كييف- عودة روسيا إلى استهداف قطاع الطاقة والمؤسسات العسكرية الأوكرانية هي بداية لما هو أسوأ، فالكرملين يستعد لهجوم كبير في صيف العام الجاري، حول هذه الفكرة يكاد يجمع الأوكرانيون.
وحذر الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، من أن الهجوم قد يكون في وقت مبكر من الصيف فعلا، داعيا الغرب إلى تسريع الدعم العسكري وزيادة حجمه، لأن “روسيا تستفيد من نافذة الفرصة الناجمة عن تباطؤ وتيرة المساعدات”، كما يرى.
دائرة الاستخبارات العسكرية في وزارة الدفاع تؤكد ذلك، وتدلل عليه بالقول إن “روسيا تخطط لإنتاج 40 صاروخا بصورة شهرية، لتنفيذ 2-3 ضربات ضخمة قبل الهجوم، تتزامن مع حشد نحو 150 ألف جندي بصورة عاجلة، و500 ألف بشكل عام حتى نهاية 2024”.
وتوقع رئيس دائرة الاستخبارات العسكرية، كيريلو بودانوف، أن تبدأ روسيا الهجوم فعلا في أواخر مايو/أيار أو أوائل يونيو/حزيران من السنة الجارية.
لماذا في الصيف؟
يفتح التوقع بأن يحدث الهجوم الروسي في فصل الصيف باب التساؤل عن السبب، خاصة أن الروس يفضلون بدء الحروب والمعارك شتاء، فهذا يصعب على الخصوم المقاومة، ويزيد المعاناة الناجمة عن استهداف مواقع الطاقة وغيرها من البنى التحتية.
ولتفسير ذلك، يقول الخبير في مجموعة “المقاومة الإعلامية”، أوليكساندر كوفالينكو، للجزيرة نت “وتيرة العمليات الهجومية، التي أطلقتها موسكو في سبتمبر/أيلول، تباطأت إلى حد ما، ولم تنجح إلا في السيطرة على أفدييفكا في فبراير/شباط الماضي”.
وأضاف “حسابات الكرملين مرتبطة بالانتخابات الرئاسية التي جرت في مارس/آذار. ربما كان فلاديمير بوتين يخشى رد فعل أوكرانيا بالمثل إذا ما استهدف منشآت الطاقة لدينا في فصل الشتاء، أو الإعلان عن حملات تعبئة واسعة تثير غضب الشارع قبل ضمان انتخابه مجددا بصورة سلسة”، على حد قوله.
وبحسب كوفالينكو، “في النصف الثاني من هذا العام، سيكون الروس قادرين على بدء عمليات هجومية جديدة. وبالنظر إلى وتيرة التجنيد وإصلاح وتشكيل الوحدات، قد يبدأ الهجوم في أغسطس/آب أو سبتمبر/أيلول”.
أولى الخطوات
ومهما اختلفت التوقعات حول موعد بداية الهجوم، بالنسبة لشريحة واسعة من الخبراء والمحللين تبقى السيطرة على كامل مقاطعتي دونيتسك ولوغانسك جنوب شرق أوكرانيا (إقليم دونباس) هدفا رئيسيا بالنسبة لروسيا، التي أطلقت “عمليتها العسكرية الخاصة” بحجة حمايتهما قبل أكثر من سنتين.
وفي هذا الإطار أيضا، أعلن أوليكساندر سيرسكي، رئيس هيئة الأركان الأوكراني، أن الجيش الروسي مأمور بالسيطرة على بلدة “تشاسيف يار” في مقاطعة دونيتسك قبل تاريخ 9 مايو/أيار المقبل، الذي يوافق “يوم النصر” في روسيا، في إشارة -ربما- إلى أن المعارك سوف تحتدم حول البلدة في خطوة تقدم جديدة، بعد سيطرة روسيا على مدينة أفدييفكا قبل أسابيع.
ووفق هذا الاتجاه، يرى الخبير كوفالينكو أن المدن الرئيسية المستهدفة بالهجوم المتوقع في المنطقة الشرقية ستشمل كراماتورسك وسلافيانسك وكراماتورسك، وكذلك مارينكو وفوهليدار، ثم منها إلى نوفوميخائيليفكا وبوبيدا وفوديان وسولودكي، وكلها في مقاطعة دونيتسك.
خاركيف مهددة
لكن خبراء يرون أن السيطرة على خاركيف شرقا هي من الأهداف الروسية الرئيسية في حربها وهجومها المتوقع، وكذلك على كييف، حتى وإن كانت المؤشرات لا تدل على أن العاصمة مهددة.
إيفان ستوباك، الخبير العسكري في “المعهد الأوكراني للمستقبل”، والمستشار السابق لشؤون الأمن العسكري في البرلمان الأوكراني، قال للجزيرة نت “مع بداية الحرب، عدد الجنود الروس داخل وحول أوكرانيا بلغ 360 ألفا (بما يشمل القرم و”جمهوريتي دونيتسك ولوهانسك” اللتين ضمتهما موسكو في سبتمبر/أيلول 2022)؛ واليوم تجاوز هذا الرقم 430 ألفا، وروسيا تجند شهريا نحو 30 ألفا”.
وتابع “من بين هؤلاء، حشدت روسيا أكثر من 100 ألف جندي على الحدود الشرقية لخاركيف. المقاطعة مهددة فعلا، والقصف المكثف عليها مؤشر على عزم الروس تدمير مدينة خاركيف إذا لم يستطيعوا دخولها، تماما كما فعلوا بماريوبول وسيفيرودونيتسك وليسيتشانك وباخموت وأفدييفكا”.
وفيما يتعلق بكييف، يعتبر ستوباك أن احتمال الهجوم عليها “مستبعد”، موضحا بالقول “إذا سقطت كييف انتصرت روسيا، لكنها تحتاج إلى ما لا يقل عن 100 ألف آخرين لفتح جبهة كييف من جديد. لا مؤشرات على وجود هذه الأعداد في شمال المقاطعة، سواء في روسيا أو بيلاروسيا. هذا الحشد يحتاج إلى ما بين 3-4 أشهر”.
و أعلن رئيس الإدارة العسكرية في العاصمة الأوكرانية، سيرهي بوبكو، أن “كييف لا تزال هدفا ذا أولوية بالنسبة للروس”، وأنه “تم إنشاء عدة خطوط دفاع حولها، بطول يبلغ نحو ألف كيلومتر”.
ما خيارات أوكرانيا؟
وأمام هذه التحديات شبه الوشيكة، يعترف الأوكرانيون بصعوبة موقفهم، الذي يصفه رئيس دائرة الاستخبارات بـ”الكارثي” دون مساعدة “الحلفاء الغربيين”، ويستمرون بطلب المساعدات ومزيد من أنظمة الدفاع الجوي.
إيفان كيريشيفسكي، خبير في وكالة للمعلومات والاستشارات، كتب لموقع “آر بي سي” (RBC) الأوكراني قائلا “تتمثل مهمة الجيش الأوكراني لهذا العام في ردع محاولات العدو للتقدم قدر الإمكان، وإجراء عمليات دفاعية تركز على تدمير منشآت ومستودعات العدو”.
لكنه نظر بتفاؤل إلى المستقبل القريب، رغم اعترافه بأن “قدرات أوكرانيا تعتمد على حجم المساعدة العسكرية”، حيث رأى أن “الوحدات الأوكرانية تتعافى إلى حد ما من الجوع إلى الذخيرة، الذي كان في يناير/كانون الأول الماضي، اعتمادا على إنتاجها المحلي (الناجم عن عمل 500 شركة وفق الرئيس زيلينسكي)، وكذلك على استعداد كثير من الدول لبيع السلاح والذخيرة بدلا من تقديمها كمساعدات”.
وفيما يتعلق بتحديات أخرى مثل تخلي الإدارة الأميركية المقبلة عن كييف، قال الخبير “حتى إذا فقدت أوكرانيا فجأة شريكا مهما مثل الولايات المتحدة، فإن أوروبا قادرة على إمساك “العصا” في المستقبل المنظور. أمام أوروبا فرصة كبيرة لتصبح قوية مثل الولايات المتحدة الأميركية”، على حد قوله.