حاجز مرور النازحين في غزة.. مصيدة للتعذيب والقتل

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 6 دقيقة للقراءة

غزة-  في مشهد يتكرر، يتنقل أفراد عائلات فلسطينية بين المستشفيات وأماكن وجود الصحفيين بحثا عن أي معلومة حول أبنائهم الذين يعتقلهم جيش الاحتلال الإسرائيلي عبر ممر النزوح بين شمال قطاع غزة وجنوبه. مذعورين من إمكانية إعدام قوات الاحتلال أبناءهم، أو تحويلهم إلى مفقودين إلى الأبد.

وتشتكي العائلات من عدم قدرتها على التواصل مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر، وهي الجهة الوحيدة التي تمتلك القدرة على التواصل مع السلطات الإسرائيلية.

وتعمل إسرائيل منذ نحو 40 يوما على إفراغ شمال قطاع غزة من سكانه البالغ عددهم نحو مليون شخص، عبر طلب نزوحهم بشكل مستمر نحو الجنوب.

وأقام جنود الاحتلال حاجزا جنوب مدينة غزة، يجبر العائلات النازحة على المرور عبره، ويتم خلاله تفتيشهم واعتقال بعضهم.

الاحتلال يجبر سكان شمال قطاع غزة على النزوح سيرا على الأقدام لكيلومترات رافعين أيديهم (وكالة حماية البيئة)

مخاوف من الانتقام

يقول “أبٌ” فلسطيني، فضل عدم ذكر اسمه تخوفا من انتقام جيش الاحتلال، إن ابنه اختُطف قبل 4 أيام لدى مروره من حاجز النزوح قادما من مخيم جباليا شمال القطاع، وإنه لا يملك أي معلومة بشأن مصيره.

ويضيف الأب للجزيرة نت، “يوميا أتنقل من مكان لآخر بحثا عن أي معلومة، ولكن دون جدوى، علمت أنهم أطلقوا مجموعة من المختطفين ولكني لا أعرف أين وكيف، حاولت كثيرا الاتصال بالصليب الأحمر دون أن أنجح في ذلك”.

وفي قصة أخرى، ذكر شقيقان “شاب وشابة” -لمراسل الجزيرة نت- أن قوات الاحتلال اعتقلت والدهما البالغ من العمر نحو 57 عاما على الحاجز، وأن العائلة تجهل مصيره.

وأبدى الشابان، اللذان طلبا عدم الكشف عن هويتهما، خشيتهما الكبيرة على حياة والدهما، كونه يعمل شرطيا في وزارة الداخلية بغزة التي تديرها حركة المقاومة الإسلامية (حماس).

كما يتناقل العديد من النازحين، قصصا عن تنفيذ جنود الاحتلال عمليات إعدام ميدانية، لعدد من الأشخاص على الحاجز بعد اعتقالهم.

وفي حادثة أخرى، كانت نهايتها سعيدة، أخبر نازح في مركز إيواء -الجزيرة نت- أن قوات الاحتلال احتجزت شقيقه على الحاجز، لكنها أفرجت عنه مساء.

 

مصدر حقوقي يؤكد اعتقال ما بين 400 و 500 فلسطيني عبر حاجز النزوح من شمال غزة إلى جنوبها (رويترز)

مصيدة للاعتقال والتنكيل

يُقدّر رامي عبدو رئيس المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، عدد المعتقلين عبر حاجز النزوح من 400 إلى 500 شخص، حتى الآن.

ويقول عبدو للجزيرة نت، “هذا الحاجز تحوّل إلى مصيدة للاعتقال والتنكيل، وعمليات القتل خارج نطاق القانون”.

ويسرد قصة مأساوية لزوجة اسمها رشا نزحت برفقة أطفالها مع زوجها بهاء، والذي اعتقله الاحتلال بعد التنكيل به وبالعائلة. ويضيف “مشت الزوجة رفقة أطفالها الصغار عدة كيلومترات تبكي زوجها، دون أن تعلم ماذا تفعل وإلى أين تذهب”.

ويتابع الحقوقي الفلسطيني، “هذا حال مئات الأسر التي لا تعرف مصير أبنائها، وتتخوّف من تعرضهم للقتل كما حدث مع عدد من المعتقلين”. ويؤكد أن معاناة الأهالي تزداد بسبب عجزهم عن الحصول على أي معلومة عن مصير أولادهم وانقطاع أو سوء الاتصالات.

وانتقد عبدو ما اعتبره “عدم قيام اللجنة الدولية للصليب الأحمر بالجهد المطلوب من أجل معرفة مصير المعتقلين”. ولفت إلى أن المرصد الذي يرأسه وثّق بعض الحوادث التي قَتلت فيها إسرائيل بعض المواطنين جراء رفضهم عمليات التنكيل.

ويشير الحقوقي ذاته إلى أن المرصد الأورومتوسطي وثق حادثة تعذيب واعتقال زوج وزوجته بسبب رفض الأول، تعرض زوجته للتفتيش، و جمع شهادات لنازحين عبروا الممر المعلن عنه، تحدثوا عن إفادات صادمة عن حوادث قتل واعتقال وإذلال متعمد لهم.

وأضاف رامي عبدو أن جيش الاحتلال يجبر السكان على السير مشيا على الأقدام قرابة 7 كيلومترات للنزوح إلى جنوب القطاع، ويحظر وصول أي مركبات على بعد حوالي 4 إلى 5 كيلومترات من نقطة عسكرية يقيمها على مشارف مدينة غزة، ويجبر النازحين على رفع أذرعهم طوال سيرهم وحمل رايات بيضاء.

 

خرق قوانين الحرب

ونقل عبدو عن شهادات سكان رصدها مرصده الحقوقي، معاينة عشرات الجثث متقطعةً أشلاء وبعضها متفحمة غالبيتها لنساء وأطفال ملقون على الأرض، وآخرون داخل سيارات مدنية استُهدفت بالقذائف.

وأكد في السياق ذاته أن إسرائيل، التي تدفع السكان للنزوح القسري من الشمال إلى الجنوب، “لا توفر لهم ملجأ آمنا أو وسيلة للنزوح بأمان، بل تستهدفهم خلال ذلك لتخرق بشكل صريح قوانين الحرب”.

ولم يتسن للجزيرة نت الحصول على تعقيب من اللجنة الدولية للصليب الأحمر. لكن -في بيان سابق- تقول اللجنة إنها تشعر “بالعجز والإحباط” حيال المناشدات المتواصلة التي تصلهم من قبل المواطنين الفلسطينيين.

وقال البيان الذي أصدره مدير البعثة الفرعية للجنة الدولية في غزة، وليم شومبرق في 12 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري “إنّها لمأساة إنسانية لا تُحتمل تتكشف ملامحها نُصب أعيننا، فالناس يناشدوننا ليلا ونهارا، ويلتمسون المساعدة في إيصالهم إلى بر الأمان”.

وأضاف المصدر نفسه “بصفتي عاملا في المجال الإنساني، يتملكني شعور بالإحباط بسبب عجزي عن تلبية هذه النداءات، إذ تفتقر طواقمنا إلى الضمانات الأمنية الأساسية اللازمة للتحرك في شمال غزة”.

وحول النازحين ومناشدات العائلات بخصوص أبنائها المعتقلين والمفقودين، قال شومبرق “نتلقى مكالمات عديدة من نازحين يبحثون عن أفراد عائلاتهم، من الأهمية ألا يتفرق شمل أفراد الأسرة الواحدة أثناء عمليات الإجلاء”.

وتابعت اللجنة الدولية أنها تشعر “بقلق بالغ إزاء الظروف المحفوفة بالمخاطر وغير الآمنة التي يجري في ظلها إجلاء المدنيين، وهم يلوحون بالرايات البيضاء، يسيرون عشرات الكيلومترات أمام الجثث الملقاة على الطرقات وهم محرومون من المستلزمات الأساسية مثل الطعام والماء”.

وأسفرت الحرب التي أطلقتها إسرائيل في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، على غزة عن استشهاد أكثر من 14 ألف شخص، غالبيتهم من النساء والأطفال.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *