القدس المحتلة– في واقع يعكس حالة التخبط التي تعيشها إسرائيل مع استمرار الحرب على غزة، أعادت مشاهد التفجيرات في خان يونس التي أسفرت عن مقتل 24 جنديا وضابطا إسرائيليا، إلى الذاكرة الجمعية الإسرائيلية مجددا صدمة معركة “طوفان الأقصى”، رغم محاولة تأطير حالة الوحدة الهشة، والتستر على الخلافات والاستقطاب والشرخ بالمجتمع الإسرائيلي.
وأمام هول صدمة التفجيرات في خان يونس التي نجمت وفقا للتقديرات الإسرائيلية الأولية عن فشل وإخفاق عملياتي عسكري ونجاح المقاومة بنصب الكمين للقوات الإسرائيلية، سارع رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، برفقة وزير الأمن، يوآف غالانت والوزير بيني غانتس، إلى إحاطة مشتركة لوسائل الإعلام في رسالة تهدف للتغطية على الخلافات والتوترات في مجلس الحرب وحكومة الطوارئ.
واستباقا لأي سجال واتهامات بالفشل والإخفاق العملياتي الذي قد يشهده الشارع الإسرائيلي، توافقت القيادات السياسية الإسرائيلية المنقسمة على ذاتها، على ضرورة مواصلة الحرب على غزة، والتأكيد على أن دماء الجنود يجب ألا تذهب هدرا، وأن الحرب ستحدد مستقبل إسرائيل، في نبرة حملت في طياتها تعزيز مشاعر الانتقام للجنود والضباط القتلى، وذلك على غرار النهج الذي أعقب “طوفان الأقصى”.
مقص الرقيب
مع استمرار المعارك وتكبد الخسائر البشرية الكبيرة التي تتداولها مقاطع الفيديو على شبكات التواصل الاجتماعي، بات مقص الرقيب العسكري الإسرائيلي عاجزا عن اعتماد نهج الضبابية والتكتم على حصيلة الجنود والضباط الإسرائيليين القتلى، إذ بلغت حصيلة العسكريين القتلى المعلن عنهم 556 منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.
تأتي هذه الخسائر العسكرية البشرية غير المسبوقة في الوقت الذي بدأ الجيش الإسرائيلي بالمرحلة الثالثة للحرب والتي تركز على تطويق وحصار خان يونس وعزلها عن باقي محافظات القطاع، وسط توقع مزيد من الخسائر بالجنود والضباط مع استمرار القتال والتوغل وسط القطاع، وفقا لتقديرات المحللين.
وأمام هذه التقديرات، تدرك القيادات العسكرية أن أي تفاهم مع حركة المقاومة الإسلامية “حماس” بشأن صفقة تبادل بات أكثر تعقيدا، فيما بدا المستوى السياسي أكثر تناغما بشأن استمرار القتال خشية الخروج عن الإجماع الإسرائيلي الداعم للحرب، وسط الخسائر البشرية الفادحة التي ما عاد بالإمكان التكتم عليها في ظل توثيقها من فصائل المقاومة الفلسطينية وكاميرات وسائل الإعلام بالقطاع.
صعوبة القتال
ويعتقد المحلل السياسي، أمير بار شالوم أنه على الرغم من النتائج الصعبة والخسائر الفادحة بالعسكريين، فإن إسرائيل لا تنوي التنازل عن تطويق خان يونس، لافتا إلى أن حادثة التفجير التي وقعت في مخيم المواصي للاجئين، توضح مدى صعوبة القتال المستمر في القطاع، خاصة عندما يتعلق الأمر بخان يونس.
هذا بلا شك، يقول بار شالوم في مقال له نشره الموقع الإلكتروني “زمان يسرائيل”، “أحد أصعب الأحداث التي شهدها القطاع منذ بداية التوغل البري، ويذكرنا هذا الحادث بانفجار نفق البريج قبل 3 أسابيع، والذي نتج عن إطلاق دبابة للجيش الإسرائيلي قذيفة فجرت العبوات الناسفة”.
وأوضح المحلل السياسي ذاته أنه منذ حادثة تفجير النفق بالبريج التي أسفرت عن مقتل 6 جنود، قام الجيش الإسرائيلي بتغيير عدد من الإجراءات في التعامل مع المربعات والمناطق التي سيتم تفخيخها وتفجيرها، واعتماد المزيد من أساليب الحيطة والحذر بالميدان، والاستعانة بفرق عسكرية صغيرة، حين تنفيذ المهام العملياتية، وهي الإجراءات التي على ما يبدو لم تنفذ.
استخلاص العبر
بدا مراسل الشؤون العسكرية في صحيفة “هآرتس”، يانيف كوبويتش، أكثر وضوحا في انتقاداته للمؤسسة العسكرية، قائلا إن “مقتل الجنود في التفجيرات خلال عملية تطويق خان يونس يثير أسئلة صعبة، حيث سيتعين على الجيش الإسرائيلي فحص الاستعدادات للمهمة”.
في هذه المرحلة، يقول المراسل العسكري “تطرح تساؤلات حول سلوك الجيش الإسرائيلي، والقوات الموجودة في مكان التفجير، والسبب بالسماح لهذا العدد الكبير من الجنود بالبقاء في مبنى محاصر سيتم تفجيره، وما إذا تم اتخاذ الاحتياطات اللازمة بالإضافة إلى استخلاص العبر من انفجار نفق البريج قبل حوالي أسبوعين نتيجة نيران دبابة”.
وأوضح المراسل العسكري أنه سيتعين على الجيش الإسرائيلي أن يختبر سيطرته على المنطقة التي من المقرر أن تصبح الشريط الأمني الجديد لإسرائيل، قبل إعادة السكان إلى المستوطنات القريبة من الحدود، وأيضا التحقق من المكان الذي تم إطلاق قذيفة “آر بي جي” على الدبابة فيه، لأنها منطقة لا يدور فيها قتال.
أوقات صعبة
رغم التساؤلات التي تشير إلى الإخفاق العملياتي وعدم استخلاص العبر من حوادث سابقة، تجند محلل الشؤون العسكرية، في “واينت”، يوسي يهوشع، للدفاع عن المؤسسة العسكرية.
وبرر محلل الشؤون العسكرية استمرار القتال في القطاع بمعزل عن السجال بشأن عدم تحقيق أهداف الحرب، المتلخصة بالقضاء على حماس سياسيا وعسكريا واستعادة المحتجزين بعملية عسكرية ودون صفقة تبادل.
وأوضح يهوشع أن المجتمع الإسرائيلي استيقظ، صباح الثلاثاء، على واحدة من أصعب الأحداث التي عرفها خلال القتال والتوغل البري في القطاع، وهي توازي صدمة الهجوم المفاجئ يوم “السبت الأسود”.
وأشار إلى أنه في مثل هذه الأحداث والخسائر الكبيرة بالأرواح يبحث الجمهور عن إجابات للأسباب التي أدت للتفجيرات، ولكن يضيف “في مثل هذه الأوقات الصعبة، من المهم فصل الحقيقة عن جميع أنواع القصص وخلط الأوراق”.
خيار الحرب
وعاد المحلل العسكري نفسه في تبريراته إلى معركة “طوفان الأقصى” قائلا إن “جوهر الحرب على غزة يهدف لمنع أي هجوم بالمستقبل على الجنوب، وعليه يعمل الجيش الإسرائيلي على إنشاء منطقة عازلة في قطاع غزة لمنع تكرار أحداث الهجوم المفاجئ الذي قامت به حماس”.
الطرح ذاته تبناه، المحلل العسكري في القناة الـ12 الإسرائيلية، نير دفوري، الذي قال إن “الحادث المميت الذي وقع في جنوب القطاع، يذكرنا بمدى صعوبة ووحشية القتال في غزة. ومع ذلك، حتى عندما يفرض علينا مثل هذا الثمن المؤلم، يجب علينا أن نتذكر ما حدث لنا في 7 أكتوبر”.
في ذلك “السبت الأسود”، يقول دفوري “ارتكبت جريمة ضد إسرائيل وسكانها في غلاف غزة والجنوب، وتم أسر حوالي 240 مدنيا وجنديا. فالهجوم المفاجئ هو المولد والدافع للعمل العسكري، نحن في خضم عملية بلا خيار، في مواجهة ما فعلوه بنا.على الرغم من أن الواقع صعب ومعقد وقاس، ببساطة ليس لدينا خيار سوى الحرب”.
وخلص للقول “علينا أن نطالب قيادتنا بتحديد وتوجيه ما تريده بالضبط، حتى يمكن الوصول إلى الأهداف وإنهاء هذه الحرب. يجب علينا أن نفعل ذلك بطريقة واضحة، ليس فقط تجاه سكان غزة، ولكن لجميع أعدائنا الآخرين من حولنا حتى لا يجرؤ أحد أن يفعل ما فعلت بنا حماس بالسابع من أكتوبر”.