفض الانقلابيين استقبال الوفود التي سافرت إلى نيامي، ويرى أنه يجب ترك الأفارقة يحلون مشاكلهم بأنفسهم”.