تونس- عبّر نقيب الصحفيين التونسيين عن استيائه من صمت منظمات حقوقية، لما يحصل للصحفيين من ملاحقات أمنية وقضائية، في حين يستعد الصحفيون للاحتجاج الأسبوع المقبل أمام المحكمة الابتدائية بتونس، للمطالبة بإطلاق سراح 3 صحفيين مسجونين.
وقال نقيب الصحفيين زياد الدبار للجزيرة نت إنه رغم وجود شراكات مع العديد من المنظمات، فإن هناك نوعا من الصمت والتخاذل من قبل منظمات (لم يشأ ذكرها) في الدفاع عن حرية التعبير وعن الصحفيين “الذين أصبحوا يُلاحقون بشتى النصوص القانونية الزجرية”، حسب قوله.
آخرها قضية زياد الهاني
واكتفت بعض المنظمات الحقوقية بإصدار بيانات نعتت بـ”اليتيمة”، للتنديد بملاحقة الصحفيين، والمطالبة بإطلاق سراح الصحفي زياد الهاني، الذي اعتقل مساء يوم 28 ديسمبر/كانون الأول الماضي، على إثر تصريح انتقد فيه أداء وزيرة التجارة الحالية، مما أثار سخطا في قطاع الإعلام.
وقررت النيابة تقديم زياد الهاني للمحاكمة في حالة توقيف يوم 10 يناير/كانون الثاني الحالي، استنادا إلى الفصل 86 من قانون مجلة الاتصالات، بتهمة “الإساءة للغير عبر الشبكات العمومية للاتصالات”، الذي ينص على عقوبة بالسجن تتراوح من عام إلى عامين، وغرامة مالية بقيمة ألف دينار.
وأثار اعتقال زياد الهاني، من قبل فرقة أمنية اقتادته داخل سيارة مكبل اليدين، صدمة لدى الصحفيين، وفي حين شجبت منظمات توقيفه، لم تحرك منظمات أخرى ساكنا، على غرار جمعية القضاة التونسيين أو الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات، وغيرها.
زرع الرعب
اكتفت منظمات عتيدة على غرار الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان بنشر بيان يتيم، تعبيرا عن رفضها لملاحقة الصحفيين والتضييق على حرية التعبير، لكن مراقبين عدّوا بيانها “محاولة للحفاظ على ماء الوجه، بسبب تجاهلها وسكوتها عن العديد من الانتهاكات”، وفق رأيهم.
ولم ينشر الاتحاد العام التونسي للشغل (أكبر منظمة نقابية في البلاد) بشكل مباشر أي بيان لإدانة ملاحقة الصحفيين، واكتفت الجامعة العامة للإعلام المنضوية تحته بإصدار بيان، للإعلان عن رفضها سياسة التضييق على الصحفيين ومقاضاتهم خارج مرسوم 115 المنظم للصحافة.
ويرى صحفيون أن نظام الرئيس قيس سعيد، الذي أمسك بزمام الأمور عقب اتخاذه لإجراءات استثنائية يوم 25 يوليو/تموز 2021، وحله للبرلمان السابق، وزجه بالعديد من القيادات السياسية في السجون، وعزله لعشرات القضاة، “قد قذف الرعب في ممثلي المنظمات الحقوقية في تونس”.
انصياع للسلطة
وفي السياق ذاته تابع نقيب الصحفيين للجزيرة نت أن “النقابة ستطلب من منظمات المجتمع المدني التحرك مع الصحفيين يوم محاكمة الصحفي زياد الهاني”، مذكرا بدفاع نقابة الصحفيين التونسيين عن المنظمات، وعن حرية تنظيمها واستقلاليتها في أحلك الفترات، دون خوف من السلطة أو تخاذل.
واستنكرت نقابة الصحفيين بشدة ما اعتبرته سلسلة من الاستهداف الممنهج للصحفيين، لزرع الرعب فيهم وترهيبهم ومنعهم من انتقاد المسؤولين والسلطة السياسية التي يقودها الرئيس قيس سعيد، متهمة النيابة العمومية بالانصياع لأوامر السلطة لتكميم الصحفيين الأحرار.
وقال زياد الدبار للجزيرة نت إنه لم يسبق في تاريخ تونس إيداع 3 صحفيين السجن، موضحا أن “النيابة العمومية أصبحت أداة طيعة في يد السلطة، وتستعمل كافة النصوص القانونية الزجرية، من قانون الإرهاب ومجلة الاتصالات ومرسوم 54 لمحاكمة الصحفيين وخنق عملهم”.
وبغض النظر عن قضية زياد الهاني، يقبع في السجن كل من الصحفي خليفة القاسمي المحكوم عليه بـ5 سنوات، بموجب قانون الإرهاب، بسبب نقله معلومة عن تفكيك “خلية إرهابية”، والصحفية شذى الحاج مبارك المسجونة في إطار ما يعرف بقضية الشركة “إنستالينغو”.
كما اعتقل -أمس الخميس- الصحفي بمكتب الجزيرة الفضائية في تونس سمير ساسي من قبل فرقة لمكافحة الإرهاب، واقتادته إلى جهة مجهولة دون معرفة أسباب الاعتقال، قبل أن تفرج عنه في وقت لاحق اليوم، ونددت نقابة الصحفيين باعتقاله دون إعلام العائلة بوجهته، ودون تمكينه من الاتصال بمحاميه أو مؤسسته.
مرسوم 115
يقول النقيب زياد الدبار إن “هناك استهدافا واضحا للصحفيين من خلال الملاحقات الأمنية والقضائية، واستعمال كافة القوانين الزجرية للتنكيل بهم، مع الضرب بعرض الحائط المرسوم 115 المنظم لمهنة الصحفيين، الذي تم سنّه عام 2011، بعد الإطاحة بنظام الرئيس زين العابدين بن علي”.
وإذا استمرت السلطة القائمة في تتبع الصحفيين بقوانين زجرية، على غرار المرسوم 54 المتعلق بمكافحة الأخبار الزائفة، والذي حوكم به عدد من الصحفيين، يقول الدبار إن “قائمة الصحفيين الذين سيودعون السجون ستتسع بشكل خطير، لتشمل العشرات في الفترة المقبلة، في ظل هذا الظرف العام”.
ويرى بعض الصحفيين أن القضاة يُسهمون اليوم بشكل كبير في سجن الصحفيين، على خلفية تعبيرهم عن آرائهم وممارسة مهنتهم بشكل مستقل عن السلطة، وذلك جراء خوفهم من انتقام السلطة، خاصة بعد عزل العشرات منهم بقرار سابق من الرئيس قيس سعيد بتهمة الفساد.
وعبّر العديد من الصحفيين خلال اجتماع بمقر نقابة الصحفيين التونسيين عن استنكارهم مما اعتبروه “استهدافا ممنهجا” ضدهم، من خلال اعتقال الصحفيين والزج بهم في السجون، وضرب حق النفاذ للمعلومة، وعودة “الصنصرة”(الرقابة والعقاب) لمؤسسات الإعلام، وتفقير الصحفيين وانتهاك حقوقهم المادية.
دكتاتورية ناشئة
يقول المحامي العياشي الهمامي للجزيرة نت إن “تونس تعيش في مرحلة انتقال نحو الدكتاتورية، وتتسم بسعي محموم لضرب الكلمة الحرة وقمع الصحفيين والمحامين”، موضحا أن السلطة القائمة لم تستطع قضم جميع الحريات بسبب المكاسب التي تحققت بعد الثورة.
ويرى المحامي نفسه أن “السلطة مستمرة في مزيد تضييق الخناق والتنكيل بكل من يعارضها بهدف توسيع نفوذها”، مشيرا إلى أنه “لا يوجد خيار أمام المدافعين عن حرية التعبير والحقوق والحريات والديمقراطية سوى مواصلة النضال، رغم كل المخاطر التي سيواجهونها من سلب للحرية وتضييقات”.
وكشف الهمامي للجزيرة نت أن لسان الدفاع عن الصحفي زياد الهاني سيقلبون محاكمته يوم 10 يناير/كانون الثاني الحالي، لمحاكمة النظام الحالي ومسؤوليه والنيابة العمومية، قائلا “يوم محاكمة زياد الهاني سنقلب السحر على الساحر، وسنحاكم النظام على ما اقترفه من تعسف واستبداد وتجاوز”.
من جهته يقول رئيس المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية عبد الرحمان الهذيلي للجزيرة نت إن “ما يحدث من ملاحقات للصحفيين لا يمكن عزله عن السياق العام في البلاد، الذي يتسم خاصة بالانسداد السياسي وتدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية”.
وبسؤاله عن سبب اكتفاء العديد من المنظمات العريقة بإصدار بيانات يتيمة للدفاع عن الصحفيين، يؤكد الهذيلي أن “منظمته كانت من أولى المنظمات المبادرة بنشر موقفها الرافض لسياسية التنكيل بالصحفيين”، مشيرا إلى أن السياق العام في البلاد أثر بشكل سلبي على مناخ الحريات.