لندن- منذ بدء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، اختارت أسكتلندا أن تكون ظهيرا سياسيا وشعبيا داعما للقضية الفلسطينية، يخط لنفسه مسارا مختلفا عن ذلك الذي تسير على إيقاعه الطبقة السياسية الحاكمة في بريطانيا.
وتعالت أصوات شخصيات سياسية وازنة في أسكتلندا منذ اليوم الأول للحرب على غزة، رافضة مواقف حكومة حزب المحافظين ومصرّة على حق الفلسطينيين في مقاومة الاحتلال وتقرير المصير ومطالبة المجتمع الدولي بحمايتهم مما ترتكبه إسرائيل بحقهم من فظاعات.
أحد أبرز تلك الوجوه كان رئيس الوزراء الأسكتلندي السابق حمزة يوسف الذي تميز خطابه بنبرته الحادة تجاه مواقف القيادات الحزبية البريطانية التي أظهرت دعما مطلقا للإسرائيليين وترددت لأشهر في الدعوة إلى وقف فوري لإطلاق النار في غزة.
وفي مقابلة مع الجزيرة نت، أكد يوسف أن أسكتلندا سترفع دائما صوتها من أجل وقف إطلاق النار الفوري في غزة، ووقف مبيعات الأسلحة لإسرائيل، والاعتراف الفوري بدولة فلسطين. ورأى أن صدى القضية الفلسطينية سيتردد بوضوح في الانتخابات البرلمانية البريطانية المقررة يوم الرابع من يوليو/تموز المقبل.
وفيما يلي نص الحوار:
-
كيف يمكن أن يمهد الدعم غير المسبوق الذي تعلنه أسكتلندا للقضية الفلسطينية الطريق لاعتراف بريطانيا رسميا بالدولة الفلسطينية؟
أسكتلندا مؤمنة دائما بالدفاع عن حقوق الإنسان، وموقفنا تجاه ما يتعرض له الفلسطينيون في غزة من فظاعات ليس دعما لطرف دون آخر، بل هو تضامن مع قضية إنسانية، فما يعيشه الفلسطينيون من مآسٍ هو أسوأ ما رأيته في حياتي. لذلك، سترفع أسكتلندا دائما صوتها من أجل وقف إطلاق النار الفوري، ووقف مبيعات الأسلحة لإسرائيل، والاعتراف الفوري بدولة فلسطين.
الحزب الوطني الأسكتلندي -الذي أنتمي إليه- يؤمن بضرورة الاعتراف الفوري بدولة فلسطين. ونحن في خضم انتخابات عامة في المملكة المتحدة، من المحتمل أن يكون رئيس حزب العمال كير ستارمر، رئيس الوزراء المقبل، ونرى أنه يجب أن يعترف فورا بدولة فلسطين، كما فعلت أيرلندا والنرويج وإسبانيا.
-
هل تعتقد أن أسكتلندا تملك التأثير على وستمنستر لإعادة تقييم موقف بريطانيا مما يحدث في غزة و الدفع من أجل الاعتراف الكامل بالدولة الفلسطينية؟
أسكتلندا لا تملك السلطة على الشؤون الخارجية في المملكة المتحدة، ولكن لو توفرت لدينا هذه السلطة، فإن أدنبرة كانت ستبادر للاعتراف بدولة فلسطين منذ وقت طويل، وهذا هو رأي غالبية البرلمان منذ فترة طويلة.
لذلك بصرف النظر عن هوية رئيس الوزراء المقبل، إذا لم يكن هناك اعتراف فوري بدولة فلسطين، فإن الحزب الوطني الأسكتلندي سيقدم تصويتا ملزِما -في أقرب وقت ممكن- في مجلس العموم لإجبار الحكومة البريطانية على هذا الاعتراف.
ولا أعتقد أننا بحاجة لكل هذا الضغط لأن المنطق السياسي يقول إن حق الدولة هو حق أصيل للشعب الفلسطيني. لا يمكن الحديث عن الإيمان بحل الدولتين كمخرج للصراع، والاعتراف بدولة إسرائيل دون الاعتراف بدولة فلسطين؛ هناك تناقض واضح.
لأولئك الذين يريدون رؤية إسرائيل آمنة ومستقرة، مثلي، يجب عليهم الاعتراف بدولة فلسطين آمنة ومستقلة. عدم القيام بذلك ليس فقط غير متوازن، بل هو غير أخلاقي. ولهذا السبب أنا سعيد جدا برؤية عدد من الدول الأوروبية تعترف بدولة فلسطين ويجب على المملكة المتحدة القيام بذلك فورا.
-
ما جدوى هذه الخطوة وكيف يمكن أن تساعد -عمليا- الفلسطينيين في الوضع الحالي؟
أعتقد أنه حان الوقت للاعتراف بالدولة الفلسطينية من قبل العالم بأسره، هناك الكثير من الحديث دون معنى سياسي أو دعم حقيقي في الماضي حول حل الدولتين. الطريقة الوحيدة التي سيتحقق عبرها السلام، والتي نريد رؤيتها بأسرع وقت ممكن، هي الاعتراف الحقيقي بأن هناك دولتين مستقلتين ومتساويتين.
فعندما نرى أكثر من 100 ألف شخص في غزة يُقتلون أو يُصابون، ومعظمهم من النساء والأطفال، تبدو دماء الفلسطينيين وكأنها “رخيصة”، وغير متساوية مع دماء الآخرين، وهذا وضع غير مقبول يجب على العالم تصحيحه فورا.
-
كيف يمكن لبريطانيا أن تلعب دورا في إعادة تصحيح هذا الوضع؟
أحث ستارمر على التمسك بالقانون الدولي. لقد شعرت بالإحباط عندما برر العقاب الجماعي الذي يتعرض له الفلسطينيون في غزة، وحينما رأى أن لإسرائيل الحق في قطع الغذاء والماء والكهرباء عن أهالي القطاع. وبريطانيا هي طرف في نظام روما الأساسي المؤطر لعمل المحكمة الجنائية الدولية التي أصدرت مذكرات اعتقال لعدد من الأشخاص الذين يُعتقد أنهم ارتكبوا جرائم حرب.
إذا تم إقرار تلك المذكرات ودخل أي من هؤلاء الأفراد، بمن فيهم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الأراضي البريطانية، فإن المملكة المتحدة ستكون ملزمة بالقبض عليه. لذلك، ما سأطالب به الحكومة البريطانية هو عدم اختيار جانب دون آخر، أو التغاضي عن الجرائم التي تُرتكب، بل التمسك بحقوق الإنسان والقانون الدولي. هذا ما يطالب به الفلسطينيون، وأعتقد أنه طلب معقول جدا.
-
كيف يمكن فهم هذا التردد سواء من حزب المحافظين أو العمال في المطالبة بوقف الحرب وإدانة ما ترتكبه إسرائيل في غزة؟
نشعر جميعا بالدهشة من مواقف حزب العمال، ولا أستطيع التصديق أنها أصبحت تتماهى إلى هذا الحد مع مواقف حكومة المحافظين.
نعلم أن المحافظين غير مهتمين بالالتزام بالقانون الدولي، وقد أظهروا ذلك مرارا وتكرارا. لكن بالنسبة لستارمر، الذي كان خبيرا في القانون الدولي لحقوق الإنسان، كيف له أن يتجاهل ذلك. فالدعوة إلى تبني قيم ديمقراطية ليست مهمة فقط محليا، بل يجب أن تنعكس على مواقفك الدولية أيضا.
لذلك، سيبذل الحزب الوطني الأسكتلندي كل ما بوسعه للضغط على ستارمر، أو أي رئيس وزراء قادم، للاعتراف الفوري بدولة فلسطين.
-
ما مدى تأثير الموقف من الحرب الإسرائيلية على غزة على اختيار الناخبين في أسكتلندا وأماكن أخرى؟
أعتقد أن صدى القضية الفلسطينية سيتردد بوضوح في الانتخابات المقبلة، ولا أستطيع أن أتذكر قضية أخرى دفعت الناس للخروج إلى الشوارع بأعداد كبيرة، أسبوعا بعد آخر، لعدة أشهر، مطالبين بوقف إطلاق فوري للنار.
وهذا يدل على أن الحكومة منفصلة عن تطلعات الناس على أرض الواقع. لذلك، أعتقد أن هذه القضية ستكون عاملا حاسما في الانتخابات المقبلة، ليس فقط في المجتمع المسلم، بل بين العديد من الأشخاص غير المسلمين، والمسيحيين، وحتى اليهود أو اللادينيين.
إنهم ينظرون إلى الفظائع في غزة ويطالبون بوقفها باسم الإنسانية وأرى أن هناك فجوة كبيرة سواء بين ستارمر ورئيس الوزراء الحالي ريشي سوناك من جهة، وبين المزاج الشعبي في المملكة المتحدة من جهة ثانية، وأعتقد أن هذا سينعكس جليا على نتائج الانتخابات.
-
هل توافق الرأي القائل إن تقييم المرشحين بناء على الموقف من القضية الفلسطينية سيكون له بعد أخلاقي فقط، دون أن يغير الكثير في المشهد السياسي البريطاني؟
هناك احتمال كبير أن تميل كفة الانتخابات المقبلة لحزب العمال وأن يكون ستارمر رئيس الوزراء القادم، كل الاستطلاعات تشير إلى ذلك. وصحيح قد لا تغير قضية واحدة موازين القوى بشكل جذري ولكن الناخبين الذين شعروا بالرعب من المآسي في غزة سيرسلون رسالتهم خلال الذهاب إلى صناديق الاقتراع، ويجب أن يصوتوا للمرشح الذي يعكس قيمهم ويعبر عنها.
-
في الشارع العربي دائما ما تُقارَن القضية الفلسطينية وصراع شعبها من أجل دولة مستقلة بحركة الاستقلال في أسكتلندا، كيف يمكن فهم هذا التقاطع؟
لا أعتقد أنه يوجد توازٍ بين الوضعين، فالظروف التي مررنا ونمر بها في أسكتلندا مختلفة تماما عن الظروف التي يمر بها الفلسطينيون.
من وجهة نظرنا في أسكتلندا، أجرينا استفتاء ديمقراطيا في عام 2014 وهناك حكومتان بقيادة الحزب الوطني الأسكتلندي وأخرى بريطانية، كانتا ملتزمتين بأن يكون الاستفتاء ديمقراطيا، وللأسف لم تكن النتيجة لصالح الاستقلال ولكن ذلك لا يعني أننا خسرنا طموحنا بالانفصال عن المملكة المتحدة.
ولكن أردد دائما أن قضية فلسطين هي قضية حقوق الإنسان، وليست قضية استقلال فقط، فالفلسطينيون للأسف لا يحصلون على أبسط حقوقهم في الحياة. نحن في بريطانيا نعيش في بلد مسالم، ونريد أن يكون لنا حق الاختيار بشأن مستقبلنا السياسي، وهذا حقنا الديمقراطي.
ولكن عندما يتعلق الأمر بالفلسطينيين، فهم محرومون من حقوقهم الأساسية في الحياة، لذلك أعتقد أن كل من يؤمن بحقوق الإنسان يجب أن يكون مع الفلسطينيين في هذا الظرف العصيب.