إسطنبول – أجواء تنافسية عالية تسود الأيام الأخيرة التي تسبق الانتخابات التركية المحلية، وفرضت هذه الأجواء نفسها على شتى مناحي ومظاهر الحياة في البلاد عموما وفي ولاية إزمير خصوصا.
وإزمير هي ولاية ساحلية في غربي تركيا، تحتل المرتبة الثالثة في البلاد من حيث عدد السكان، وهي واحدة من الولايات الكبرى التي ستشهد تنافس 34 حزبا سياسيا على مقاعد 1393 بلدية في عموم الأراضي التركية، و30 بلدية محلية في الولاية نفسها بالإضافة لبلدية إزمير الكبرى.
“طرق إزمير سيئة للغاية، لهذا نقول لمواطنينا لا تغيروا سياراتكم، بل قوموا بكسر الروتين وتغيير الرئيس”، ليست هذه العبارة التي صُرح بها قبل أيام مجرد عبارة تنافسية وجزء من حملة انتخابية ملتهبة فقط، بل تعكس طبيعة التنافس المتوقع فيها.
تحول حساس
وبحسب خبراء، تنبع أهمية العبارة السابقة من كونها صدرت عن مرشح الحزب الجيد لبلدية إزمير الكبرى، بمعنى أنها صدرت عن الحليف السابق الأكبر لحزب الشعب الجمهوري، وتعد المدينة قلعته التاريخية. كما أن تحول حليف الأمس إلى منافسٍ اليوم تحولٌ حساس قد يغير معادلة الانتخابات في المدينة.
وفي هذا السياق، يقول الكاتب الصحفي التركي عصمت أوزتشيليك “بالنسبة لحزب العدالة والتنمية الحاكم، البلاد تدخل الأيام الأخيرة من الانتخابات بواقع اقتصادي صعب وينذر بالأصعب، أما من جهة المعارضة فحالة التشظي وتحول الحلفاء لمنافسين هي أسوء ما أصابها”.
وأوضح للجزيرة نت “بالإضافة لما سبق، شهدت مرحلة اختيار مرشحي حزب الشعب الجهوري في إزمير خلافات خطيرة تابعها الجميع بشكل علني، فالمرشح الحالي جميل توغاي لا يتمتع بدعم وقبول من الكثيرين، بل هناك رفض له داخل قلعة الحزب”.
ويؤكد أوزتشيليك أن الوضع في جبهة الحزب الحاكم أفضل، فقد تمت مرحلة اختيار المرشح وفق دراسة جيدة، وهناك ضبط لإيقاع الحزب وإداراته، رغم وجود بعض الخلافات -معظمها داخلية- بشأن هوية بعض المرشحين.
أما المختص والباحث الاجتماعي طارق بوكه فأشار إلى أن واقع المدينة يجعلها مندفعة نحو التغير بعد أن وصل الحال الخدماتي فيها إلى أوضاع سيئة لا تليق بمدينة تركيا الثالثة ولؤلؤة بحر إيجه، وفق وصفه.
وأضاف للجزيرة نت “على الرغم من موقع المدينة الحضاري والتجاري والسياحي، فإنها تعاني منذ قرابة 3 عقود من عدم التقدم أو التطور في الخدمات”.
حسابات أخرى
ووصف الباحث طارق بوكه وضع المدينة قائلا “مظهر المدينة غير المنظم، والروائح المنبعثة على طول الكورنيش الساحلي، وأزمة الطرق وضعف شبكة النقل، وغرق المدينة المتكرر في الشتاء، كل هذا نعيشه نحن سكانها منذ 40 عاما”.
وأوضح أن ولاية إزمير شهدت في السنوات الأخيرة حركة هجرة وإقبالا للسكن والاستقرار فيها من جميع أنحاء البلاد، وهذا يمثل دماء وتنوعا جديدين للمكون الديمغرافي، لكنه يُظهر ضرورة الارتقاء بخدمات المدينة لتواكب توسعها وتخدم سكانها.
ويقول الكاتب الصحفي عصمت أوزتشيليك “إزمير معقل حزب الشعب الجمهوري وقلعته، لكن أزمة اختيار المرشح تركت شرخا عظيما داخل أعضاء الحزب وأتباعه هناك”.
وأضاف “ومع تفرق تحالف المعارضة ومشاركة الحزب الجيد (قومي) في السباق الانتخابي، فإن مرشح الأخير سيكون وجهة للأصوات الغاضبة أو إن تلك الأصوات ستقاطع الانتخابات”.
في المقابل، بيّن أوزتشيليك أن مرشح الحزب الحاكم لا يتصرف بوصفه مرشحا كلاسيكيا للحزب، بل أظهر أنه يدير حملة انتخابية ناجحة وبلغة مناسبة لأهل المدينة ومستوعبة لخصائصهم.
وحول النقطة ذاتها، قال الباحث بوكه “على مدى السنوات والمراحل الماضية، عمل الحزب الحاكم -عبر نشاطه داخل المجتمع وحملاته المختلفة- على رفع نسبة أصواته وحضوره في المدينة، لكن في هذه المرة سيعزز مكاسبه في البلديات الفرعية، وقد تكون له فرصة مرتفعة للفوز بمقعد رئاسة بلدية المدينة الكبرى”.
وأوضح بوكه أن الجيل الجديد خاصة والمجتمع الذي ملّ من الصبر على سوء الخدمات عموما يريدون خدمات وواقعا يترجم الحديث المعنوي عن قيم مصطفى كمال أتاتورك، و”متوقع جدا أن يذهبوا للمقارنة والتدقيق في برامج ومشاريع ووعود عملية بدلا من كلام وشعارات لم تحسن من حال المدينة”.
نوعية ومنظمة
وفي السياق، أضاف الكاتب أوزتشيليك “مع الهدف الأساسي للعدالة والتنمية برفع مستوى حصته التصويتية، فإن فرص فوزه بالبلدية الكبرى قوية، وإذا تحقق ذلك سيكوّن ذلك دفعة معنوية كبيرة جدا له رغم الأزمات الاقتصادية في البلاد”.
ويرى أوزتشيليك أن حملة الحزب الحاكم الانتخابية نوعية ومخططة جيدا بأسلوب غير تقليدي وعبر بناء تنظيمي متماسك، “بينما في جبهة حزب الشعب الجمهوري، بالإضافة للخلافات العميقة داخله التي يعد رئيس البلدية الحالي طرفا فيها، فإن حالة من الخمول والثقة غير المدروسة تسود نشاط وحملة الحزب الانتخابي”.
ووفق نتائج الانتخابات المحلية الأخيرة، فإن حزب العدالة والتنمية خسر مقعد بلدية المدينة بنسبة 38% مقابل 58% لصالح مرشح حزب الشعب الجمهوري، بفارق 20% من الأصوات.
والعامل الأكبر تأثيرا هو أن المرشحيْن شاركا في السباق الانتخابي الماضي ضمن اتفاق انتخابي، وبينما يواصل -في هذه الانتخابات- حزب العدالة والتنمية الحفاظ على تحالفه مع حزب الحركة القومية، يعاني حزب الشعب الجمهوري من تفرق كل مكونات التحالف ويدخل الانتخابات بخلافات داخلية عميقة.
وضمن من التقت بهم المراسل خلال إجراء عدد من المقابلات في الشارع التركي حول الانتخابات المحلية في ولاية إزمير، تقول المواطنة يشيم أكساتش للجزيرة نت “صوتي سيكون لمرشح حزب الشعب جميل توغاي، لكن هذه الانتخابات ستكون مختلفة، وهناك خطر التغير بنسبة عالية، هذا ما أشاهده لأول مرة منذ سنوات طويلة”.
في المقابل، أجمع معظم المشاركين على أن حظوظ مرشح الحزب الحاكم مرتفعة هذه المرة، وأنه يدير حملة انتخابية “من أفضل الحملات في البلاد”.