يقول الكاتب البريطاني جوناثان كوك في مقال له نشره موقع “ميدل إيست آي” إن القادة الغربيين يرفضون رسم أي خطوط حمراء لتل أبيب رغم تمدد الصراع إلى جميع أنحاء الشرق الأوسط.
ويضيف أن خروج حركة المقاومة الإسلامية (حماس) القصير من السجن في غزة أثارت رغبة عارمة في الانتقام بين الإسرائيليين، وقدمت لهم ذريعة لمحو القطاع، ولتنفيذ خطة كانوا يحتفظون بها من زمن بعيد، كما قدمت للدول الغربية الحجة التي يحتاجونها للوقوف مع إسرائيل وتبرير وحشيتها باعتبارها “حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها”.
وقال كوك إن ناشطا إسرائيليا بارزا في مجال حقوق الإنسان كشف له قبل ما يقرب من عقد من الزمان أنه سأل أحد سفراء أوروبا لدى إسرائيل من دولة تُرى آنذاك على أنها من أكثر الدول تعاطفا في الغرب مع الشعب الفلسطيني عن الشيء الذي يمكن أن تفعله إسرائيل حتى تتحرك حكومته ضدها؟ أين الخط الأحمر؟ ليفكر السفير مليا ثم يهز كتفيه قائلا “لا يوجد شيء لا تستطيع إسرائيل فعله. لا يوجد خط أحمر”، وعلق الكاتب قائلا إن هذا الرد كان يفهم على أنه مراوغ، ولكن بعد مرور عام من تدمير إسرائيل لغزة، يبدو أنه كان نبوءة.
إسرائيل على يقين
ولأن إسرائيل على يقين من عدم وجود خطوط حمراء، تزداد الأمور في غزة سوءا كل يوم، فقد انخفضت شحنات الغذاء والمساعدات إلى غزة إلى أدنى مستوى لها في 7 أشهر، أي أن قبضة إسرائيل الخانقة على المساعدات المقدمة لسكان غزة الجائعين قد اشتدت فعليا منذ مايو/أيار، عندما طلب كريم خان المدعي العام البريطاني في المحكمة الجنائية الدولية، إصدار مذكرات اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يوآف غالانت بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية.
وإذا لم يكن لدى الساسة الغربيين خطوط حمراء فيما يتعلق بإسرائيل، فإن الشيء نفسه ينطبق على وسائل الإعلام الغربية، فهي لا تكاد تذكر الأوضاع في غزة، وقد احتفلت بذكرى السابع من أكتوبر/تشرين الأول هذا الأسبوع، وكما كان متوقعا فعل أغلبها ذلك من منظور إسرائيلي بحت، باعتباره اليوم الذي قُتِل فيه 1150 إسرائيليا في هجوم حماس، وأخذ فيه 250 رهينة إلى داخل قطاع غزة.
وسائل الإعلام
وذكر جوناثان كوك بأن السابع من أكتوبر/تشرين الأول لم يكن فقط ذلك اليوم الذي شنت فيه حماس هجومها المفاجئ على إسرائيل، بل كان أيضا اليوم الذي بدأت فيه إسرائيل مذبحة الفلسطينيين انتقاما، وهو بداية ما خلصت محكمة العدل الدولية إلى أنه يرقى إلى “إبادة جماعية معقولة”، وهي الإبادة التي منعت إسرائيل المراسلين الأجانب من تغطيتها، ولكنها بثت مباشرة من قبل السكان والجنود الإسرائيليين الذين ارتكبوها.
أما القناة الوحيدة الرئيسية التي حاولت تكريم الضحايا المدنيين في غزة وتجارب الناجين منذ أكتوبر/تشرين الأول الماضي فلم تكن وسيلة إعلام غربية، بل كانت “قناة الجزيرة” القطرية، ويستخدم فيلمها الوثائقي “التحقيق في جرائم الحرب في غزة” لقطات صورها جنود إسرائيليون ونشروها على وسائل التواصل الاجتماعي وهم يرتكبون فظائع مروعة ضد السكان المدنيين.
ومع أن محكمة العدل الدولية وافقت على محاكمة إسرائيل بتهمة الإبادة الجماعية في يناير/كانون الثاني الماضي، وكان يفترض نظرا لأن الإبادة الجماعية هي الجريمة الدولية القصوى، أن تسرع المحكمة في إصدار حكم نهائي، إلا أنه لم يكن هناك سوى الصمت بعد مرور عام على المذابح والتجويع المفروض.
وفي الوقت نفسه، حكمت نفس المحكمة متأخرة بأن الاحتلال العسكري الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية الذي دام 57 عاما غير قانوني، وأن الفلسطينيين لديهم الحق في المقاومة، وأن إسرائيل يجب أن تنسحب فورا من غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية، ولكن الساسة ووسائل الإعلام الغربية تجاهلوا أهمية هذا الحكم.
العدل الدولية تحت ضغط هائل
وأشار الكاتب إلى أن محكمة العدل الدولية لديها مشكلة مزدوجة، فهي تحت ضغط هائل من الولايات المتحدة لعدم إعلان إبادة جماعية في غزة، لأن مثل هذا الحكم من شأنه أن يكشف عن تواطؤ القوى الغربية في هذه الجريمة العظمى، وهي من جهة أخرى لا تملك آليات إنفاذ خارج مجلس الأمن، حيث تتمتع واشنطن بحق النقض الذي تستخدمه لحماية إسرائيل، ولنفس الأسباب تقريبا، تتباطأ المحكمة الجنائية الدولية أيضا.
إن هذا الافتقار التام للمساءلة من مراكز القوة الغربية، من ساسة ووسائل إعلام ومحاكم دولية -كما يقول الكاتب- هو الذي مهد الطريق لإسرائيل لتصعيد سفك الدماء، ليشمل الآن الضفة الغربية المحتلة ولبنان واليمن وسوريا، وربما يتوسع بسرعة ليشمل إيران التي يستعد العالم لهجوم إسرائيلي وشيك عليها.
وبالنسبة للمدافعين عن إسرائيل، تحتاج تل أبيب لكي يشعر مواطنوها بالأمان، إلى إعادة تأكيد ردعها العسكري من خلال سحق حماس وأنصارها في غزة، وفرض الخضوع على من يعاندون تفوقها في المنطقة، وهو تفوق الغرب الحضاري.
ويبدو أن شعار إسرائيل والمدافعين عنها هو “خفض التصعيد من خلال التصعيد”، وهي سياسة استعمارية محدثة تقوم على “إخضاع المتوحشين”، ولكن منتقديها يزعمون أن الإسرائيليين لا يمكن أبدا أن يصبحوا آمنين من خلال العدوان العسكري وحده دون الحلول الدبلوماسية، لأن العنف يولد المزيد من العنف، كما تشهد لذلك عقود من العنف البنيوي ضد الشعب الفلسطيني والتي قادتنا إلى هذه النقطة.
إنهاء المهمة
وخلص الكاتب إلى أن إسرائيل تبدو الآن عازمة على إنهاء المهمة التي بدأتها في عام 1948 في استئصال الشعب الفلسطيني، لأنه هو مشروعها الاستعماري الاستيطاني المدعوم من الغرب، وقد فشلت مرارا وتكرارا في ذلك.
والآن تشرع إسرائيل متسلحة بذريعة السابع من أكتوبر/تشرين الأول، في تنفيذ برنامج إبادة جماعية في غزة أولا، وإذا نجحت في الإفلات من العقاب فسوف تنفذه قريبا في الضفة الغربية المحتلة.
وأشار الكاتب إلى أن زعزعة استقرار الشرق الأوسط ليست بالأمر الجديد، فقد استغل المحافظون الجدد تدمير تنظيم القاعدة لبرجي التجارة العالميين في نيويورك في 11 سبتمبر/أيلول باعتباره فرصة لهم “لإعادة تشكيل الشرق الأوسط”.
صراع الحضارات
وقال القائد السابق لحلف شمال الأطلسي ويسلي كلارك إن المحافظين الجدد “أرادوا منا زعزعة استقرار الشرق الأوسط وقلبه رأسا على عقب وإخضاعه لسيطرتنا”، وكان من المفترض أن تنفذ إسرائيل جزءا أساسيا من خطة واشنطن لما بعد العراق، وذلك ما قصدته وزيرة الخارجية الأميركية في ذلك الوقت، كونداليزا رايس، عندما تحدثت عن “آلام ولادة الشرق الأوسط الجديد”.
والآن -كما يقول الكاتب- عدنا إلى حيث بدأنا، لأن الهدف الغربي الإسرائيلي هو تدمير لبنان وإيران، تماما كما دمرت غزة، مع أنه لا يوجد دليل على أن هذا الهدف أصبح قابلا للتحقيق اليوم، بل إن المتحدث العسكري الإسرائيلي دانييل هاغاري، اعترف بأن “كل من يعتقد أننا قادرون على القضاء على حماس مخطئ”.
ولكن إسرائيل أوضحت مع ذلك أنها، والعملاق العسكري الأميركي الذي يقف وراءها، لا سبيل إلى تراجعهما، وقد قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية ماثيو ميلر بصوت عال “لم نكن يوما نريد حلا دبلوماسيا مع حماس”.