نشرت مجلة “فورين بوليسي” الأميركية تقريرا عن محاولة من طبيب أسنان أميركي من نيويورك والعالم الشهير ألبرت أينشتاين وقادة صينيين، قبل الحرب العالمية الثانية، لإنشاء وطن لليهود في مقاطعة يونان الصينية.
يقول كاتب التقرير هاري سوندرز -وهو دارس للتاريخ بجامعة برينستون الأميركية- إن كبير المشرعين في الصين والعضو في المجلس الأعلى للدفاع الوطني آنذاك، صن كي، أمضى عامين قبل مارس/آذار 1939 في البحث عن طرق لمنح الصين وطنا لليهود في مقاطعة يونان.
وقال صن كي في إحدى رسائله إن اليهود يعانون أكثر من غيرهم لعدم وجود بلد لهم لأكثر من 2600 عام، وظلوا يتنقلون بلا مأوى، وإن البريطانيين يريدون إقامة مستوطنة دائمة لهم في فلسطين، لكن ذلك أثار معارضة شديدة من العرب هناك، ولم يهدأ العنف بعد.
سفوح جبال الهملايا
وقال الكاتب إن صن كي كان يعتقد أنه يمكن العثور على ملجأ لليهود في سفوح جبال الهملايا في المناطق النائية في الصين، مع لاوس إلى الجنوب، وما كانت تسمى بورما إلى الغرب في مقاطعة يونان الحدودية ذات المناخ المعتدل والجمال الطبيعي المذهل والأرض الزراعية الكافية لاستيعاب 100 ألف يهودي فروا من الاضطهاد النازي.
في يناير 1934، كتب طبيب أسنان من بروكلين يدعى موريس وليام رسالة إلى ألبرت أينشتاين لتقديم فكرته لإعادة توطين اليهود في الصين، قائلا “خلال زيارة للقاضي لويس برانديز في سبتمبر/أيلول الماضي، ناقشنا بطبيعة الحال محنة اليهود الألمان. إنه يشعر أيضا أن الصين هي الأمل الكبير الوحيد لضحايا هتلر”.
وأجاب أينشتاين: “يبدو لي أن خطتك متفائلة وعقلانية للغاية ويجب السعي إلى تحقيقها بنشاط. إن الشعبين الصيني واليهودي، على الرغم من أي اختلافات واضحة في تقاليدهما، يشتركان في أن كليهما يمتلك عقلية هي نتاج ثقافات تعود إلى العصور القديمة”.
الصهيونية بدون صهيون
وبحلول الوقت الذي كتب فيه وليام إلى أينشتاين، كان القادة اليهود في أوروبا يبحثون منذ فترة طويلة عن وطن خارج فلسطين. وبلور الناشط اليهودي الروسي ليون بينسكر الفكرة في بيانه عام 1882 بعنوان “التحرر الذاتي”. وكتب أن “هدف مساعينا الحالية يجب ألا يكون الأرض المقدسة، بل يجب أن يكون أرضا نعيش عليها”. وقضى الباحثون عن أرض، كما عرف أتباعه، العقود الأربعة التالية في المحاولة دون تحقيق هذا الهدف.
لذلك، لم يكن هناك شيء جديد في مستوطنة وليام المقترحة في الصين، باستثناء موقعها. فالخطط السابقة، بما في ذلك مخطط أوغندا لعام 1903 والمشروع الصهيوني نفسه، استهدفت مناطق داخل الأراضي الاستعمارية البريطانية القائمة. وكان وليام أول من اقترح أن الصين، وهي جمهورية شابة لا تزال تكافح من أجل تحويل نفسها إلى دولة حديثة، قد تكون على استعداد لإفساح المجال للمستوطنين اليهود.
نعمة للاقتصاد الصيني
وقبل الكتابة إلى أينشتاين، ناقش وليام خطته بعمق مع السفير الصيني لدى الولايات المتحدة ألفريد ساو كي سزي، الذي وافق على أن استقدام اليهود الألمان يمكن أن يكون نعمة للاقتصاد الصيني. وقدر رؤساء سزي في حزب “الكومينتانغ” الحاكم في الصين رأي وليام، لكن ليس بقدر ما يقدرون علاقاتهم مع ألمانيا، التي كثفت مساعداتها العسكرية والاقتصادية للصين بعد فترة وجيزة من تولي النازيين السلطة.
وقال الكاتب إنه من المؤكد أن بناء مستوطنة للذين أدانهم هتلر كان سيسيء إلى الحكومة الألمانية، حسبما فكرت قيادة حزب الكومينتانغ. وستمر عدة سنوات قبل أن يصبحوا يائسين بما يكفي لإعادة النظر.
وكان المنطق الكامن وراء اقتراح صن كي يسيرا: “إذا قدمت الصين ملجأ لليهود المضطهدين في أوروبا، فقد يقنع زملاؤهم اليهود في الولايات المتحدة وبريطانيا حكومتي البلدين بدعم الصين ضد اليابانيين”. وكتب صن كي: “لقد تم التلاعب بالدعم الاقتصادي البريطاني من قبل هؤلاء التجار والمصرفيين الكبار، وبما أن عديدا منهم من اليهود، فإن هذا الاقتراح سيؤثر على البريطانيين ليكون لديهم موقف أكثر ملاءمة تجاهنا”.
بالإضافة إلى قيمتها الدعائية، اعتقد صن كي أن اللاجئين اليهود لديهم ما يقدمونه لمقاطعة صينية متخلفة في التنمية الاقتصادية. وعلى المدى القصير، يمكن أن يساعدوا في كسب الحرب. وعلى المدى الطويل، يمكن للاجئين أنفسهم، مع “خلفيتهم المالية القوية والعديد من المواهب”، على حد تعبيره، أن يساعدوا الصين على التطور إلى أمة عظيمة.
في خدمة الصين
وردد تفكيره ما كان يفكر فيه أينشتاين، الذي أخبر وليام عام 1934 أن مشروعه الاستيطاني “سيضع في خدمة الصين المساعدة المفيدة للمهارة والمعرفة والعلوم الغربية”.
وقال البعض داخل الحكومة الصينية إن التعامل مع قضية اللاجئين اليهود الشائكة لا يستحق كل هذا العناء. وحذرت وزارة الخارجية من أن وجود اليهود في الصين لا يمكن الدفاع عنه إلا على المدى القصير، قبل أن تصبح مطالبهم بالحكم الذاتي صعبة للغاية.
لكن الوعد بجذب المساعدات العسكرية الغربية أثبت أنه أقوى. وفي مارس/آذار 1939، وافق حزب الكومينتانغ على اقتراح صن كي وبدأ في نشر خطة يونان في الصحافة الصينية والأميركية. ونظرا لأن النداء الأساسي للمستوطنة اليهودية يكمن في قيمتها الدعائية، فقد اعتقد كثيرون أن مجرد إعلانها قد يكون كافيا لكسب تعاطف الأميركيين.
نهاية غامضة
وعندما سمع وليام عن اقتراح صن كي، انهمك في العمل. وكان رد فعل أقرانه في الولايات المتحدة إيجابيا، ورغم الموقف الإيجابي لحزب الكومينتانغ، فإن الأمر بدا وكأن فكرته يمكن أن تصبح حقيقة واقعة في النهاية. لكن في اللحظة التي بدأ فيها وليام في طلب أموال حكومية، بدأت الأمور تبدو مختلفة.
والظروف الدقيقة التي تخلى فيها حزب الكومينتانغ عن المشروع غامضة. لكن من الواضح في أرشيف عام 1939 أنه كانت هناك ضجة حول خطط استيطان يونان، وتمثل ذلك في مؤتمرات صحفية في شنغهاي، واجتماعات في واشنطن، واعتراضات، وتقييمات. وبحلول عام 1940، لم يحدث شيء.