عمان- “لقد حُرمنا من كل ما يمكن أن يسهم بتأثير حقيقي على الأرض لنصرة غزة، فلا أقل من الجود بالمال لعلنا نغسل شيئا من تقصيرنا” بتلك الكلمات افتتح مصعب الحراسيس، الناشط في تجمع أبناء حي الطفايلة في العاصمة الأردنية عمان حديثه عن تجربتهم في العمل الإغاثي لنصرة أهالي قطاع غزة، والتي ألهمت عشائر أخرى لإطلاق مبادرات مشابهة.
وشملت الحملات العشائرية الإغاثية معظم محافظات ومناطق المملكة الأردنية عبر تشكيل لجان شعبية بالتعاون مع جمعيات محلية ومنظمات إقليمية وهو الأمر الذي توجهت له الجهود، نظرا للحاجة الإنسانية الملحّة.
ويحكي الحراسيس للجزيرة نت كيف بدؤوا أول فعالية لهم على الأرض بشكل عفوي بعد قصف المستشفى المعمداني في القطاع، قائلا “خرجنا بمسيرة ضمّت المئات من أهالي الحي، حتى وصلنا لوسط العاصمة عمّان، وانضم إلينا المئات من الأردنيين في ذات الوقت الذي ضجّت به المملكة بمئات آلاف الأردنيين”.
ويتابع “بعد انخفاض زخم المشاركة في حراك الشارع الميداني لأسباب كثيرة منها التضييقات والقمع الأمني وبحث الناس عن أدوات وطرق أخرى لنصرة إخوانهم في غزة توجهنا للعمل الإغاثي بالتوازي مع الحراك الميداني الذي لم ينقطع”.
ويردف الناشط “بدأنا بالتواصل مع من نعرف من نشطاء العمل الإغاثي، وقررنا تجهيز سيارة إسعاف وتواصلنا مع منظمة أميال من الابتسامات للتنسيق، ثم أعلنا عن الحملة داخل الحي وبدأنا بجمع الأموال عبر المساجد واللجان الشعبية، ومن خلال حصالات تم توزيعها على المدارس والأطفال. كما أسهمت نساء الحي بالذهب والصيغة”.
وبعد جمع المبلغ توجه شخصان من الحي إلى مصر لمتابعة وصول السيارة وبالفعل دخلت إلى غزة بعد أيام، بحسب الحراسيس.
تجربة ملهمة
هذا العمل لأبناء حي الطفايلة أعطى حافزا كبيرا للكثيرين في الأردن خاصة بعد نشر فيديو وصول سيارة الإسعاف، مما أسهم بتشكّل عدد من المبادرات الشبابية بين عشائر ومناطق مختلفة في المدن الأردنية، كما دفع ذلك أبناء الحي إلى توسيع نطاق عملهم ليشمل كافة احتياجات القطاع.
ويؤكد مصعب الحراسيس أن مبادراتهم حققت إنجازات داخل قطاع غزة، وشرح ذلك قائلا “بحمد الله اليوم، وفي الأسبوع الثالث من رمضان لدينا عدة تكايا إفطار في مختلف مناطق القطاع بالتوازي مع مبادراتنا اليومية”.
وأضاف أنهم يقومون بإنشاء فرق إغاثية داخل القطاع، وهدفهم الوصول إلى جميع مراكز النزوح وإعداد قوائم مندوبين والعمل على كافة المحاور.
وإلى الشمال من العاصمة عمّان وبالتحديد في منطقة ساكب في محافظة جرش كانت تجربة أخرى لعشيرة العياصرة وأهالي البلدة حيث تم إطلاق حملة لجمع التبرعات وصلت حتى اليوم لنحو 40 ألف دينار أردني (الدينار يساوي 1.41 دولار) خلال أيام قليلة.
ويقول هيثم العياصرة أحد الناشطين في الحملة إن المحفز الرئيس كان تجربة أبناء حي الطفايلة والمشاعر الكبيرة تجاه ما يحصل في القطاع، فكانت مبادرة مجموعة شبابية من أبناء العشيرة لتشكيل لجنة لجمع التبرعات، وكان الترحيب كبيرا في مجتمع البلدة.
ويضيف “خلال عمليات الجمع شهدنا حالات ومواقف ترفع من المعنويات خاصة عندما تشاهد طفلا يأتي حاملا حصالته أو عامل “مياومة” يتبرع بيوميته بشكل كامل”، مشيرا إلى أن هذه هي البداية، وستستمر الحملة “حيث إن حجم الدمار والحاجة أكبر بكثير مما يتصوره عقل”.
مشروع المؤاخاة
وفي مدينة إربد، تم إطلاق مشروع “المؤاخاة” خلال إحدى التظاهرات المركزية، وتقوم فكرته على ربط العائلات في المدينة مع عائلات في قطاع غزة مباشرة، ويتم التحويل المالي لهم بشكل رسمي.
ويقول نضال أبو جويد أحد القائمين على المشروع إن الفكرة التي أطلقتها الحركة الإسلامية في المدينة استطاعت حتى اليوم ربط أكثر من 20 عائلة أردنية مع عائلات في القطاع.
ويشير أبو جويد إلى أن مبادرات العائلات في إربد متواصلة، حيث تم قبل أيام تسيير شاحنة معلبات طعام بقيمة 20 ألف دينار قامت عليها عشائر ديوان بيسان، كما أن هنالك عددا من اللجان العشائرية مثل عشائر العبيدات والعمري وبني هاني وعشائر منطقة الصريح والمنارة وحطين وغيرهم.
ويؤكد أبو جويد متحدثا للجزيرة نت على الحاجة الكبيرة لتبني كل عائلات المملكة لمثل هذه المبادرات المستدامة إذ إن “حجم الدمار والمأساة التي يقع تحتها أكثر من مليوني غزّي تفوق كل الجهود الحاليّة”.
“الحرية للمعتقلين”
ويقول الناشط في التجمع الشبابي لدعم المقاومة خالد الناطور إنه نظرا للتضييق على التحركات النوعية المؤثرة في الميدان، لا سيما تلك التي تدعو لعدم مد الاحتلال رسميا بالبضائع عبر الجسر البري، فإن العمل الإغاثي كان خيار الكثيرين، ووجدوا فيه ضالتهم بالتوازي مع استمرارهم في حراك الشارع.
ويستدرك الناطور “حتى هذا المستوى من العمل لم يسلم من التضييق والملاحقة الأمنية “، ويدلل على ذلك بما يرويه مسؤول في حزب جبهة العمل الإسلامي للجزيرة نت عن حالات اعتقال “بطريقة مروّعة” لبعض الناشطين في الجانب الإغاثي مثلما حصل مع الصيدلاني أحمد عايش الذي دهمته قوّة كبيرة بالعشرات ترافقها كلاب بوليسية وهو ما روّع أطفاله.
ويقول الناطور إن كل ما يتم القيام به من تحركات في الشارع مثل العمل الإغاثي أو النقد والتعبير عبر مواقع التواصل لا يمنعه القانون الأردني، ويدلل على ذلك بالحكم الذي صدر مؤخرا عن القضاء الأردني في القضية التي اعتقل على أساسها نتيجة انتقاده لعلاقة النظام مع الاحتلال والجسر البري، إذ قضت المحكمة بكون انتقاد العلاقات مع الاحتلال ليس جريمة.
ويرى أنه “يجري التعسف باستخدام قوانين الجرائم الإلكترونية الفضفاضة والتوقيف الإداري لمعاقبة الداعمين لأهلنا في غزة”.
وتؤكد المحامية هالة عاهد في حديثها للجزيرة نت أن كل من تم اعتقالهم على خلفيّة أنشطة مناصرة لقطاع غزة على إثر العدوان المستمر عليهم سواء في العمل الميداني أو الإغاثي لم يخالفوا القانون، مشيرة إلى أن من يخالف القانون والدستور الأردني هي السلطات التي تقوم باعتقالهم تعسفا.
وشهدت مواقع التواصل الاجتماعي خلال الأسبوع الماضي ومع دخول شهر رمضان تصاعدا للحملات التي تدعو السلطات الأمنية لإطلاق سراح المعتقلين من الناشطين في الحراك المناصر لغزة، وانتشر على موقع إكس وسم “الحرية للمعتقلين” والتي نشر فيها محامون وناشطون وذوو معتقلين قصص ذويهم منهم من لم يقابل محاميا أو أي شخص من أهله من أسابيع.