في عام 1994، عاد الفلسطيني مصطفى السنونو مع الرئيس الراحل ياسر عرفات إلى قطاع غزة عقب توقيع اتفاق أوسلو حالما بأن يصبح القطاع “سنغافورة” المنطقة، لكن حلمه وكثيرين معه تبدّد بعد 3 عقود.
فقد وقّعت منظمة التحرير الفلسطينية (فتح) في 13 سبتمبر/أيلول 1993 على اتفاق “إعلان المبادئ الفلسطيني-الإسرائيلي” المعروف بـ “اتفاق أوسلو”، الذي أنشئت بموجبه السلطة الفلسطينية.
ونص الاتفاق على أن هدف المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية، من بين أمور أخرى، إقامة سلطة حكم ذاتي انتقالية فلسطينية، وعلى مواصلة التفاوض في مسائل رئيسية أخرى.
عاد عرفات في يوليو/تموز 1994 مع الآلاف من قواته العسكرية والأمنية للمرة الأولى إلى قطاع غزة ومدينة أريحا في الضفة الغربية المحتلة اللتين أقيمت عليهما مؤسسات السلطة الفلسطينية.
السنونو، الذي يبلغ الآن 57 عاما، عُيّن حينها ضابطا برتبة نقيب في الحرس الرئاسي، ثم أصبح عقيدا قبل أن يحال في عام 2008 للتقاعد المبكر مثل الآلاف من عناصر أجهزة الأمن والشرطة في السلطة الفلسطينية بعد الانقسام بين حركتي فتح والمقاومة الإسلامية (حماس).
قبل شهرين، افتتح سنونو مطعما للوجبات السريعة في مبنى يبعد مئات الأمتار عن مقرّ عرفات الرئاسي في حي الرمال غرب مدينة غزة، الذي تحوّل إلى صالة لحفلات الزفاف.
يقول سنونو في مقابلة أجرتها معه وكالة الأنباء الفرنسية “كنا نعتقد أن البلد سيصبح مثل سنغافورة: معابر مفتوحة، فرص عمل لأولادنا وحكومة ومطار وميناء وجواز سفر، ظننا أن الدولة أصبحت على مرمى حجر” منا.
مشاعر خيبة الأمل لا تقتصر على هذا الضابط السابق، بل تكاد تكون حالة عامة في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
بعد 30 عاما من الفشل في تحقيق سلام حقيقي وبناء دولةٍ تحرر الفلسطينيين من ويلات الاحتلال الإسرائيلي، أصبح جلّ اهتمام الشباب الفلسطيني ينصبّ على البحث عن فرص عمل وحرية التنقل والسفر، وتجاوز أزمات متعددة من بينها السكن والكهرباء والمياه التي تضاعفت في ظل الحصار الذي يفرضه الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة منذ 2007، أي منذ تولي حركة حماس السلطة في القطاع.
سجن
هاجر من قطاع غزة خلال العقدين الأخيرين أكثر من 200 ألف فلسطيني، غالبيتهم من الشباب، إلى وجهات من بينها تركيا ودول أوروبية، وفق إحصاءات قامت بها مؤسسات حقوقية.
وتتجاوز نسبة البطالة في القطاع 45% وتزيد عن 70% في صفوف الشباب، وفقا لجهاز الإحصاء الفلسطيني.
تقول إسراء مراد (21 عاما) “كل الدول تنعم بمطارات ومعابر وميناء، أما نحن نسافر في خيالنا وأحلامنا، مطارنا مدمر ومعابرنا مغلقة. نحن في سجن”.
أما الطالب الجامعي أدهم عبد الله (22 عاما) فيقول “دمرت أحلامنا، لا وظائف للخريجين الجامعيين، لا عمل للشباب، الأوضاع في قطاع غزة تسوء كل يوم مع زيادة البطالة والفقر”.
ويقول عبد الله الذي أنهى دراسته الجامعية هذا العام، “غياب أوسلو أثّر سلبا على مستقبل جيلنا. عندما عاد أبو عمّار إلى الوطن، كان هناك أمل كبير بدولة مستقلة”.
في نهاية عام 1998، احتفل الفلسطينيون بأول مطار على أرض قطاع غزة في افتتاح رسمي حضره الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلنتون ومعه عدد من رؤساء الدول، ومسؤولون كبار عربا وغربيين.
إلا إن إسرائيل دمرت المطار في عام 2001 مع اندلاع انتفاضة “الأقصى” الثانية.
ورغم أن اتفاق أوسلو ينص على أن مفاوضات الحل النهائي للصراع الفلسطيني الإسرائيلي يجب أن تبدأ بعد 5 سنوات من توقيعه، فإن جولات مفاوضات في مواضيع متفرقة تبعته، لكن دون التطرق إلى حل ينهي الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية.
تبدد حلم الدولة
ويقول عضو فريق المفاوضات الفلسطينية مع إسرائيل حسن عصفور إن حلم الدولة قد فشل، وإن فشل أوسلو لم يفاجئه.
ويضيف “توقعنا انتهاء كل شيء بعد اغتيال إسحاق رابين”، رئيس الوزراء الإسرائيلي حينها في 4 نوفمبر/تشرين الثاني 1995 على يد متطرف إسرائيلي.
ويتهم عصفور الذي يقيم حاليا في مصر “أطرافا إسرائيلية وفلسطينية لها ارتباطات إقليمية بالتآمر لإفشال أوسلو”.
لكنه يؤكد أن “الخلاص من أوسلو أصبح ضرورة وطنية كبرى”، ويطالب السلطة ببدء مرحلة فك ارتباط شاملة عن الاحتلال الإسرائيلي.
وشنت إسرائيل 4 حروب دامية على قطاع غزة منذ نهاية 2008 استشهد على إثرها الآلاف من سكان القطاع، الذين يقدر عددهم بنحو 2,3 مليون نسمة، ويعيشون تحت وطأة حصار خانق تفرضه عليهم إسرائيل برا وبحرا وجوا، مما أدى إلى مشاكل عديدة وزاد نسبة الفقر لدى السكان.