حرب التجسس بين بريطانيا والصين تدخل مرحلة جديدة

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 6 دقيقة للقراءة

لندن- تستعر حرب التجسس بين لندن وبكين لتدخل مرحلة جديدة، بانتقالها من حرب التصريحات إلى فرض العقوبات، وذلك بعد إعلان الحكومة البريطانية فرض عقوبات على مواطنين صينيين ومؤسسة صينية تعمل في مجال الأمن الرقمي.

وتُعتبر هذه المرة الأولى التي تفرض فيها لندن عقوبات على شخصيات صينية بتهمة التجسس والقيام بهجمات إلكترونية تستهدف النظام الانتخابي البريطاني.

الرد الصيني جاء سريعا عبر بلاغ السفارة الصينية في لندن التي نفت كل هذه الاتهامات ووصفتها بأنها “افتراءات ملفقة وخبيثة” داعية الحكومة البريطانية إلى التوقف عن هذه “الدعاية المغرضة”، وأكد البلاغ “الغاضب” أن بكين ستلجأ للطرق القانونية للرد على هذه الاتهامات.

المخابرات البريطانية حذرت برلمانيين بريطانيين من إمكانية التعرض لمحاولة اختراق صينية (الأناضول)

أحداث ساخنة

ولا يبدو أن الأمور بين البلدين ستتوقف عند هذا الحد، بل إن كل المؤشرات تفيد بأن حرب التجسس بينهما ستزيد حدتها خصوصا مع الضغوط الممارسة على رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك لفرض عقوبات أقوى على الصين.

وقد شهدت الأشهر الأخيرة أحداثا ساخنة بين بكين ولندن تذكر بأجواء الحرب الباردة على مستوى الإعلان عن اعتقال جواسيس وعملاء يخدمون إما لصالح الصين أو بريطانيا.

وبعد إعلان مكتب المخابرات البريطاني “إم آي 6” (MI6) اعتقال شخص بتهمة التجسس على برلمانيين وتقديم معلومات للصين، ردت بكين بدورها باعتقال شخص، ووجهت له تهمة العمالة والتخابر مع هذا المكتب وهي التهمة التي تنفيها لندن.

ومنذ مدة لم تتوقف أجهزة المخابرات البريطانية عن إصدار بيانات تحذيرية، مما تسميه محاولات صينية لاختراق النظام السياسي البريطاني والتجسس على برلمانيين، خصوصا في لجنة الشؤون الخارجية ولجنة الانتخابات في البرلمان للتأثير في الانتخابات البريطانية.

كما سبق لها، وأن وجهت تحذيرا لعدد من البرلمانيين البريطانيين بأنهم قد يكونون ضحية لمحاولة اختراق صينية، في حين تنفي الصين -في كل مرة- هذه التهم وتعتبرها دعاية مغرضة ضدها مطالبة بتقديم أدلة عليها.

حالة “صينوفوبيا”

في المقابل، تتجه الحكومة البريطانية لتغيير توصيفها للصين من دولة “تشكل تحديا” إلى “دولة تشكل تهديدا” على الاقتصاد البريطاني مع ما يستتبعه هذا التوصيف من رفع حالة الاستنفار الأمني في التعامل مع كل ما هو صيني.

يقلل الأستاذ البريطاني طاهر عباس كبير الباحثين في شؤون الأمن والإرهاب في معهد الأمن والشؤون العامة من قيمة التهم البريطانية الموجهة للصين.

ويقول للجزيرة نت إن ما حدث في السابق يجعل بريطانيا حذرة جدا عند اقتراب أي موعد انتخابي “بعد أن تبين حصول تدخل روسي في استفتاء البريكست، وفي الانتخابات الأميركية التي فاز فيها الرئيس السابق دونالد ترامب، ولهذا كلما اقترب موعد الانتخابات زادت حدة الحذر”.

واعتبر الخبير الأمني أن توجيه تهمة التجسس للصين “تغذيها نظرية المؤامرة، لأنه لا يوجد سبب يجعل بكين تتجسس على بريطانيا، لأنها تقوم بكل شيء أفضل من لندن”، مستدلا على ذلك بحجم المبادلات التجارية بين البلدين “إذ إن عجز الميزان التجاري لصالح الصين وليس بريطانيا”.

وشخّص الأكاديمي البريطاني ما تقوم به بلاده تجاه الصين بالعامل النفسي، وقال إن “هناك نوعا من الفوبيا من بكين أو ما أسميها الصينوفوبيا”، مضيفا أن هذه الاتهامات تغذيها “نظريات الاستشراق والعداء للأجانب أكثر من كونها تهم مؤسسة”.

وتوقع أن تزداد أخبار التجسس الصيني على بريطانيا كلما اقترب موعد الانتخابات العامة “لأنها قصص مغرية، وتستفز كبار مانحي الأحزاب لتقديم مزيد من المساعدات المالية”، ويختم بالقول إن النظام الديمقراطي الغربي “يعاني من الفشل وأصبح غارقا في الفساد، ولا يحتاج لأي جهة لكي تؤثر عليه”.

صراع النفوذ الرقمي

من جانبه، يصف أمير النمرات رئيس قسم الأمن المعلوماتي والذكاء الاصطناعي في جامعة شرق لندن إمكانيات الصين التقنية بالضخمة، وقال في حديثه مع الجزيرة نت إن “بكين تمتلك الإمكانيات التقنية والبشرية للقيام بحملات تجسس على دول أخرى، والعكس صحيح أيضا بالنسبة لبريطانيا”.

وأوضح أن بعض الدول “تستخدم مجموعات قرصنة محددة للقيام بمهام تجسس أو ما تسمى “إيه بي تي” (APT) Advance persistent Threats.

وكشف أمير النمرات أنه “هناك تقريبا أكثر من 380 مجموعة معروفة تنتمي لدول متعددة في العالم، وما هو معروف لدى الخبراء والباحثين في الأمن السيبراني أنه يوجد أكثر من 20 مجموعة مثل “إيه بي تي 40” (APT40) أو “إيه بي تي 41” (APT41) تعمل من الصين.

وأضاف أن هذه المجموعات منها المتخصص في حملات تجسس على البنية التحتية وقطاع الملاحة أو الطيران، في حين مجموعات أخرى متخصصة في استهداف سياسيين وبرلمانيين أو مؤثرين.

ومن الناحية التقنية، أكد الخبير أمير النمرات أنه يمكن تتبع نشاط معين وتحديد مصدره أو أي هجوم “إيه بي تي” (APT) ومن أي دولة لأن هذه المجموعات لها بروفايل أو سلوكيات معينة من خلال ما يسمى “ناقلات الهجمات” (Attacks Vectors) كنوع الفيروسات ومدى تعقيدها أو بعض البرمجيات المعروفة للجميع أو أخرى غير معروفة للعامة.

وفسر ما يحدث بين الصين وبريطانيا بطبيعة المنافسة الاقتصادية والسياسية بين الدول الكبرى التي تجعل هذا الاحتمال واردا عندما يتعلق الأمر بالفضاء الإلكتروني، إذ تحاول الدول الهيمنة أو يكون لديها اليد العليا في السيطِرة على ما يسمى “التقنية التخريبية” (Disruptive Technology) كالذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني وحرب الرقائق الإلكترونية.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *