خبير بالعفو الدولية: تحققنا من استخدام إسرائيل الفوسفور الأبيض في غزة وجنوب لبنان

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 9 دقيقة للقراءة

باريس- بعد قطع الماء والدواء والوقود وفرض التهجير القسري، يبدو أن أساليب جيش قوات الاحتلال الإسرائيلي في قتل وتعذيب الفلسطينيين لم تشف غليله بعد، وأدخل أسلحة جديدة في حربه المستمرة على قطاع غزة.

وثق تحقيق أجراه برنامج الاستجابة للأزمات التابع لمنظمة العفو الدولية المعنية بحقوق الإنسان، استخدام جيش الاحتلال قذائف الفوسفور الأبيض في مناطق مكتظة بالسكان في القطاع المحاصر وجنوب لبنان.

ويأتي هذا التحقيق في أعقاب قصف الاحتلال للقطاع على نحو غير مسبوق، وارتكابه هجمات عشوائية وغير قانونية في حق المدنيين العزل والنازحين في أماكن كانوا يعتقدون أنها آمنة.

أدلة دامغة

اعتمدت منظمة العفو الدولية في تحقيقها على شهادات أطباء ومرضى تعرضوا لحروق، فضلا عن تحديد مواقع التقاط مقاطع فيديو وصور، أكدت بشكل لا يجعل مجالا للشك استخدام الجيش الإسرائيلي للفوسفور الأبيض في جنوب لبنان وغزة.

وقال إيميريك إيلوين، خبير الأسلحة في المنظمة بفرنسا إنه رغم وجود أنواع مختلفة من المتفجرات، كان من السهل التعرف على قذائف الفوسفور التي أطلقتها إسرائيل من مدافع الهاوتزر، لأنها تتميز بذخائر تشبه الألعاب النارية التي تضيء في السماء، وتشتعل عند ملامستها الهواء، متسببة بدخان كثيف ورائحة كريهة جدا، حسب وصفه.

وأكد إيلوين في حديثه للجزيرة نت أن المنظمة وثقت هذه الحالات في جنوب لبنان و قطاع غزة، معتبرا أن هذا الأمر ليس جديدا، وأن إسرائيل اقترفت الجريمة نفسها في عام 2009 على نطاق واسع في القطاع، ووثقت المنظمة حينها إصابات خطيرة للغاية بين السكان المدنيين.

ويستخدم الفوسفور الأبيض بشكل أساسي لإنشاء حاجز دخان كثيف أو لتحديد الأهداف. ويمكن أن يعاني الأشخاص الذين يتعرضون للمادة الحارقة من تلف في الجهاز التنفسي وفشل في الأعضاء. كما يصعب علاج الحروق، ولا يمكن إطفاؤها بالماء، إذ يؤدي تعرض 10% من جسم الإنسان لها إلى الموت.

والتحقيق ـ بتفاصيله المؤرخةـ متاح لدول العالم والمحكمة الجنائية الدولية وجميع السلطات التي ترغب في استخدامه لتحقيق العدالة.

وفي سياق متصل، أكد خبير الأسلحة نفسه أن المنظمة قدمت مناشدة إلى الحكومة الفرنسية لإخبار الإسرائيليين بضرورة التوقف عن استخدام هذا النوع من الذخيرة، لأن فرنسا -باعتبارها دولة تتحمل مسؤولية ضمان احترام القانون الدولي- ملزمة بذلك، قبل أن يستطرد قائلا “لكننا لم نتلق أي رد منها حتى الآن”.

مدافع أميركية

وفي التاسع من أكتوبر/تشرين الأول، نشرت قوات الدفاع الإسرائيلية مدافع هاوتزر “إم 109” عيار 155 ملم بجوار مدينة سديروت، التي تعرضت لهجوم سابق من قبل حماس، وتقع على بعد نحو كيلومتر واحد من السياج الحدودي بين إسرائيل وغزة.

وأظهرت العديد من الصور التي تم التحقق منها قذائف مدفعية “إم 825” و”إم 825 إي 1″، التي تحمل أيضا اسم “دي 528″، وهو رمز تعريف وزارة الدفاع الأميركية للقذائف المستندة إلى الفوسفور الأبيض، وفق خبير الأسلحة.

ويبلغ مدى مدافع الهاوتزر نحو 22 كيلومترا، مما يعني أن إطلاقها من سديروت سيجعلها تقع ضمن نطاق النصف الشمالي من قطاع غزة.

وأظهرت أدلة الفيديو الإضافية التي اطلعت عليها المنظمة غير الحكومية أن قذائف المدفعية تنفجر في الجو، وتطلق جزيئات بيضاء كثيفة تنتج دخانا، وهو ما يتوافق مع استخدام قذائف هذه المدفعية.

كما تتميز هذه القذائف بلون أخضر شاحب مميز وشرائط باللونين الأحمر والأصفر. ورغم أن هذه رموز وتسميات أميركية، فإن منظمة العفو الدولية قالت إنها “غير قادرة على التأكد من مكان تصنيع هذه القذائف”.

جندي إسرائيلي يعدل قذيفة مدفعية عيار 155 ملم قرب الحدود مع لبنان (الفرنسية)

غزة والبلدات اللبنانية

وفي الأيام الأخيرة، أشارت عدة مقاطع فيديو إلى استخدام قذائف مدفعية تحتوي على فوسفور أبيض عيار 155 ملم في شمال غزة، ولا سيما في ميناء غزة والفنادق القريبة منه.

وبحسب تحقيق المنظمة، قد تم تحديد الموقع الجغرافي لإطلاق هذه الذخائر بتاريخ 11 أكتوبر/تشرين الأول، عند الإحداثيات 31.518279° 34.445217°، في محيط برج بنك فلسطين، في منطقة الزيتون المتضررة بشدة، قرب حديقة الجندي المجهول.

وقالت منظمة العفو الدولية الثلاثاء الماضي إن الجيش الإسرائيلي أطلق قذائف مدفعية تحتوي على الفوسفور الأبيض، وهو سلاح حارق، خلال العمليات العسكرية التي نفذها في الظهيرة وبلدتي الماري وعيتا الشعب على طول الحدود الجنوبية للبنان في الفترة بين 10 و16 أكتوبر/تشرين الأول.

وأجرى متخصصون مقابلات مع رئيس بلدية الظهيرة ومنقذ ساعد في نقل المدنيين المصابين إلى مستشفى قريب، وطبيب طوارئ يعمل في المستشفى الذي استقبل الجرحى.

وشدد إيلوين للجزيرة نت على أن هذا النوع من الذخيرة غير مخصص للاستخدام في المناطق المكتظة بالسكان، لأنه “لا يجعل إمكانية التمييز بين هدف عسكري وآخر مدني ممكنة، وإنما لتحديد الأهداف أو لإخفاء الأهداف العسكرية المتحركة ولإضاءة مناطق القتال”.

وأردف “ندق اليوم ناقوس الخطر لإنقاذ الأرواح قدر الإمكان، لأن ما نراه هو جرائم ومجزرة بشعة. فعلى سبيل المثال، وثقنا حالة عائلة مؤلفة من 15 فردا في غزة تم تصفيتها بالكامل”.

ولفت الخبير ذاته إلى أن المنظمة لديها متعاونون في القطاع يزودونها ببعض المعلومات، لأن السلطات الإسرائيلية رفضت منحها تفويضات للعمل هناك منذ عام 2012.

شهادات

وحسب شهادة الدكتور هيثم نصر، طبيب الطوارئ في المستشفى اللبناني الإيطالي للمنظمة، عالجت الفرق الطبية يومي 16 و17 أكتوبر/تشرين الأول 9 حالات من بلدات الظهيرة ويارين ومروحين كانوا يعانون ضيقا في التنفس والسعال الناتج عن استنشاق الفوسفور الأبيض.

من جانبه، أشار علي صفي الدين المدير الإقليمي للدفاع المدني اللبناني، الذي سهّل نقل المدنيين المصابين إلى المستشفى، إلى أن المجتمع المدني التابع للدفاع المدني تلقى نداءات للمساعدة من السكان الذين تحدثوا عن “قذائف التي تنبعث منها رائحة كريهة، وتسبب حالات اختناق عند استنشاقها”.

وأضاف صفي الدين في شهادته “لم نتمكن حتى من رؤية أيدينا، بسبب الدخان الأبيض الكثيف الذي غطى المدينة طوال الليل، وحتى الصباح”.

ووصف رئيس بلدية الظهيرة عبد الله الغريب المشهد قائلا “لم نكن نرى أمامنا أكثر من 5 أو 6 أمتار، وكان الناس يفرون من منازلهم في حالة هستيرية. وعند عودة البعض بعد يومين، كانت منازلهم لا تزال مشتعلة”.

وتابع “حتى اليوم، ما زلنا نعثر على بقايا -بحجم قبضة اليد- تشتعل من جديد عند تعرضها للهواء”.

الموقف القانوني

تعتبر ذخائر الفوسفور الأبيض أسلحة حارقة تخضع للبروتوكول الثالث لاتفاقية الأسلحة التقليدية التي انضم إليها لبنان وفلسطين في عام 2017، وامتنعت عنه إسرائيل.

ويحظر هذا النص الدولي استخدام الأسلحة الحارقة التي يتم إسقاطها جوا في المناطق التي بها “كثافة عالية من المدنيين”.

وانتقد جيل ديفير، المحامي المعتمد لدى المحكمة الجنائية الدولية، هذا البروتوكول، لأنه يعرّف الأسلحة الحارقة بـ”أي سلاح أو ذخيرة مصممة بشكل أساسي لإشعال النار في الأشياء أو إلحاق الحروق بالأشخاص”.

وتابع في حديثه للجزيرة نت أن هذه الثغرة تعطي حجة لجيش الاحتلال للقول إنه يستخدم الفوسفور الأبيض بهدف خلق ستار من الدخان فقط، لافتا في الوقت نفسه إلى أن النص ينطبق على القصف الجوي، وليس على المدفعية الأرضية.

واستدرك المحامي ذاته بالقول إن إسرائيل “لا يمكنها المطالبة بأي شرعية لهذه التفجيرات بفضل قواعد القوانين الدولي الإنساني، حتى وإن لم ترغب في التصديق على هذه المعاهدة الدولية”.

وبموجب النظام الأساسي للمحكمة الجنائية، أكد المحامي أن ما تقوم به إسرائيل من تجاوزات واستخدامها الفوسفور الأبيض ضد المدنيين يمثل جرائم حرب.

من جانب آخر، يعتقد إيميريك إيلوين أن جهود العفو الدولية ستذهب سدى، ويخلص للقول “لكننا في الأخير لسنا دولا لديها جيوش وشرطة، نحن منظمة توثق انتهاكات حقوق الإنسان، وتذكر الدول بالتزاماتها التي يقع على عاتقها مسؤولية ضمان احترام القانون الدولي وحقوق الإنسان، لوضع حد لهذه الجرائم”.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *