واشنطن- لم يعرف التاريخ الأميركي الممتد على مدى 247 عاما يوما واحدا بقوة وجسامة ما شهده مبنى الكابيتول قبل ثلاث سنوات من اقتحام الآلاف من مؤيدي الرئيس السابق دونالد ترامب جلسة مجلسي النواب والشيوخ المشتركة للتصديق على نتائج الانتخابات الرئاسية 2020، والتي انتهت بفوز الرئيس جو بايدن.
وبخلاف الأزمات الكبرى التي واجهت الولايات المتحدة، وعلى رأسها ضرب اليابان ميناء “بيرل هاربر” في السابع من ديسمبر/كانون الأول 1941 واضطرارها لدخول الحرب العالمية الثانية، وهجوم تنظيم القاعدة يوم 11 سبتمبر/أيلول 2001 مما أدى إلى بدء ما تسمى الحرب الأميركية على “الإرهاب” وغزوها العراق وأفغانستان، تُعد أحداث السادس من يناير/كانون الثاني 2021 أكثر خطورة، لأنها صُنعت بالكامل داخل أميركا، وهي أزمة محلية بامتياز تعبّر عما وصل إليه حجم الاستقطاب.
بايدن يدق ناقوس الخطر
وعلى عكس الأزمات السابقة، ضربت أحداث 6 يناير/كانون الثاني 2021 الديمقراطية الأميركية في قلبها، مع رفض رئيس منتخب نتائج انتخابات خسرها، بل تمادى وقال إنها مزوّرة دون أن يقدم دليلا ملموسا على ذلك.
وعلى الرغم من رفض عشرات المحاكم المختلفة ادعاءات الرئيس ترامب، وقبل الخطوة الأخيرة للتصديق على نتائج الانتخابات يوم 6 يناير/كانون الثاني 2021، فإن الملايين من أنصاره الجمهوريين كانوا يؤمنون أن الانتخابات سُرقت منه.
وأصبح ترامب أول رئيس في التاريخ الأميركي يعرقل الانتقال السلمي للسلطة، مما يؤثر في جوهر الديمقراطية الأميركية ذاتها. وإلى الآن لم يتعهد هذا الرجل باحترام وقبول نتائج الانتخابات.
في أول خطاب له في عام الانتخابات الرئاسية، حذّر الرئيس جو بايدن أمس الجمعة الشعب من مخاطر المساس بالديمقراطية، ومن التهديد الذي يعتقد هو وحملته أن الرئيس السابق دونالد ترامب يشكله على الديمقراطية الأميركية.
وقال بايدن “هل الديمقراطية لا تزال قضية أميركا المقدسة؟ حملة دونالد ترامب مهووسة بالماضي وليس المستقبل. إنه على استعداد للتضحية بديمقراطيتنا لوضع نفسه في السلطة. حملتنا نحن مختلفة”.
محاكمات وإدانات وشكوك
وقال ديفيد سوندبرج مساعد المدير المسؤول في مكتب التحقيقات الفدرالي (إف بي آي) بواشنطن، في بيان له، إنه “بعد ثلاث سنوات من هجوم آلاف الأشخاص بعنف على مبنى الكابيتول الأميركي والاعتداء على ضباط إنفاذ القانون، في محاولة فاشلة لمنع الانتقال السلمي للسلطة في ديمقراطيتنا، يواصل مكتب التحقيقات الفدرالي وشركاؤنا النجاح في محاسبتهم”. ولم تنته وزارة العدل من كل التحقيقات والمحاكمات المتعلقة بأحداث هذا اليوم.
كما أنه من المقرر أن تبدأ محاكمة ترامب الفدرالية بتهمة محاولة تغيير نتيجة الانتخابات الرئاسية السابقة في مارس/آذار المقبل، وذلك في خضم موسم الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري.
ويُتهم ترامب بالتآمر للاحتيال على الدولة الأميركية، والتآمر لعرقلة إجراء رسمي، والتآمر على الحقوق. وقد أصر مرارا وتكرارا على أنه لم يخالف القانون.
وتعهد أيضا بمنح عفو رئاسي حال فوزه بانتخابات 2024 للمئات ممن أُدينوا في أحداث الهجوم على مبنى الكابيتول، ويقضون عقوبات سجن تمتد لثلاثين عاما في بعض الحالات.
غياب الثقة والخوف مما هو قادم
ويرى العديد من الأميركيين أن الاستقطاب والانقسامات السياسية لا تقل عمقا الآن عما كانت عليه في الانتخابات الأخيرة. وتعكس هذه الصورة حقيقة سيناريو تكرار المنافسة بين بايدن وترامب والتي لن تؤدي إلا إلى تفاقم المخاوف من الاضطرابات المحتملة.
وأظهر استطلاع أجراه مركز “بيو” للأبحاث على أكثر من 8 آلاف مواطن في الولايات المتحدة الصيف الماضي، أن الأميركيين أكثر استقطابا من ذي قبل، حيث قال 55% إنهم غاضبون من السياسة الأميركية.
كما أن غالبية منهم تخشى أن حدثا آخر مثل 6 يناير/كانون الثاني 2021 يمكن أن يتكرر في المستقبل القريب، وفقا لاستطلاعات الرأي الأخيرة، مما يكشف عن مخاوف واسعة النطاق بشأن الاستقطاب والانقسام في المجتمع الأميركي.
وكشف الاستطلاع، الذي أجرته مجلة نيوزويك يوم 19 ديسمبر/كانون الأول الماضي على 1500 من الناخبين الأميركيين، أن المزيد منهم يعتقدون أن الحقيقة الكاملة حول الحادث لم يُعلَن عنها.
ويشير الاستطلاع إلى أن 6 يناير/كانون الثاني 2021، بعد ثلاث سنوات، لا يزال تاريخا يثقل كاهل العديد من الأميركيين، الذين قد يرون أنه يمثل بداية حقبة جديدة من الاضطرابات الاجتماعية وانعدام الثقة في المؤسسات العامة.
وعلى الرغم من كل ما ظهر، فإن الكثير بقي على حاله، ولم يردع الرئيس السابق دونالد ترامب عن الترشح للبيت الأبيض مرة أخرى. وتظهر استطلاعات الرأي أن الأميركيين لا يزالون مستقطبين حول أهمية ما حدث، في حين أن خطر حدوث المزيد من العنف السياسي لا يزال مرتفعا بشكل ينذر بالخطر.
ويقول روبرت ليبرمان، أستاذ العلوم السياسية في جامعة جونز هوبكنز، إنه “من المحزن الاعتقاد بأن القوى التي خلقت أحداث 6 يناير/كانون الثاني والتوتر المناهض للديمقراطية في السياسة الأميركية آخذة في الانحسار”.
وأضاف ليبرمان “علينا أن نتذكر أن هذا لم يكن نتاجا لمرشح واحد أو رئيس واحد. لا تزال هناك الكثير من الظروف الهيكلية الأساسية في السياسة الأميركية التي تنتج هذا الشعور بالتهديد.. أعتقد أنه سيكون من الخطأ الاعتقاد بأن الخطر قد زال”.
وهكذا، وبعد ثلاث سنوات، تظهر استطلاعات الرأي أن وجهات النظر العامة حول هجوم الكابيتول لم تتغير كثيرا. ولا تزال الانقسامات الحزبية قائمة حول نظرة الديمقراطيين والجمهوريين إلى 6 يناير/كانون الثاني 2021.
وفي استطلاع حديث أجرته جامعة كوينيبياك عما إذا كان اقتحام مبنى الكابيتول “هجوما على الديمقراطية لا ينبغي نسيانه أبدا” أو “ما إذا كان الوقت قد حان للمضي قدما”، قال 77% من الجمهوريين “إن الوقت قد حان للمضي قدما”، في حين قال 90% من الديمقراطيين “إنه يوم لا ينبغي نسيانه أبدا”.