حرية الرأي والاعتبارات الوظيفية.. معضلة جديدة لإدارة بايدن بسبب غزة

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 7 دقيقة للقراءة

واشنطن- يُعد نشر صورة ذات معانٍ سياسية محددة على إحدى منصات التواصل الاجتماعي خطوة غير عادية للغاية بالنسبة لمسؤول استخباراتي كبير، وهذا ما حدث مع مسؤولة كبيرة في وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه)، إذ شاركت صورة مؤيدة لفلسطين عبر صفحتها على فيسبوك بعد أسبوعين من طوفان الأقصى الذي نفذته حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، وفقا لصحيفة فايننشال تايمز.

وتزامن توقيت نشر الصورة مع زيارة الرئيس جو بايدن لإسرائيل لإظهار دعمه الكامل للموقف الإسرائيلي، وعقده لقاءات مع أهالي القتلى والمحتجزين الإسرائيليين.

وأشارت تقارير إلى أن السيدة المقصودة تُعد من كبار مسؤولي وكالة الاستخبارات المركزية، إذ أشرفت في السابق على إنتاج الموجز اليومي للرئيس، وهو عبارة عن مجموعة من المعلومات الاستخبارية السرية للغاية التي يتم تقديمها للرئيس في معظم الأيام.

ويأتي ذلك مع تصاعد التوترات داخل الإدارة الأميركية بشأن إذا ما كان ينبغي للرئيس جو بايدن ممارسة مزيد من الضغوط على إسرائيل لوضع حد للقتال في قطاع غزة.

بايدن (يسار) يواجه معارضة متنامية بين صفوف موظفي الحكومة بسبب دعمه المطلق لإسرائيل (الأناضول)

الاستخبارات تحذر موظفيها

في حديث مع الجزيرة نت، أشار السفير ديفيد ماك، مساعد وزير الخارجية الأميركي الأسبق لشؤون الشرق الأوسط، الذي سبق له العمل في قنصلية بلاده بالقدس، إلى وجوب “عدم ربط المسؤولين الأميركيين أسماءهم بانتقاد الفلسطينيين أو الإسرائيليين، لأن هذا يمكن أن ينتقص من الرسالة التي يحاول كبار مسؤولي الإدارة الأميركية إيصالها إلى الكونغرس والشعب الأميركي”.

وأضاف أنه سواء كان المسؤولون من وزارة الخارجية أو الأجهزة العسكرية أو وكالات الاستخبارات، فإنه من الأفضل لهم تجنب التعليق في وسائل التواصل الاجتماعي، أو الحديث للإعلام، ما لم يكن مصرحا لهم بذلك، “خاصة أن هناك منتقدين مترصدين لإدارة بايدن ممن يستغلون مثل هذه التعليقات لخدمة أهدافهم السياسية”.

وقال مسؤولو الاستخبارات الأميركية السابقون إن الصورة أثارت مخاوف على مستويات عدة، بما في ذلك حقيقة أن وكالة المخابرات المركزية لديها علاقات قوية مع أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية.

وحذرت أجهزة الاستخبارات الأميركية موظفيها من وضع أي منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي، وأشارت تقارير إلى رسالة إلكترونية للموظفين تعد “مجرد تذكير بالسياسة الحالية”، حسبما قال مسؤول أميركي لشبكة “إن بي سي” الإخبارية.

وأشارت المصادر ذاتها إلى أنه لم يتم اتخاذ أي إجراءات تأديبية بحق مسؤولة، وتمت الإشارة إليها على أنها مسؤولة ذات “خلفية واسعة في جميع جوانب الشرق الأوسط، ولم يكن المقصود من هذا المنشور التعبير عن موقف محدد من الصراع”.

وقال متحدث باسم وكالة الاستخبارات المركزية في بيان: “ضباط الوكالة ملتزمون بالموضوعية التحليلية، التي هي في صميم ما نقوم به كوكالة. قد تكون لضباط وكالة الاستخبارات المركزية وجهات نظر شخصية، لكن هذا لا يقلل من التزامهم -أو التزام وكالة الاستخبارات المركزية- بالتحليل غير المتحيز”.

على بايدن الاستماع

وجاءت هذه الحادثة في وقت تشهد فيه واشنطن انقسامات داخل الحكومة الفدرالية بشأن تعامل الرئيس جو بايدن مع العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وتضاف إلى سجل طويل من تعبير أعداد متزايدة من العاملين في فروع مختلفة بالحكومة الأميركية عن رفضهم لموقف بايدن من العدوان الذي نتج عنه استشهاد ما لا يقل عن 15 ألف فلسطيني.

وغرد تريتا بارسي، نائب رئيس معهد كوينسي للسياسات في واشنطن، على منصة إكس بالقول “كنا نعلم أن هناك كثيرين في وزارة الخارجية غير راضين عن سياسة بايدن في غزة. ونحن نعلم أن هناك كثيرين كذلك في البيت الأبيض كانوا غير سعداء. وعلى ما يبدو، هناك كثيرون في وكالة الاستخبارات المركزية كذلك. ربما يجب على بايدن الاستماع؟”.

وفي وقت سابق من هذا الشهر، طلبت مجموعة من نحو 20 من موظفي البيت الأبيض الغاضبين عقد اجتماع مع كبار مستشاري الرئيس بايدن، بعدما دخل العدوان الإسرائيلي على غزة أسبوعه السادس.

وكانت لدى مجموعة الموظفين 3 قضايا رئيسية أرادوا مناقشتها، وهي معرفة إستراتيجية الإدارة للحد من عدد الضحايا المدنيين، والرسالة التي تخطط واشنطن لإرسالها حول الصراع، وأخيرا رؤيتها لمستقبل غزة بعد توقف الحرب.

وقال مستشارو بايدن إن الإدارة يجب أن تكون حريصة على عدم انتقاد إسرائيل علنا حتى تتمكن من التأثير على قادتها في السر، كما أكدوا أن إدارة بايدن تضغط على إسرائيل لتقليل الخسائر في صفوف المدنيين. وذكّر مستشارو بايدن الموظفين الغاضبين بدعوة الرئيس وكبار مساعديه إلى حل الدولتين بمجرد انتهاء الصراع.

كما عبّر المئات من العاملين في الوكالة الأميركية للتنمية الدولية -في خطاب مفتوح تم إرساله للبيت الأبيض- عن مطلبهم بضرورة أن يقوم بايدن بالضغط من أجل وقف إطلاق النار لحماية المدنيين الفلسطينيين. بالإضافة إلى ذلك، شكك العشرات من موظفي وزارة الخارجية -عبر برقيات معارضة سرية- في نهج البيت الأبيض.

والشهر الماضي، وقّع أكثر من 400 من موظفي الكونغرس رسالة مفتوحة تدعو إلى وقف إطلاق النار وإطلاق سراح المحتجزين الإسرائيليين. وكان الموقعون في الغالب من المسلمين واليهود، لكنهم وقعوا من دون الكشف عن هوياتهم خوفا من أن يُعرّض ذلك سلامتهم الشخصية وعملهم للخطر.

مكاسب سياسية

ويرى مراقبون أن بعض المعلقين والمسؤولين السابقين من كبار داعمي إسرائيل استغلوا الحادثة الأخيرة لتحقيق مكاسب سياسية.

من جانبه، غرّد إزرا كوهين، المسؤول السابق في الاستخبارات الأميركية في عهد الرئيس دونالد ترامب، على منصة إكس منتقدا ما قامت به مسؤولة الاستخبارات، وقال إنه “بالنسبة لأولئك الذين خدموا في أجهزة الاستخبارات وبالقرب منها، خاصة تلك (الأجهزة) التي تركز على الشرق الأوسط، فإن السلوك المعادي للسامية في شكل معاد لإسرائيل ليس مفاجأة. وهناك شيوع للتعليقات غير المباشرة الموجهة نحو اليهود”.

وأضاف كوهين أن “ما جرى هو فقط المثال الأكثر علنية لهذا السلوك الذي رأيته في أثناء سنوات عملي. وسيكون من المثير للاهتمام أن نرى دراسة حول إذا ما كانت هذه الثقافة المريضة قد أثرت على الأحكام التحليلية لوكالة الاستخبارات المركزية وجمع المعلومات على مدى العقود العديدة الماضية”.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *